محامو متهمين في ملف صفقات الصحة سردوا إشكالات عديدة وصعوبات إثبات الجريمة كانت جلسة غير عادية بالقاعة 2 بالمحكمة الزجرية بالبيضاء، الأربعاء الماضي، إذ شهدت حضورا وازنا للمحامين، رغم أن الأمر يتعلق بقضية واحدة، متابع فيها موظفون بقطاع الصحة ومسيرو شركات في ملف التلاعبات في صفقات وزارة الصحة، إذ بعد إدانتهم من قبل غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف، وجدوا أنفسهم متابعين بجريمة غسل الأموال. كانت الجلسة عبارة عن دروس في القانون، ساهم فيها رئيس الجلسة بطريقة لبقة لقيت تقديرا كبيرا من قبل الحضور، عندما تدخل في مناسبة لتصحيح ما اعتبره خلطا في المفاهيم القانونية وقع فيها محام. إنجاز : مصطفى لطفي كانت أبرز الإشكالات المثارة في القضية، والتي تمسك بها جميع محامي المتهمين، ستة منهم متابعون في حالة اعتقال، من بينهم امرأة، أن الجريمة الأصلية التي يتابعون فيها، وهي الاختلاس والإرشاء والمشاركة والتزوير والتلاعب في صفقات، لم يصدر فيها حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به، إذ رغم صدور حكم ابتدائي في حقهم، إلا أن قرينة البراءة ما زالت قائمة، وبالتالي فمتابعتهم بغسل الأموال لا تستقيم، إلا بعد تأكيد إدانتهم، وإلا سنكون أمام إشكال قانوني كبير في حالة تبرئتهم من التهم الأصلية مستقبلا. إشكالية الفصل 574 بمجرد دخول رئيس الجلسة وممثل الحق العام وكاتب الضبط، وقف الجميع احتراما للهيأة. بسرعة أعلن رئيس الجلسة عن رقم القضية مع المطالبة بإحضار المتهمين. في ثوان، حضر خمسة متهمين، أغلبهم مسيرو شركات، قبل أن تظهر في الخلف امرأة متابعة بدورها في حالة اعتقال. على الفور أمر رئيس الجلسة الحضور القليل من أقارب المتهمين بالانتقال من كراسي الصف الأيسر إلى الأيمن للقاعة لتخصيصه للمتهمين بحكم أن الجلسة قد تستغرق فترة طويلة، وأيضا لدفاعهم في حال عجز عن حجز مكان في المقاعد الأمامية. قص محامي مسير شركة متابع في الملف، شريط المرافعات، بسرد مقتضيات الفصل 574 من القانون الجنائي، وابرز في مرافعته أن هذا الفصل أشار إلى الأموال موضوع المتابعة بغسل الأموال، وهي تلك الناتجة عن جناية الاختلاس وترويج المخدرات والاتجار في البشر، سيما الشق المتعلق بالهجرة السرية، وغيرها من التهم الثقيلة، قبل أن يستدرك أن موكله، وهو مسير شركة لا علاقة له بجناية اختلاس أموال عمومية المتابع فيها، وأن القضية ما زالت معروضة أمام محكمة الاستئناف. ونبه المحامي إلى ما جاء في محاضر الضابطة القضائية من شبهة أن ممتلكات موكله، من بينها عقارات اقتنيت من عائدات الجريمة الأصلية في إطار عملية تبييض الأموال، تفنده أدلة ووثائق عديدة، تبرز أنه اقتناها بطرق مشروعة وقانونية، قبل أن يسلم رئيس الجلسة وثائق لتأكيد حجته، مضيفا أن إحدى فقرات الفصل 574 من القانون الجنائي، تشدد على أن تكون العائدات المالية من الجريمة الأصلية غير مشروعة، وهي الحالات التي تتنافى وطبيعة متابعة موكله. رشوة زهيدة من جهة ثانية، شدد محامي مسير شركة آخر متابع في الملف على أن جريمة غسل الأموال لا يمكن تصورها دون وجود جريمة أصلية، وأن المشرع حدد لها مجموعة من الصور والأشكال، من بينها القيام بتوظيف الأموال المتحصل عليها من الجريمة الأصلية في أمور أخرى. وأثار المحامي مسألة اعتبرها غاية في الأهمية وتثير نقاشا قانونيا، وهي أن موكله لم يشارك في أي صفقة من صفقات وزارة الصحة، وأن متابعته في القضية تمت بناء على علاقة تربطه بموظف متابع بدوره في الملف، ومع ذلك وجد نفسه متابعا بالارتشاء، مبرزا أنه خلال متابعة موكله في الملف الأصلي، لم يتم تحديد قيمة المبلغ الذي تدعي الضابطة القضائية أنه أرشى به أحد المتابعين، وبالتالي سيصعب على هيأة الحكم حصر المبالغ التي يتم الادعاء أنها استغلت في غسل الأموال، وبالتالي شدد المحامي على أن أركان جريمة غسل الأموال غير مكتملة. وواصل المحامي مرافعته بالإشارة إلى أن الضابطة القضائية افترضت أن عقارات موكله ومنقولاته، وحتى تحويلات مالية، هي ناتجة عن غسل أموال الصفقات التي يتابع فيها باقي المتهمين، في حين يتوفر على جميع الوثائق والعقود التي تؤكد أنه اقتناها بطرق قانونية وشفافة، سيما أنه شريك في عدد من الشركات، ما يمكنه من أرباح شهرية مهمة. جدلية الراشي والمرتشي في ملف مقاول ثالث متابع في القضية، أثار الدفاع نقطة اعتبرها مهمة لتبرئته من تهمة غسل الأموال، وهي أن التهمة المتابع فيها هي الارشاء وليس الإرتشاء، وبعبارة أخرى، يضيف المحامي، أن موكله من منح المال من "جيبه الخاص" ولم يتحصل عليه، وبالتالي فإقحامه في هذه الجريمة لأنه فقط سلم مالا رشوة، رغم أنها غير ثابتة في حقه، لا يستقيم في هذه الحالة. كما استغرب المحامي عقل ممتلكات موكله وعقاراته دون التأكد من تواريخ اقتنائها، بحكم أن القضية التي يتابع فيها تتعلق بصفقات لوزارة الصحة تمت ما بين 2016 و2019، في حين أنه اقتنى العقارات في 2008، وأغلبها عن طريق قروض بنكية، قبل أن يشدد على أن موكله لا علاقة له بالملف لا من بعيد ولا قريب. متابعة "مثيرة" أثار محام آخر إشكالات قانونية خلال مرافعته، بخصوص متابعة موكله بغسل الأموال، إذ شدد في البداية على أن الجريمة إلى جانب أنها تابعة، صارت تعتبر جريمة مفترضة بغض النظر عن القرارات الصادرة عن الجريمة الأصلية، ومبنية على الاشتباه وهو ما اعتبره المحامي أمرا خطيرا يمس قرينة البراءة. سبب هذا التمهيد، يوضح المحامي أن موكله توبع من قبل النيابة العامة في الملف بالإرشاء والمشاركة وتزوير وثيقة، وعند إحالته على قاضي التحقيق قضى بعدم المتابعة في حقه، لتدخل النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالبيضاء على الخط، وتستأنف قرار قاضي التحقيق أمام الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف، التي أيدت في النهاية قرار قاضي التحقيق. وواصل المحامي مرافعته بالقول إن موكله سارع إلى استصدار شهادة عدم الطعن في القرار من قبل النيابة العامة، وبالتالي صار حائزا لقرار قضائي محصن من الناحية القانونية. لكن، الصدمة، يضيف المحامي، أن موكله وجد نفسه متابعا بجريمة غسل الأموال رغم قرار قاض التحقيق بعدم المتابعة في الجريمة الأصلية، وهو الأمر الذي يطرح علامات استفهام عديدة. تخريب الاقتصاد الوطني على نقيض باقي المرافعات، راهن محامي مسير شركة متابع في حالة اعتقال، ويعد حسب قول المحامي، "رأس الملف" برمته، على دروس في الاقتصاد لضمان براءته من المنسوب إليه، بعد أن استفاض زملاؤه في مرافعاتهم بالنقاش القانوني للمتابعة وتأصيلها قانونا والوقوف على أركان الجريمة لإسقاط تهمة غسل الأموال عن المتابعين. وشدد المحامي على أن القانون يجرم غسل الأموال لسبب واحد ورئيسي، وهو أنها مخربة للاقتصاد الوطني عبر استغلال أموال قذرة في مشاريع اقتصادية، وما يسفر عن ذلك من منافسة غير مشروعة بحكم أن المتورط في الجريمة إما يعمد إلى عرض منتوجات بأقل الأسعار أو اقتناء عقارات ومنقولات بأثمنة مبالغ فيها ما دام هدفه الأساسي البحث عن طريقة مهما كانت لـ"شرعنة" أمواله القذرة، ولو على حساب إلحاق الضرر بمنافسيه وتكبيدهم خسائر مالية كبيرة وفي الوقت نفسه، الإضرار بالاقتصاد الوطني. وبناء على ذلك يؤكد المحامي أن موكله توبع بغسل الأموال، لأنه فقط سافر مع عائلته لقضاء عطلة إما بالمغرب أو الخارج، متسائلا عن الضرر الذي تسبب فيه للاقتصاد الوطني في هذه الحالة. وواصل المحامي مرافعته بالإشارة إلى أن حصر متابعة أي شخص بغسل الأموال لأنه فقط سافر أو استهلك منتوجات أو اقتنى أشياء معينة، لا تستقيم مع المنطق، بحكم أنه حتى في حال تبين أنه متورط في قضية ما، يجب متابعته بتهمة أخرى ليس غسل الأموال ما دام لم يشكل سلوكه أي تأثير خطير على الاقتصاد، أو تسبب في أضرار مادية لمنافسيه، ومن هنا، أبرز المحامي أن هذه الجريمة لا تتطابق مع القضية الأصلية المتابع فيها موكله، سيما أنه يملك شركة رقم معاملاتها لا يتجاوز 500 مليون، وينفق منها شهريا 230 مليونا عبارة عن أجور لمستخدميه، وبالتالي فما تبقى من رأسمال شركته، لا يمكن اعتباره ناتجا عن غسل أموال، ضاربا مثلا، باستحالة متابعة شخص بغسل الأموال لأنه ببساطة اقتنى سيارة منذ أربع سنوات، اللهم إذا ثبت أنه كان يكتريها خلال هذه المدة الطويلة، إذ حسب قوله، هنا تكون شبهة الجريمة واضحة، وتستدعي البحث والتحقيق.