نـــصــــب واستـــــــرزاق

وسائل الإغراء لجمع تبرعات والتحكم في مسارات صرفها ومعايير استفادة الفقراء منها يتحرك مع اقتراب شهر رمضان وفي كل مناسبة دينية أو دونها، أشخاص ومنظمات وصفحات ب"سوشل ميديا"، لجمع تبرعات خاصة المالية، لتوزيعها على فقراء ومحتاجين في قفف وحدهم يعلمون صدقية مبادرتهم لأجلها، مستغلين غياب المراقبة، سيما أن فئة عريضة منهم محترفة للنصب ولا تتوفر فيها شروط الإحسان العمومي. ولم تعد القفة الرمضانية فقط وسيلة للاستقطاب السياسي وتكوين قاعدة انتخابية لسياسيين وأحزاب وجمعيات تابعة. وأضحت وسيلة للاسترزاق والنصب ليس فقط من قبل أشخاص وصفحات فيسبوكية يحدثونها، بل أيضا من قبل مقاولات ومؤثرين وجمعيات تتهافت عليها وتدخر المال من آلام ومآسي ومعاناة فقراء يجمع المال باسمهم. وأصبح استغلال مآسي المحتاجين للدعم في هذا الشهر الكريم، رأسمالا تستثمره جمعيات مفتقدة فيها شروط الإحسان العمومي، لأغراض ربحية محض، رغم ما قد تتظاهر به من توزيع قفف بعدد محدود قد لا يوازي ما جمعته من محسنين انطلت عليهم حيلتها المغلفة بستار الخير والإحسان، في عمليات تكثر في المناسبات الدينية. ولو أن الحكم غير قابل للتعميم، فإن مثل تلك الجمعيات عادة ما تستغل العالم الافتراضي للترويج لمبادراتها لجمع التبرعات في حملات بشعارات مؤثرة تغرقها في عبارات التشجيع بمسميات حبلى بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، استثمارا منها للدين للتأثير على المتبرعين واستمالة قلوبهم وعطفهم وتشجيعهم على المساهمة. وشرعت عدة جمعيات وصفحاتها الفيسبوكية في نشر إعلانات جمع التبرعات لتوزيع القفف الرمضانية على عدد من الأسر الفقيرة لا تحدده ولا تشير لأي معلومة قد تقود لاكتشاف ما إذا كان هناك مستفيدون من عدمه، ودون أن تختم مبادرتها بتقديم تقرير مفصل يحصر ما جمعته من مال أو تبرعات عينية، وكيفية توزيعها لها. الوسيلة نفسها لجأت إليها صفحات فيسبوكية بأسماء مناطق معينة ومنها دواوير بجماعات بجهة فاس. أصحابها يتوسلون عطف المحسنين لجمع المال لشراء قفف، محفزين إياهم بالإشارة لمساهمة أشخاص يذكرونهم بأسمائهم الشخصية وقيمة المساهمة دون إشارة مؤكدة لصحة التبرع، في حيلة تنطلي على من بقلوبهم ذرة رحمة. وأبدع بعضها وصلات إشهارية في أشرطة فيديو بمدد قصيرة وعبارات محفزة لمزيد الاستقطاب وسيلة يعتمدها أيضا مؤثرون يبادرون بدورهم لجمع المال لشراء قفف الفقراء، في غياب المراقبة وأي زجر أو تدخل رسمي يفرمل هذا الاندفاع المتزايد نحو "إحسان" تحول في الكثير من عملياته الغامضة، أداة للنصب والاحتيال. وإن كان حسن النية والتكافل الاجتماعي بين المغاربة، مثبتا في عاداتهم، فإن استغلال ذلك من قبل بعض منعدمي الضمير أيا كانت مجالات اشتغالهم في جمعيات أو أحزاب أو بمواقع التواصل الاجتماعي، يفرغ مثل تلك المبادرات من نبلها، ويجعلها محط شكوك من قبل الجميع أمام تواتر الحديث عن اقتحام نصابين للعملية. مظاهر الفوضى والانحرافات التي تعرفها عمليات جمع التبرعات، سيما المالية منها لمساعدة الفقراء والمحتاجين بقفف في هذا الشهر الكريم، زادت وتضاعفت وأفرغتها من غاياتها النبيلة، ما يقتضي تدخلا رسميا حازما مرفوقا بالزجر، لوقف كل محاولات الاسترزاق من الإحسان العمومي أيا كان المسترزق ممن لا تتوفر فيه شروطه. ويبقى تقنين العملية وعقاب المخالفين، أمرا ضروريا مطلوبا بإلحاح لمحاربة جميع أشكال استغلال مآسي الفئات الهشة وسيلة لجمع المال والانتفاع الشخصي من قبل جامعي التبرعات ممن اغتنى بعضهم من ذلك ويذل كل مستفيد بتصويره وترويج صوره في مواقع التواصل الاجتماعي للتباهي بمبادرات لا يرفقها بتقرير يبرئ الذمة. كل ذلك وغيره من إجراءات عملية ممكنة ومطلوبة سيقطع الطريق على عديمي الضمير ضاربي مصداقية العمل الإحساني، في عمقه ونبله، سيما في ظل هذه الفوضى التي يعرفها وشوهت صورته بشكل فقد معه المحسنون الثقة في أي مبادرة ولو كانت صادقة وبحسن نية، طالما أن صور الإحسان المشوهة، طاغية على كل شيء. حميد الأبيض (فاس)

نـــصــــب واستـــــــرزاق

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريمة قتل بسبب سماعات

عمليات تطوعية على المباشر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات