أجاب بعبارات مختلفة عن تلك التي استعملها محرر المقال الذي كان يحمل توقيعه (2/1) عنوان هذا المقال ليس مزاحا ولا عبثا، بل هو معاينة لحقيقة الواقع الذي عشناه في الأسبوع الماضي. ذلك أن موقع "هسبريس" أجرى حوارا مع وزير العدل. وفي هذا الحوار طرح عليه الصحافي الأسئلة الراهنة وعلى الخصوص تلك المتعلقة بالخلاف حول مشروع المسطرة المدنية. بقلم: عبد الكبير طبيح(*) لاحظ كل المتتبعين لذلك الحوار أن وزير العدل كان يجيب عن أسئلة الصحافي والتي كانت أحيانا محرجة لأنها نقلت ما يؤاخذ على الوزير من استعماله في مقال يحمل توقيعه من رد فعل اتسم بالعنف اللفظي، أقول كان يجيب بعبارات مختلفة كل الاختلاف عن تلك التي استعملها محرر المقال الذي كان يحمل توقيع الوزير. بل الصحافي وبمهنية عالية ذكره بالعبارات التي استعملت في المقال الذي حمل توقيعه، وعلى الخصوص العبارات التي اتهمت المحامين بالابتزاز والتأثير على ممثلي الأمة. فنفى الوزير صدور تلك العبارات عنه، كما هو واضح من جوابه المسجل في الدقيقة 10و50 ثانية. وهو النفي الذي عبر عنه وزير العدل بما يلي: (لا أنا مامشيتش الى هذا الاتجاه كله). بعد هذه المقدمة وتبعا لما أكد عليه وزير العدل في حواره المشار اليه أعلاه من أنه يشجع النقاش العام، وقدم نفسه بصفتين: بصفته محاميا وصرح بأنه كان يتمنى أن يكون مشاركا في الوقفة التي نظمتها جمعية هيآت المحامين. وبصفته وزيرا والتي أكد بأنه سيدافع عن موقفه عضوا في الحكومة. وهو الموقف الذي يختلف فيه مع كل من عارض مشروعه للمسطرة المدنية. وبهذا التمييز فإن عبد اللطيف وهبي قدم نفسه للرأي العام رجل سياسة يدافع عن توجه سياسي للحكومة التي ينتمي إليها. وهو التوجه الذي يذهب إلى أن الحل لكثرة الملفات المعروضة على المحاكم والتي ذكر أنها تصل الى 5 ملايين قضية، بينما لا تتوفر بلادنا إلا على ما يقارب من 3500 قاض. هو في وجود المحامي لذلك يجب ترك المواطن يواجه وحده المساطر المعقدة أمام المحكمة عن طريق توسيع مجال المسطرة الشفاهية، أي المسطرة التي لا يكلف بها المحامي. وإحالة شرح وتفسير تعقيدات المساطر القضائية إلى القاضي الذي يبت في النزاع، مع أن القاضي لا يمكنه لا واقعيا ولا قانونا القيام بذلك. لا يمكنه واقعيا القيام بذلك لأن القاضي ليس له الوقت ليشرح لكل متقاض على حدة أن عليه أن يدخل بعض الأطراف لكي تكون دعواه مقبولة. ـوعليه أن يطعن بالزور الفرعي في وثائق خصمه وإلا سيحكم عليه بها مع أنها مزورة. ولا أن يصحح كمقاله بتقديمه للمحكمة المختصة. ولا أن يحترم الآجال المتعددة والمعقدة لرفع الدعاوى. ولا يمكنه قانونا القيام بذلك لأن القاضي لا يمكنه أن يفسر أو يساعد متقاضيا على ربح قضيته ضد خصمه، لأن ذلك سيفقده أهم عنصر في أهليته لتحقق العدالة، وهو حياد القاضي. كما أعلن وزير العدل بأن فريقه البرلماني سيحيل على مجلس المنافسة سؤالا حول أحقية هيأة معينة أن تحتكر ممارسة مهمة معينة. وبطبيعة الحال فإن سياق حديث الوزير كان يتعلق بمهنة المحاماة. كما عبر مرة ثانية عن رأي مخالف لرأي رئيس مجلس النواب، حول كيفية عرض مشروع قانون المسطرة المدنية على المجلس الدستوري. كما جدد مرة أخرى بأن مشروعه غير مخالف للقانون، وهو مستعد للدفاع عنه أمام المحكمة الدستورية. وهذه القضايا هي موضوع هذا المقال. علما أنه ستكون هناك مناسبة أخرى لإعادة التفصيل في المواد، التي تمس بالحقوق الدستورية للمتقاضين والمواطنين، على السواء. علما أن رأي الموقع أسفله هو واحد من الآراء تحتمل الصحة او غيرها. رغبة الوزير في اللجوء الى مجلس المنافسة أكد وزير العدل في الحوار المشار اليه أعلاه، أنه سيكلف فريقه البرلماني، من أجل أن يعرض على مجلس المنافسة طلب استشارة تمكن أشخاصا غير المحامين من ممارسة مهنة المحاماة، أي السماح لأي كان من أجل أن يحضر أمام القاضي ويمثل الغير في النزاعات أمام المحكمة، بما في ذلك التمثيل من تحرير المقالات والمذكرات والمرافعة الشفوية أمام القاضي وأمام المحكمة الابتدائية ولاستئنافية وأمام محكمة النقض، لأن المحامي يجب ألا يحتكر هذه المهمة، حسب رأي وزير العدل. ومن المفيد أولا التذكير أن كل محررات الجمعية أو النقابات المهنية لم يسبق لها أن استعملت هذه العبارة أي عبارة (الاحتكار). وعيا منها أنها عبارة لا علاقة لها بممارسة مهنة الدفاع عن حقوق الناس أمام المحاكم، وإنما هي عبارة من العبارات التي تستعمل في المجال الاقتصادي والتجاري، كتصرف ممنوع في هذه الأنشطة. ولهذه الأسباب القانونية فالمحاميات والمحامون لا يستعملون عبارة (احتكار)، عند الحديث عن ممارسة المهن. بل إننا نطالب بأن لا يحرم أي مواطن من حقه في المساعدة القانونية، عندما يكون في نزاع مع القانون، أي عندما يتهم بخرقه للقانون أو عندما يكون في نزاع مع غيره، شخصا ذاتيا أو اعتباريا أو إدارة عمومية. وقد تم التعبير بكل الوسائل على أن المحاميات والمحامين مستعدون لتحمل نصيبهم في الجهد الوطني والمجتمعي، لتقديم تلك المساعدة القانونية عن طريق تمثيل بعض المتقاضين، الذين ليست لهم الإمكانات المالية في إطار المساعدة القضائية. وهو ما عبرت عنه جمعية هيآت المحامين لوزير العدل في عدة مناسبات. عندما نقول إن هجوم وزير العدل على مهنة المحاماة، هو غير مبرر، فإن هذا القول له ما يبرره في الواقع ومن القانون معا، بل له ما يبرره في السياسة الحكومية الرامية إلى رقمنة العمليات القضائية. فكيف ستتعامل المحكمة مع المتقاضي شخصيا وتطلب منه ان يسلم لها عنوانه الالكتروني، الذي يجب أن يضمنه مقاله، وأن يضع مقاله ومذكراته من خلال التطبيق الإلكتروني، وأن يؤدي الرسم القضائي من خلال ذلك التطبيق الالكتروني. وان يتوصل بجواب خصمه عبر ذلك التطبيق الالكتروني، وأن يحصل على نسخة الحكم من ذلك التطبيق الالكتروني، وأن يتعامل مع المفوض القضائي من ذلك التطبيق الالكتروني. إن اتهام المحامين بمحاولة احتكار مهنة المحاماة، هي محاولة غير ناجحة من أجل تغيير النظر عن الإشكال الحقيقي الذي تعرفه العدالة في بلادنا. وهو قلة القضاء وقلة كتاب الضبط وقلة الوسائل المادية، التي تشجع العاملين في مجال العدالة من ان يؤدوا مهامهم في راحة وبدون أي ضغط لمواجهة 5 ملايين قضية. بينما بلادنا لا تتوفر إلا على ما يقرب من 3500 قاضية وقاض. وهو عدد غير كاف على الإطلاق. والحكومة أفتي عليها واعتقدت عن خطأ، أن حل إشكال تكاثر القضايا أمام المحاكم، هو الضغط على المحامين وعلى القضاة، على حد سواء. الضغط على المحامين بإبعاد جهد الإمكان أي تدخل المحامين في المساطر القضائية، بدعوى أن بعضها بسيط وأن تدخلهم يعرقل البت بسرعة فيها منها القضايا الاجتماعية. وكأن دعوى التطليق وتحديد النفقة هو أمر سهل سيتعرف القاضي على أسباب النزاع العائلي وسيتعرف على دخل الزوج فقط من تصريح المدعي. وكأن نزاعات الشغل هي نزاعات بسيطة ويمكن التحقق من احترام مسطرة الفصل تعرف اجتهادات مختلفة هو عمل بسيط. والغرض هو السماح لغير المحامين بتمثيل المتقاضين أمام المحكمة. وبالضغط على القضاة بما يسمى الآجال الاسترشادية، أي إلزام القاضي بالبت بسرعة في القضايا المكلف بها، وخلق ظاهرة التباري بينهم، أي من هو القاضي الذي يحكم أكثر من القضايا. دون أن تعي الحكومة بأن الحكم غير العادل لا قيمة له وإن صدر قي اليوم نفسه، لأن المتضرر منه سيعاود سلوك مساطر أو وسائل أخرى للحصول على حقوقه. (*) محام بهيأة البيضاء