القروض البنكية… قسمة ضيزى

صدر، أخيرا، للأستاذ الفخري عبد القادر برادة، أستاذ المالية العمومية والاقتصاد المالي بجامعة محمد الخامس بأكدال، كتاب تحت عنوان «القروض البنكية، تقديس مصالح كبار رأس المال وإعاقة تنمية المغرب (1998-2022) «، يتناول إحدى الإشكاليات الكبرى التي تواجه الاقتصاد الوطني، والمتمثلة في الولوج إلى التمويل وتمركز القروض في يد قلة من المجموعات الاقتصادية الكبرى على حساب المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا. ويتناول الباحث الأكاديمي، الذي في رصيده أزيد من 40 سنة من البحث العلمي والأكاديمي، في الجزء الأول للكتاب، أبرز مظاهر مسلسل تمركز ومركزية القروض البنكية، من خلال تسليط الضوء، في المحور الأول، على مقاربة بنك المغرب وهيأة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي والهيأة المغربية لسوق الرساميل، قبل أن يتناول بالنقد هذه المقاربة. ويحلل الكاتب في الجزء الثاني العوامل الرئيسية التي تكمن وراء تمركز ومركزية القروض البنكية. إنجاز: عبد الواحد كنفاوي إقرار دولي ورسمي بالمخاطر يقدم الباحث الأكاديمي عبد القادر برادة، في كتابه، مجموعة من المفاهيم، موضحا أن خطر التمركز يقاس بإجمالي القروض الممنوحة من قبل البنوك لكبار المقترضين، مقارنة مع أموالها الذاتية الاحتياطية، وأن المقترض الكبير هو الذي استفاد من قروض تعادل في مجملها أو تفوق 5 في المائة من الأموال الذاتية الاحتياطية للمؤسسة البنكية المقرضة. وأفاد الباحث، بعد تحديد المفاهيم، أن التقرير السنوي للإشراف البنكي، الذي يصدره بنك المغرب والتقرير حول الاستقرار المالي المعد من قبل البنك المركزي وهيأة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي والهيأة المغربية لسوق الرساميل، يتضمن معطيات مهمة حول الموضوع. وأشار برادة، مستندا إلى المعطيات الإحصائية، إلى أن تحليل تطور تعرض البنوك لمخاطر تمركز القروض في أيدي الزبناء الكبار، خلص إلى تفاقم الوضع، ما بين 2005 و2014، إذ أن المخاطر الكبرى للبنوك تراوحت بين 3.3 مرات (330 في المائة) و3.8 (380 في المائة)، علما أن المخاطر الكبرى تقاس بقسمة إجمالي القروض الممنوحة من قبل المؤسسة البنكية للزبون، مقارنة مع أموالها الذاتية الاحتياطية، ما اعتبره الباحث أمرا مقلقا. وأوضح أن المخاطر الكبرى تقاس، أيضا، بمبالغها، وبتحليل تطورها، إذ خلص الباحث الأكاديمي إلى أنها عرفت ارتفاعا ملحوظا، ما بين 2006 و2020، إذ انتقلت من 128 مليار درهم إلى 369 مليارا. وأكد أن تقارير البنك المركزي السنوي، التي ترفع إلى الملك، لا تتضمن مثل هذه المعطيات، رغم أهميتها، بالنظر إلى أنها تعكس المخاطر التي تواجه البنوك بسبب تمركز القروض، مضيفا أن مؤسسات الإصدار وهيأة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي والهيأة المغربية لسوق الرساميل، تعتبر كلها أن المستوى العام لتكتل القروض يظل مرتفعا. وأشار الباحث إلى أن وكالات التنقيط الدولية "فيتش" و"ستاندرز أند بورز" و"موديز" أثارت هذا الإشكال والتطورات المسجلة على مستوى المخاطر الكبرى التي تواجه البنوك المغربية والمستقرة بالمغرب. واعتبر أنه رغم المعطيات التي توفرها تقارير بنك المغرب وهيأة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي بشأن إشكالية تمركز القروض في أيدي قلة، فإن المخاطر تظل أكبر مما تعكسه هذه التقارير، مستندا في ذلك على عدد من الحالات. الفلاحة...أكبر المقصيين من بين المفارقات التي سلط الباحث الضوء عليها تمويل الفلاحة، إذ رغم أن القطاع يساهم بما لا يقل عن 14 في المائة في الناتج الداخلي الإجمالي ويعتبر من أكبر القطاعات توفيرا للشغل، فإنه يظل أكبر المقصيين من التمويلات البنكية، خاصة الفلاحة الصغرى والمتوسطة. وأكد الباحث أنه لو أعطي هذا القطاع الإنتاجي الأهمية المطلوبة، في ما يتعلق بالولوج إلى التمويلات، باعتماد سياسة قروض خاصة بهذه الأنشطة الإنتاجية، لارتفعت مساهمة القطاع إلى 20 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي. واعتبر الباحث الأكاديمي أن ما يثير القلق أكثر هو تجاهل بنك المغرب لهذا الواقع وتقاعسه عن اتخاذ الإجراءات المطلوبة، مشيرا إلى غياب تقنينات لتوجيه التمويل إلى القطاعات الإنتاجية ومعالجة إشكالية تكتل القروض في أيدي قلة وانعكاسات ذلك على الاقتصاد الوطني. وأشار برادة، بهذا الصدد، إلى أن القروض الممنوحة للقطاع، خلال الفترة الممتدة ما بين 2007 و2019، لا تمثل سوى 4 في المائة من إجمالي القروض البنكية، مضيفا أن الجزء الأكبر من هذه التمويلات استفاد منه زبناء كبار، ما يتعارض وسياسة تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي للمملكة. وشدد الباحث على أن البنوك في مجملها، التي من المفروض أن تمول التنمية الاقتصادية، تتجاهل أغلب صغار الفلاحين، ما يمثل ضياعا كبيرا من نقط النمو الإضافية. مقابل ذلك، يقدم الباحث الأكاديمي أرقاما صادمة حول حجم تمركز ومركزية الاستفادة من القروض البنكية، إذ أن عشر مجموعات اقتصادية كبرى، حسب المعطيات المتوفرة في 2018، تهيمن على أزيد من 140 مليار درهم (14 ألف مليار سنتيم) من القروض، ما يمثل 12.6 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي. ويستعرض في بحثه نماذج من مجموعات بنكية كبرى تعزز هذا التوجه، وتعكس المخاطر الكبيرة التي تواجهها. واستغرب الباحث كيف أن هذه المجموعات تتقدم بطلبات للادخار العمومي، تتجاهل المعطيات التي تكشفها هذه المخاطر، دون أي ردود أفعال من سلطات التقنين والمراقبة المتمثلة في بنك المغرب والهيأة المغربية لسوق الرساميل. ++++++++++++++++++++++++++++++ عوامل مركزية وتمركز القروض يستعرض الباحث الأكاديمي في المحور الأول من الجزء الثاني من الكتاب العوامل التي ساهمت في تمركز ومركزية الاستفادة من القروض، مع ما يعني ذلك من مخاطر على الاستقرار المالي للبنوك وتأثير سلبي على الاقتصاد الوطني، بحرمان نسبة كبيرة من المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة من الولوج إلى التمويل لتنفيذ مشاريعها. وأرجع الوضع الحالي إلى عاملين مركزيين، الأول يتعلق بتمركز وسائل الإنتاج في أيدي قلة من المحظوظين، الذين سيطروا على قطاعات واسعة من الاقتصاد الوطني بتواطؤ، في أحايين كثيرة، مع الدولة، من خلال عملية المغربة، التي امتدت على مدى ربع قرن وتمثلت في إعادة توزيع الممتلكات التي تم استرجاعها من المعمرين على الرأسمال الخاص المغربي، وساهمت عمليات الخوصصة، التي عرفت ذروتها مع حكومة اليوسفي، في بسط أقلية هيمنتها على قطاعات اقتصادية متنوعة وشركات إستراتيجية. كما أرجع الباحث تمركز التمويلات البنكية في أيدي أقلية من المستفيدين إلى عملية إعادة هيكلة وتدعيم للمجموعات البنكية الخاصة وتوظيف البنك المركزي في تحقيق هذه الأهداف. وتوسع الباحث الأكاديمي في تسليط الضوء على هذه العوامل في محورين أساسيين، بالاستدلال بمجموعة من المعطيات والوقائع التي عرفها القطاع البنكي طيلة عقود وأدت إلى الوضع الحالي. إعادة هيكلة وتقوية البنوك الخاصة يشير الباحث الأكاديمي في المحور الأول من الجزء الثاني، إلى مجموعة من الوقائع والإجراءات، التي تم اعتمادها طيلة عقود، والتي أدت إلى بروز مجموعات بنكية خاصة قوية تهيمن على القطاع، من خلال عمليات خوصصة بعض البنوك العمومية وعمليات اندماج بين بنوك أخرى، ما ساهم في بروز مؤسسات مالية كبرى تبسط يدها على الاقتصاد الوطني وتستفيد بشكل كبير من ودائع الزبناء تحت طلب المجانية طيلة عقود، ما يمكنها من تعبئة موارد مالية ضخمة لتمويل المجموعات الاقتصادية الكبرى، على حساب المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة. وأشار الباحث، بهذا الصدد، إلى عملية إخراج البنك المركزي الشعبي من دائرة المؤسسات التابعة للدولة، مبرزا أن هذه العملية تمت تحت حكومة اشتراكية، إذ لم يدخر قادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أي مجهود لإعداد الظروف الملائمة لسحب هذه المجموعة المالية من دائرة المؤسسات العمومية، ما ساهم في إعادة هيكلة بنية المساهمات في النظام البنكي المغربي. وتقرر، في ما يتعلق بإصلاح البنك المركزي الشعبي، الذي تمت المصادقة عليه خلال 1999، تحويل هذه المجموعة من مؤسسة عمومية إلى شركة مجهولة الاسم وفتح رأسمالها للقطاع الخاص. وأوضح الباحث أن الغرض الحقيقي من هذه العملية، تمكين القرض الشعبي المغربي، الذي لم يكن نشيطا في تمويل المقاولات الكبرى، من تقديم الخدمات لهذه العينة من الزبناء، علما أن البنك الشعبي المركزي كان يحتل الرتبة الثانية في المنطقة المغاربية، خلال 2002، على مستوى إجمالي حصيلة النشاط. وخلص الكاتب، بتقديم مجموعة من نماذج التركيز وعمليات الاندماج البنكي، إلى أن هذا التوجه تم بمباركة من الدولة، لينتقل، بعد ذلك، في المحور الثاني من الكتاب لتناول توظيف بنك المغرب، باعتباره سلطة التقنين والمراقبة في تعزيز هذا التوجه. توظيف البنك المركزي خدمة للبنوك يتناول الباحث الأكاديمي المتخصص في الاقتصاد المالي والمالية العمومية في المحور الثاني من الجزء الثاني للكتاب، توظيف البنك المركزي لخدمة مصالح البنوك وتعزيز مواردها المالية لتتمكن من الاستمرار في تركيز تمويلاتها على المجموعات الاقتصادية الكبرى، من خلال اعتماد ثلاثة إجراءات أساسية لتحقيق هذه الأهداف، تتمثل في منع أداء الفوائد على الودائع تحت الطلب، وترخيص البنوك للقيام بطلب عمومي للادخار، إضافة إلى رفع معامل الأقصى لتقسيم المخاطر. وأوضح الباحث أن الإجراءين الأولين تقررا، من أجل تمكين المجموعات البنكية من موارد مالية مجانا أو بكلفة محدودة، إذ أن الودائع تحت الطلب كانت تؤدى عليها فوائد في السابق، قبل أن يتم منع أدائها، ما جعل البنوك تتوفر على موارد مالية مهمة مجانا، إذ تجاوزت قيمتها الإجمالية، خلال 2019، 561 مليار درهم، ما يمثل 49 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي آنذاك، وبطبيعة الحال، فإن المجموعات البنكية تعيد إقراضها بفوائد مرتفعة لزبنائها، ما يتيح لها تحقيق هوامش ربح كبيرة. واعتبر الباحث هذه الودائع المجانية بمثابة ريع قدمته الدولة، من خلال الإجراءات المعتمدة لهذه البنوك. ويهدف الإجراء الثالث، القاضي برفع المعدل الأقصى لتوزيع المخاطر، إلى تمكين البنوك من مقتضيات أكثر مرونة، في ما يتعلق بالإجراءات الاحترازية، إذ أن هذا الإجراء سيسمح لها بمواصلة تركيز تمويلاتها على عدد محدود من زبنائها المحظوظين.

القروض البنكية… قسمة ضيزى

كتاب للأستاذ الفخري عبد القادر برادة يسلط الضوء على مخاطر هيمنة قلة من الزبناء على التمويلات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مصرع شخص في نزاع عائلي بالحسيمة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات