النقض أمام امتحان الأمن العقاري

شفعة من وريث وهمي على عقد تسوية مع الدولة في 150 هكتارا قضية 150 هكتارا الموجودة ببرشيد وداخل المدار الحضري، والتي طفت على سطح الأحداث أخيرا، تطرح استفهامات عريضة حول الأمن العقاري ومدى وضوح القوانين وملاءمتها مع الاجتهادات القضائية للمحاكم، لإعطاء فكرة واضحة للمستثمرين عن الممارسة الواقعية، سيما أن رأس المال جبان بطبعه، وأن مجهودات الدول تنصب أكثر على اتخاذ تدابير للتقليل من خوف المستثمرين ومنح إغراءات ضمنها الحماية والمواكبة واستقرار المعاملات المالية والتجارية. الملف فجرته شفعة وهمية، انصبت ضد القانون على شريك، والقضاء حسم الملف في 1996 بعدم قبول دعواها، إلا أنه في 2022 بعث الملف بعد 27 سنة، معلنا سابقة تناقض ما استقر عليه الفقه والقضاء، وتفتح المجال لزلزال سيهز الأمن العقاري. إنجاز: المصطفى صفر تخوفات ملاك العقار، الذي أصبح اليوم ذا قيمة كبيرة تتعدى 60 مليارا، بعد دخوله المدار الحضري، ازدادت بفعل ما وقع في محكمة الاستئناف بسطات في قرارها تحت عدد 173/1401/2022، والذي تصدت فيه إلى حكم صدر قبل 27 سنة من المحكمة الابتدائية لبرشيد قضى بعدم قبول دعوى الشفعة، وتصدت له بالتصريح في 16 مارس من العام الماضي، بـ"استحقاق المستأنف من شفعة الحقوق المبيعة بمقتضى عقد البيع المصحح الإمضاء بتاريخ 06 07 دجنبر 1993 ، من يد المسـتأنف عليهم بعد أدائه الثمن ومصاريف العقد وإفراغ المطلوبين في...". نزل الحكم على ملاك العقار، كالصاعقة، سيما أن الأرض أصبحت تحمل رسمين عقاريين، اعتقدا أنهما طهراها من جميع المطالب وفق ما ينص عليه القانون، وترسخه قواعد الأمن العقاري، أما تعليقهم عليه، فكان احتجاجا عما وصف بخرق القانون، وبإعطاء حق لمن لا حق له، وأيضا بالتصريح باستحقاق الشفعة بناء على عقد محرر من الدولة، في إطار التخلي والتسوية بعد أن حاولت إدراجه ضمن الأراضي المسترجعة تطبيقا لظهير 2 مارس 1973، إذ أن الملاك يعتبرون أنفسهم بعيدين عن أي شفعة، لأن العقار ملك لهم، وحيازته استمرت لهم رغم صدور الظهير، بل إنهم نازعوا الدولة وأظهروا لها خطأها عندما أدرجت العقار ضمن الأراضي المسترجعة وقدموا لها حججهم، وهي عقد شراء مؤرخ في 1969 آلت إليهم بموجبه حقوق الأجنبي الذي كان معمرا ومالكا. وأن العقد الذي فسرته المحكمة بأنه عقد بيع، لا علاقة له بالبيوع العقارية التي يمكن أن تنصب عليها الشفعة، أو أي طعن، بل هو من الأعمال السيادية للدولة، تتخلى بموجبه عن أراض لمن توفرت فيهم شروط حصرية، ضمنها الحيازة والاستغلال ووجود عقد مصحح الإمضاء من المالك الأجنبي قبل تاريخ صدور الظهير، فهذه العقود هي تصحيح لوضعيات قانونية، وتراجع للدولة على بسط يدها على ملك اعتقدت خطأ أنه لمعمر أجنبي، ما يطرح علامات استفهام عريضة حول التصريح باستحقاق الشفعة، حتى ولو كان طالبها يتوفر على سند للتملك، إذ كان أحرى أن يواجه به الدولة للمرور عبر القناة نفسها التي مر منها ملاك العقار ضحايا الحكم الاستئنافي الذي وصفوه بالظالم والغريب. ثم إن الأصل في الشفعة أن تنصب على حق شريك خوفا من ضرر يلحق الشركاء أو الجوار جراء بيع حصة من عقار مملوك على الشياع لأجنبي عنه، والدولة لم تملك يوما العقار ولم تحزه بدليل توفر الضحايا على شهادة الاستغلال الموقعة من الوزير الأول في سبعينات القرن الماضي. فالأمر ليس إلا تصحيح خطأ من الدولة، أما الثمن المحدد في العقد المبرم بين الدولة ومستغلي العقار الفعليين، فهو ثمن رمزي، لا يرقى إلى الثمن الحقيقي للعقار. شفيع بدون سند تملك عندما بتت المحكمة الابتدائية لبرشيد في 1996 بحكم قضى ضد الشفيع بعدم قبول دعواه، فإن الهيأة استغنت عن الدخول في حيثيات أصل التملك واستبيان حق الشفيع في ما قدمه من سندات أمامها، بل بدا لها واضحا أن طالب الحق لم يمارس قبل ذلك فعلا يخول له المنازعة في العقار، وهو التعرض، على مطلبي التحفيظ اللذين أنشآ الرسمين العقاريين، وهما المطلبان المنشوران بالجريدة الرسمية، لإعلام ذوي الحقوق بسريان المسطرة قصد تقديم تعرضاتهم داخل الآجال القانونية المحددة في شهرين من تاريخ نشر الإعلان عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية، أو قبل ذلك، فمسطرة التعرض هي الطريقة الوحيدة للإعلان عن الحقوق المستحقة والتعبير عنها بصفة قانونية، لأن التحفيظ لا يعترف إلا بالحقوق المعلنة، وهو ما رسخه الفصل 24 من ظهير التحفيظ العقاري، الفصل نفسه المعتمد في تعليل الحكم الابتدائي، والذي تجاهلته محكمة الاستئناف. أكثر من ذلك أن شقيقين لطالب الشفعة قدما تعرضاتهما في المطلبين، تم التشطيب عليها بقرار قضائي نهائي، بعد أن تبين أن سند الملكية غير منشئ لحقوق على العقار، فكيف تستقيم الشفعة لشخص في المركز القانوني نفسه لشقيقيه، رغم عدم لجوئه إلى مسطرة التعرض وعدم توفره على سند ملكية. سمسار وراء وريث وهمي الوثائق التي تتوفر عليها "الصباح" بخوص الشفيع تشير إلى أنه في الأصل ليس وريثا، وأنه حتى وإن صح سند تملكه، فإنه خارج عن ذوي الحقوق لوقوعه تحت ما يسمى بحجب الإسقاط، وهو من موانع الإرث في علم الفرائض، ويسمى أيضا حجب حرمان، لوجود ذوي فروض أو لعدم بقاء شيء بعد إلحاق الفروض بأهلها. وتؤكد شهادة صادرة عن قسم التوثيق بقضاء الأسرة بابتدائية برشيد، أن أصحاب الفروض استوفوا جميع الأسهم ولم يبق للشقيق العاصب، أي سهم وبالتالي لا يرث لأنه تم حجبه حجب إسقاط. والمقصود بالشقيق العاصب في هذه الشهادة، هو جد الشفيع الذي أدلى بشهادة تم فيها إغفال هذه المعطيات الحاسمة. اكتشف ضحايا الحكم الاستئنافي أن أيادي خفية هي التي تحرك القضية وتتحكم فيها، وتأكدوا بعد أبحاث مضنية من ذلك بعد وضعهم اليد على وثيقة عدلية عبارة عن جعل، وهو اتفاق رسمي ملزم لطرفيه، التزم فيه الشفيع بأن يتخلى عن نصف العقار أي 75 هكتارا، مقابل المجهودات التي سيقوم بها الطرف الثاني وهو سمسار معروف وله سوابق وملفات مماثلة، وتتلخص هذه المجهودات في إقامة الدعاوى والتدخل لدى مختلف الإدارات وغيرها، أما النصف الثاني من العقار، أي 75 هكتارا المتبقية، فإن الشفيع ملزم ببيعها بمليار سنتيم، للطرف المتعاقد معه وهو السمسار نفسه، فوثيقة الجعل أصبحت عقد معاوضة على مجهودات وبيع عقار في الآن نفسه. وحرر من قبل عدلين، كما تم توثيقه خارج نفوذ برشيد، حتى يبقى سريا وخفيا. فمن أين للسمسار الثقة في ضمان نتيجة ربح حكم عمره 27 سنة، أي صادر في 1996، عندما يتم استئنافه في 2022؟ وكيف قيد الشفيع وشل حركته بإجباره على بيع عقار بمليار سنتيم مساحته 150 هكتارا؟ وما هي المجهودات والتدخلات التي قدر السمسار نفسه مقابلا لها نصف العقار أي 75 هكتارا؟ أسئلة وأخرى دفعت الضحايا وعلى رأسهم قاضية سابقة اشتغلت بمحاكم سطات وبرشيد لمدة 23 سنة، ومارست القضاء لأزيد من 30 سنة، تتهم أيادي خفية بالوقوف وراء محاولة الاستيلاء على العقار، سيما أن مبلغ الشفعة المطلوب والمحدد في عقد التخلي المنجز من قبل الدولة في شخص الأملاك المخزنية، لا يتعدى 29 مليون سنتيم، فهل سيسهل القضاء هذا السطو، علما أن الضحايا شرعوا في مسطرة التسوية مع الدولة منذ 1973، وسبق أن اقتنوا العقار من أجنبي بمبلغ 30 مليون سنتيم في 1996. وضع شاذ يظهر استحالة تحقق واستحقاق الشفعة لأن المركز القانوني للشفيع يقتضي أن يكون شريكا ضد أجنبي عن العقار، في حين أن الشفعة في هذا الملف تنصب على الشريك نفسه الحائز لعقاره منذ 1969 دون منازع. استفهامات أخرى طرحت في المرحلة الاستئنافية حول إجراءات دأبت المحاكم المختصة في القضايا العقارية على سلوكها وهي مسطرة الخروج إلى عين المكان، وهي إمكانية تتيح للهيأة الاطلاع على الحقيقة والتأكد من التملك واستجلاء الغموض الناتج عن دفوعات أطراف النزاع، فالضحايا عبر دفاعهم ظلوا متمسكين بأن العقار في حوزتهم وأنهم يحرثونه وأن والدهم وشريكه آل إليهما عن طريق الشراء من المعمر الفرنسي، إلا أن محكمة الاستئناف كان لها رأي آخر، فقضت بحكم عد سابقة خرقت الحق والقانون والأعراف، حسب قول القاضية السابقة ابنة أحد مالكي العقار. امتحان القانون والحق لم تتوقف تخوفات الضحايا، خصوصا أنهم اصطدموا بعراقيل في مسطرة تتعلق بإعادة النظر، عرضوها على محكمة الاستئناف بسطات مصدرة القرار، إذ لم يتم البت فيها. أكثر من ذلك طعنوا بالنقض في القرار نفسه، ففوجئوا بتعيينه في وقت وجيز، أقل من ستة أشهر، ما اعتبر غريبا حسب الضحايا، خصوصا أن ملفات طعن فيها في 2020 و2021، لم يتم تعيينها بعد، ما اعتبروه تنفيذا لوعود والتزامات الجعل الموقع بين السمسار والشفيع، والقدرة الفعلية على تحريك الملفات والتدخل لدى مختلف الإدارات. بل وجهوا اتهاماتهم لشخص ظلوا يرددون لقبه "مول البارود"، في كل خرجاتهم الإعلامية، التي يطالبون فيها بإنصافهم ويناشدون الملك بالتدخل. «إننا تعرضنا لأبشع صور الظلم من جراء تسخير المؤسسة القضائية لتحقيق مصالح وأطماع ذاتية، فبدل أن يحمي القضاء الحقوق والممتلكات تحول إلى أداة للاعتداء على الممتلكات المكفولة بالحماية الدستورية. وقفنا على أمور فظيعة، ووثيقة الجعل التي نتوفر على نسختها، تؤكد أن السمسار الذي تقف وراءه شخصيات نافذة، كان متيقنا من ربح الأحكام عندما بخس ثمن العقار، ووقع على الوثيقة التي تحمل مضامين تحيل على الثقة في النفس لكسب الدعاوى والإثراء على حساب حقوق الناس". هكذا ختم أحد الضحايا تصريحات لـ"الصباح"، مستعرضا قرارات لمحكمة النقض اعتبرت أن عقود الدولة ليست بيعا ولا تجوز فيها الشفعة، وأخرى تتحدث عن الشفعة والعرض العيني، سيما أن الشفيع الوهمي لم يودع الأموال الخاصة بالشفعة إلا بعد مرور 27 سنة، إذ وضعها بصندوق المحكمة، فقط عندما وضع مقال استئناف الحكم بسطات، وختم المتحدث باسم الضحايا بأسئلة واستفهامات كثيرة، لن يجيب عنها إلا قرار محكمة النقض، التي هي اليوم أمام امتحان القانون والحق.

النقض أمام امتحان الأمن العقاري

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحبس لمحام متهم بالضرب والجرح

مسؤولا التعمير ببرشيد أمام قاضي التحقيق

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات