سد الواد المالح… سحر طبيعي يتحدى الجفاف

بحيرته ظلت محافظة على جمالها رغم تراجع مياهها وفلاحو المنطقة أكبر الضحايا رغم السنة السادسة للجفاف الذي يشهده المغرب، ما زالت بحيرة سد الواد المالح ضواحي البيضاء، تحافظ على رونقها وإغرائها الطبيعي. تجذب كل نهاية أسبوع المئات من الأسر من عمالات وأقاليم البيضاء والمحمدية وبرشيد وبنسليمان، ساهم في ذلك حفاظ المنطقة على خضرتها وغطائها النباتي، رغم قلة التساقطات المطرية، بسبب جودة أراضيها، إلا أن هذا التميز الطبيعي يعود إلى خطة شجاعة للمشرفين على السد، إذ رفضوا تزويد فلاحي المنطقة بمياهه لتفادي الكارثة. إنجاز : مصطفى لطفي مشهد البحيرة السد الممتدة على مساحة كبيرة، وزرقتها الفاتنة، لم يفلحا في إخفاء آثار الجفاف، فمن بعيد ظهرت أراض طينية، في رسالة أن مياه البحيرة تتبخر وتتراجع، كما أن أرقام عمقها تغيرت، فبعد أن كانت فضاء شهيرا للرياضات المائية، وفي مناسبات يتهور مصطافون للسباحة في مائها، تم منع الجميع من ذلك خوفا من أن يبتلعهم طينها، فالأرقام مخيفة جدا، فبعد أن كانت حقينة السد تتجاوز أزيد من 35 مليون متر مكعب، الآن لا يتجاوز الرقم 13 مليون متر مكعب، ونسبة المياه مرشحة للتراجع إذا واصلت السماء صومها لفترة طويلة. فسحة رغم الجفاف تبعد بحيرة سد الواد المالح بأزيد من 30 كيلومترا من البيضاء، مرورا عبر منطقة الشلالات. كل نهاية أسبوع، تتسابق العشرات من السيارات القادمة من اتجاهات عديدة صوب المنتجع، للفوز بمواقع قريبة من البحيرة. أول ما يثير الانتباه، التحسن الكبير على مستوى الطريق المؤدية إلى السد. في السابق، كانت تعد رداءة الطريق أكبر العراقيل التي تحرم المواطنين من زيارة هذا الفضاء الطبيعي، إذ تضطر عائلات إلى التفكير طويلا في قرار القيام بنزهة في البحيرة بسبب وعورة الطريق وضيقها، سيما خلال فترة الذروة، إذ تكتظ الطريق وغالبا ما تنتهي بحوادث سير وشجارات بين المواطنين. على نقيض مناطق أخرى، حافظت المنطقة على خضرتها رغم الجفاف، إذ استفادت من التساقطات المطرية الأخيرة رغم قلتها وتباعدها في الزمن، فأغلب الأراضي وعلى مساحات شاسعة خضراء، والسبب حسب أحد أبناء المنطقة يعود إلى جودة التربة، لهذا يعلقون آمالا كبيرة على هطول المطر مستقبلا، لإنقاذ فلاحتهم على نقيض مناطق أخرى اعتبرت منكوبة وخرجت من سباق "الزراعة". البحيرة ... الأمل كل من قصد بحيرة سد الواد المالح أول مرة، كان يضع يده على قلبه، قبل الوصول إلى المكان، إذ يجول في خاطره أنه سيصادف مشهدا كارثيا وهو جفاف البحيرة. ساهم في تفشي هذا الإحساس، تداول صور كارثية على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع إخبارية، لسدود شهيرة بالمغرب، نزف ماؤها بشكل كبير، وتحولت بحيراتها العملاقة إلى جداول مياه صغيرة وبرك مائية منتشرة هنا وهناك. لكن بمجرد الاقتراب من السد، يسود نوع من الانشراح الكبير، فالبحيرة مازالت تحافظ على هيبتها وجمالها، رغم الظروف المناخية الصعبة. إلا أنه بنظرة دقيقة، يظهر أن البحيرة بدأت تفقد مخزونها المائي، فحسب مصادر من المكان، تجاوزت مساحة اليابسة التي ظهرت نتيجة تراجع مياه السد إلى ثلاثة كيلومترات مربعة، مع ظهور مساحات طينية في أماكن متفرقة، كانت في السابق تغوص في أعماق البحيرة. ورغم أن البحيرة ظلت محافظة على مياها، إلا أن المشهد يبدو صادما كلما تم التوجه صوب مجرى النهر، وقد يدفع المرء لوضع يده على قلبه. رغم كل هذا، ما زالت المنطقة تحظى بإقبال كبير من قبل المواطنين الفارين من ضغوط المدينة وضجيجها، إذ إلى حدود غروب الشمس، تتقاطر السيارات على المكان، قبل أن يسارع حارس السد في حدود السابعة مساء على وضع الحاجز ومطالبة مواطنين سواء على سياراتهم أو دراجاتهم النارية بالعودة، لأن المنتجع يغلق أبوابه إلى أن يحل الصباح. رواج عاد وطبيعي في جولة بجنبات بحيرة سد الواد المالح، حافظت المنطقة على حيويتها السابقة، عائلات انتشرت في كل جنباتها، وواقع تنافس محموم وصل إلى حد التزاحم على الأمكنة القريبة من المياه، في حين فضل آخرون الاستمتاع بمشهد البحيرة كاملا بصعود التلال المحيطة بها. ورغم وجود كراس وموائد إسمنتية بنيت منذ فترة طويلة، إلا أن عددها غير كاف لاستقبال الكم الكبير من الزوار، وهي الفرصة التي استغلها أبناء المنطقة عبر بناء خيام متواضعة على جنبات البحيرة وإيجارها للعائلات بأثمنة تتباين حسب قربها من ماء البحيرة. وفي الوقت الذي فضلت فيه عائلات الاستنجاد بمطاعم شعبية بنيت بأعمدة خشبية وقطع ثوب كبيرة، لضمان وجباتها اليومية، فضلت أخرى التشمير عن ساعديها في إعداد وجبة الغداء تحت حماس ومساهمة جميع أفرادها. مشاهد البهجة لدى المواطنين والصغار المنهمكين في لعبهم الطفولي، لا يوحي أننا في أحلك فترة جفاف يعيشها المغرب. في الظاهر ما زالت البحيرة محافظة على مياهها، لكنها تحتفظ لنفسها بأسرار صادمة، لن تظهرها للجميع، سيما أن إشارات توحي بحقيقة الأمر، منها منع بعض الرياضات المائية خوفا على حياة الزوار بسبب النقص الحاد في كمية المياه، بعد أن كانت أكبر حافز لزيارة هذا الفضاء الساحر. صمود من بداية القرن يفضل العديد من الزوار التوقف أمام الحاجز المؤدي إلى بحيرة سد الواد المالح، للاستمتاع بمشهد ساحر وغير عادي للسد، يظهر فيه شامخا بين تلين كبيرين. المعاينة الأولية توحي بحداثة بنائه، رغم أنه بني في 1927 بعد دخول الفرنسيين المغرب. مصدر مياه السد متنوعة، منها عيون بالمنطقة، سيما عين حمل اسمها "العين المالحة" إضافة إلى مياه الأمطار القادمة من مناطق بعيدة جدا، ثم مياه سد "تامسنا" بضواحي بن أحمد. كان الهدف من بناء السد، حماية مدينة المحمدية والتي كانت اسمها "فضالة" في عهد الحماية، من الفيضانات، إضافة إلى ضمان مياه للسقي وتربية المواشي، بعد أن وضع المعمرون الفرنسيون أيديهم على أغلب الأراضي الخصبة بالمنطقة. شهد السد عدة عمليات ترميم لحمايته من تأثيرات عوامل الطبيعة، والزيادة في حقينته، كانت الأولى في 1933 وبعدها في 1944، قبل أن يدخل في فترة ترميم طويلة امتدت من 2007 إلى 2011، سيما بعد أن شهت هذه الفترة تساقطات مطرية غزيرة تسببت في فيضانات كبيرة. نجح السد في تحقيق أهدافه، سيما أنه نجح في ضمان 35 مليون متر مكعب من المياه، ما مكنه من سقي أزيد من 900 هكتار، تمتد من منطقة "واد المالح" مرورا عبر الشلالات ووصولا إلى المحمدية. يتولى فلاحو المنطقة توزيع المياه في ما بينهم بالتراضي واحتراف تام للأعراف، التي تعود لعقود طويلة. راج لدى المواطنين أن سد الواد المالح مخصص للشرب، بل وصلت اجتهادات البعض إلى القول إن مياهه تتزود بها عدة مناطق بيضاوية، من بينها عمالة مقاطعات مولاي رشيد، وما يميزها أنها مشبعة بنسبة كبيرة من "كالكير"، إلا أن أطراف فندت هذه الروايات بشكل قطعي، مؤكدة أن السد كان مخصصا للسقي وضمان الماء للمواشي، منذ بنائه في بداية القرن العشرين. صدمة الفلاحين ظل فلاحو المنطقة يستفيدون من مياه السد في الزراعة والرعي منذ سنوات طويلة، إلى أن تلقوا الخبر الصادم في شتنبر الماضي، وهو توقيف خدماته إلى أجل غير مسمى، والسبب أن حقينته شهدت نزيفا غير مسبوق، إذ صارت لا تتجاوز 13 مليون متر مكعب. ساد ارتباك كبير بسبب هذا القرار، وحاول فلاحون إقناع المسؤولين بالعدول عنه على أساس أن فلاحتهم ومواشيهم تعتمد بشكل كبير على مياه السد، وأنهم في حكم من أعدم، خصوصا أن توقعات توحي أن المغرب دخل مرحلة الجفاف بشكل رسمي في سنته السادسة، إلا أن جواب المسؤولين كان صادما، وهو أنه في حال استجابوا لطلبهم سيفقد السد مياهه بشكل كامل في مدة لا تتجاوز الشهر. كل المعطيات حول حقينة السد، صادمة، فبسبب توالي سنوات الجفاف، جفت العديد من المنابع والعيون التي كانت تزوده بالمياه، كما توقف سد "تامسنا" بدوره عن تزويده بالمياه، بعد أن تراجعت حقينته بشكل مخيف أيضا. لهذا تقرر الحفاظ على بحيرة السد كنوع من الأمل، على أن تتحسن الظروف المناخية، بدل هدرها وتقديم صورة مخيفة للمواطنين حول الوضعية المائية والمناخية الصعبة التي يمر منها المغرب. آثار هذا القرار ظهرت جلية بالمنطقة، ففي الوقت الذي كان فيه الفلاحون يعرضون منتوجاتهم بجوانب الطرق المؤدية إلى بحيرة سد الواد المالح، حيث تلقى إقبالا كبيرا من قبل المواطنين، لطراوة الخضر والفواكه المعروضة، بدا شح كبير في الكميات المعروضة، إلا أن فلاحا حاول التخفيف من التوتر والخوف الذي ساد مواطنين، باعترافه أنهم يمرون من فترة حرجة لكنها لن تطول.

سد الواد المالح… سحر طبيعي يتحدى الجفاف

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

لطفي: السرطان ثاني الأمراض القاتلة بالمغرب

النصب بعلاجات وهمية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات