رحاب حذرت من مغالطات باسم المحافظة تهدف إلى إعداد رأي عام مقاوم للإصلاح حذرت حنان رحاب، رئيسة منظمة النساء الاتحاديات، من محاولات تضليل ومغالطات، من قبل محسوبين على التيارات المحافظة بإثارة موضوع الحريات الفردية في نقاش مدونة الأسرة، معتبرة ألا علاقة للمدونة بذلك، اللهم إذا كان الهدف هو إعداد رأي عام مقاوم لأي إصلاحات قد تأتي بمكاسب تحقق التوازن في العلاقات الأسرية. وشددت القيادية في حزب "الوردة" على أنه ليس هناك ما هو رئيسي وما هو ثانوي، في مجال حقوق الإنسان والحريات الفردية، وأنه من غير المقبول من منطلق كونية وشمولية حقوق الإنسان أن نحرم أحدا من حق من حقوقه، بدعوى أن حقا آخر له أولوية. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: ياسين قُطيب / تصوير: (عبد المجيد بزيوات) لمناسبة النقاشات العمومية المرافقة للتعديلات التي يفترض أن تطول مدونة الأسرة والقانون الجنائي، عاد جدل الحريات الفردية، هل تعتقدين أن هذا الموضوع ذو أولوية في هذه الظرفية؟ يجب أولا أن ننبه إلى أن كل نقاش عمومي هو محمود ومطلوب، مهما اعترته حدة في الجدال، ولكن ما هو غير مطلوب هو اللجوء إلى التضليل والمغالطات، فللأسف كثير من الشخصيات المحسوبة على التيارات المحافظة كانت تثير موضوع الحريات الفردية لمناسبة النقاش حول مدونة الأسرة، رغم علمها ألا علاقة للمدونة بهذا الموضوع، لقد كان هدفهم إعداد رأي عام مقاوم لأي إصلاحات قد تأتي بمكاسب تحقق التوازن في العلاقات الأسرية، في علاقة بالتحولات المجتمعية التي أفضت إلى مساهمة أكبر للنساء في تدبير الأسرة ماديا وتربويا، ولذلك قاموا بإيهام الرأي العام أن المدونة ستشرع العلاقات الرضائية خارج مؤسسة الزواج، وستبيح المثلية، وغيرها مما لا دخل لمدونة الأسرة فيه، والذي يمكن أن نجد مسوغات له أثناء نقاش التعديلات على القانون الجنائي. أما بخصوص أولوية موضوع الحريات الفردية في هذه الفترة، فدعني أقول لك، إنه في قضايا حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية، ليس هناك ما هو رئيسي وما هو ثانوي، باستثناء الحق في الحياة الذي يسمو على باقي الحقوق، ومن منطلق كونية وشمولية حقوق الإنسان، فليس من المقبول أن نحرم أحدا من حق من حقوقه بدعوى أن حقا آخر له أولوية. لكن هناك بالمقابل من يرى في توسيع هوامش الحريات الفردية فتحا لباب قد يفضي إلى استهداف قيم المغاربة المستندة إلى الدين الإسلامي، وإلى انتشار الفاحشة، كيف تردين على ذلك؟ أعتقد أن المغاربة اختاروا الدين الإسلامي منذ قرون طواعية وعن اقتناع، ولم يختاروه بحد السيف، والكتابات التاريخية تؤكد أنه حتى حركات العصيان أو التمرد أو الثورات التي تلت دخول الإسلام لبلاد المغرب الكبير، كانت ضد مظالم استشعرها السكان الأصليون، ولم تتوجه ولو مرة ضد الدين الإسلامي، رغم أن بعض المظالم كان يتم تغليفها دينيا، ولذلك فإن الادعاء بأن احترام الحريات الفردية هو خطر على دين وتدين المغاربة، فيه احتقار للمغاربة وإساءة للدين نفسه، لأنه يتم تصويره وكأنه مفروض على المغاربة بقوة القانون، وأنه إذا رفعت القيود القانونية، فإن الناس سيعودون إلى "الجاهلية". ماذا عن إلغاء الإدلاء بعقد الزواج عند الرغبة في إقامة زوجين بالفنادق؟ النقاش يجب أن يكون قانونيا صرفا، إذا كنا نؤمن بضرورة دولة القانون، ومعنى ذلك أنه إذا كان طلب الإدلاء بعقد الزواج قانونيا، فما على من يرفض ذلك سوى المطالبة بتغيير المسوغات القانونية له، وإذا كان غير قانوني فيجب إلغاؤه، وما على من يرفض ذلك سوى سن تشريع موافق لما يراه صائبا من داخل الأطر التشريعية الواضحة، لأنه يجب القطع مع ثقافة التطبيع مع ما هو غير قانوني بمبررات الأعراف وما جرى العمل به. ولا أعتقد أن العلاقات الرضائية خارج مؤسسة الزواج تنتظر إلغاء الإدلاء بعقد الزواج في الفنادق لكي تظهر وتنتشر، فهي ممارسة قائمة وموجودة ومنتشرة، كما أن مقاومتها ورفضها كذلك موجودان. كما أن القول بأن هذا الإلغاء سيحول الفنادق إلى مواخير أو أماكن معدة للدعارة، فهو ضرب في مؤسسات لها أدوار في العرض السياحي الوطني، والذي له أدوار كذلك في دعم الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص الشغل للعديد من المواطنات والمواطنين، إضافة إلى أن المغاربة يعترفون بيقظة الأجهزة الأمنية، والتي لها خلايا مهمتها السهر على الأخلاق العامة، وتنسق مع النيابات العامة كلما كانت هناك شبهات حول تحويل مكان ما لبؤرة لممارسة الدعارة، سواء كان فندقا أو شقة أو أي محل آخر. ألا تعتقدين أنه في مقابل الحريات الفردية، هناك حق المجتمع كذلك في الحفاظ على قيمه وموروثه وما يشكل عناصر تماسكه؟ للأسف هناك نوع من الانتقائية بهذا الخصوص، فمن جهة يتم التهجم على مجموعة من الممارسات التي تدخل في هذا الموروث بدعوى أنها بدع وانحرافات، وما تعرضت له احتفالات "بيلماون" بسوس الكبير من تسفيه نموذج لذلك، ولكن حين تتم المطالبة باحترام الحريات الفردية يخرجون ورقة الموروث. أعتقد أن الدولة في المغرب رغم كل الملاحظات المرتبطة ببعض التفاصيل الصغيرة، التي قد تكون محط اختلافات في التقدير، واعية بضرورة إقامة التوازن بين حقوق الفرد وما أسميته حقوق المجتمع، وحتى الغالبية العظمى من المجتمع واعية بضرورة إقامة هذا التوازن، وتعبر عن ذلك بلفظ "السترة"، الذي يعني في أحد مدلولاته أن يمارس الفرد حرياته دون أن يستفز الآخرين، ولذلك فإن المدافعين عن الحريات الفردية، لا يطالبون بالترخيص لدور الدعارة ولا بتقنينها، بل يعتبرون الدعارة شكلا من أشكال النخاسة والاتجار في البشر، ويقيمون فروقا بين العلاقة الرضائية بين راشدين وبين الدعارة، بين تملك الجسد وبين امتهان الجسد وتحويله لسلعة. الفضاء الخاص والفضاء العام لا اعتراض لي على أي مفهوم، شرط أن تكون دلالته واضحة، وأن لا يتم تسخيره لأغراض غير التي وضع من أجلها. شخصيا أفضل استعمال مفهوم الفضاء الخاص في مقابل الفضاء العام، عوض أن نختلق صراعا بين حق الفرد وما أسميته حق المجتمع، وكأن المجتمع مهمته هي الحد من حريات أفراده، أو الرقابة عليها. وانطلاقا من المقابلة الإجرائية بين الفضاء العام والخاص، يمكن أن نحل الكثير من الإشكالات، التي هي نتاج سوء فهم، أو مخاوف لها ما يبررها، أو مبالغات بغايات الضبط المجتمعي، وفق رؤى معينة. الفضاء الخاص يجب أن يكون محميا، ولا يجوز لأي سلطة قانونية أو مجتمعية أن تتحكم في ما يقع فيه، وللفرد المواطن داخله أن يمارس حرياته الخاصة، في حدود ألا ينتهك حريات الآخرين، وأن لا يتم فيها ارتكاب جرائم أو اعتداءات أو استغلال لأشخاص في وضعية هشاشـــة أو غير راشدين، إنه الفضاء الذي تعتبر فيه الحريـــة الفرديــــة المقترنة بالرشد والرضائية وتحمل مسؤولية ما يترتب عنها، موجبة للحماية وعدم الانتهاك، بخلاف الفضاء العام الذي هو محكوم بقواعد العيش المشترك، أو ما يسميه بعض القانونيين الأخلاق العامة، وهنا يمكن أن نتحدث عن الخصوصية، وبالتالي ليست هناك صورة واحدة كونية لقواعد العيش المشترك، مع الإيمان أنها قواعد غير ثابتة. الحماية من الابتزاز الحياة الخاصة للأفراد يجب أن تكون محمية بالمطلق، لا فرق في ذلك بين المواطن وبين الشخصية العمومية، إلا إذا كانت بعض الوقائع التي تدخل في نطاق الحياة الخاصة على تماس مع تدبير الشأن العام. وهنا يجب أن نحدد ما المقصود بالشخصية العمومية، وفي اعتقادي أنه الشخصية التي تحوز منصبا له علاقة بتدبير الشأن العام، سواء من موقع تنفيذي أو تشريعي أو قضائي، أما الشخصيات المعروفة والتي هي بعيدة عن تدبير الشأن العام أو إنتاج السياسات العمومية أو التصرف في المال العام، من قبيل الفنانين والرياضيين، فأعتقد أنه من التعسف انتهاك حرياتهم الفردية أو حياتهم الخاصة بمبرر أنهم شخصيات عمومية. ولذلك، فإن مدبري الشأن العام من قبيل الوزراء والبرلمانيين ورؤساء الجماعات الترابية والمسؤولين السامين، وما في عرفهم، فحياتهم الخاصة يجب أن تكون محمية، بل إن انتهاكها قد يكون مقدمة لابتزازها في أمور متعلقة بالشأن العام، لكن حين يكون العكس، أي يكون هناك توظيف للمنصب والصلاحيات في خدمة ما له علاقة بالحياة الخاصة، هنا تصبح تلك الحياة الخاصة شأنا عاما. انزلاقات باسم الصحافة يؤسفني أن أقول بأن هناك انزلاقات على هذا المستوى، حيث أصبحنا نرى بعض الممارسات التي كانت حبيسة مواقع التواصل الاجتماعي تنتقل إلى بعض وسائل الإعلام، وهو الأمر الذي يطرح سؤال احترام ميثاق أخلاقيات المهنة، وهي مناسبة للمطالبة بأن تكون حجيته القانونية أقوى من مجرد ميثاق ذي بعد أخلاقي، وإلى أن يتم تعديل القانون المحدث للمجلس الوطني للصحافة، حيث تكون له صلاحية الإحالة الذاتية عوض انتظار تلقيه شكاوى من الأطراف المتضررة، مع العلم أن الكثير من الضحايا هم مواطنون بسطاء يعيشون وضعية الهشاشة، ولا يعرفون سبيلا لطرق أبواب بعض المؤسسات الزجرية أو التحكيمية. وهبي لم يحظ بالدعم اللازم شخصيا لا يهمني كثيرا أسلوب وهبي أو غيره في التعبير عن رأيه، والمنافحة عنه، رغم أن الأسلوب هو الرجل كما يقال، وقد أتفق معك في أنه أحيانا يعبر وزير العدل عن مواقف وآراء مهمة، تحتاج للنقاش الصريح والواقعي والعقلاني، ولكن يتم الانشغال بطريقة وأسلوب تحدثه عوض الاهتمام بما قاله. وأود التذكير قبل الإجابة أني لطالما عارضت عبد اللطيف وهبي، سواء بصفته الوزارية أو الحزبية في محطات متعددة، ولكن يجب أن نعترف للرجل بأنه كانت له الشجاعة في تحريك النقاش العمومي، بعيدا عن لغة الخشب في قضايا متعددة، مثل الحريات الفردية، وحقوق النساء، والقانون الجنائي، والعقوبات البديلة. وأعتقد أنه في حدود معينة كان أمينا لاختياراته الحداثية التي كان يدافع عنها قبل استوزاره، وهذا نموذج مطلوب في التعاقد بين الناخبين والمنتخبين، حتى نحافظ على التعددية في المجال السياسي، وألا نعيد إنتاج تلك الصورة النمطية التي يغير فيها الوزير قناعاته الإيديولوجية بمجرد استوزاره، ضدا على ما كان يقوله قبل ذلك، أو أن يصرح بغير ما يؤمن به، مخافة فقدان أصوات في الانتخابات. قد أتفق وقد أختلف مع وهبي في بعض مواقفه، ولكن لا أملك إلا أن أحترم فيه هذا الجانب المنتصر لما يؤمن به من قيم حداثية في ما دافع أو يدافع عنه، في كل ما له علاقة بالقانون الجنائي أو مدونة الأسرة، أو في تأويله للقوانين، بما يجعلها منسجمة مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، والتي أصبحت بقوة الدستور جزءا من القانون الوطني. وكل هذا جر عليه تهجمات، من قبل بعض القوى المحافظة غير المؤمنة بالتعددية، وللأسف أعتقد أنه في بعض المحطات لم يحظ بدعم كاف من القوى الديموقراطية. في سطور: الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات. عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية. برلمانية سابقة. حاصلة على الإجازة في القانون العام وفي الصحافة المكتوبة. حاصلة على الماستر في القانون الدستوري والعلوم السياسية.