جرافات لهدم بيوت الضريح وفرار المشعوذات ووعود بتوفير شقق للسكان الأصليين أشهر محمد مهيدية، والي جهة البيضاء سطات، الورقة الحمراء أمام مشعوذات ضريح سيدي عبد الرحمان بكورنيش البيضاء، فطيلة أمس (الجمعة)، بدأت الجرافات في هدم الأعشاش والغرف، لتنتهي قصة "فضاء" احتكره الدجالون، رغم وجود أسر لا علاقة لها بأعمال السحر والشعوذة، في الوقت الذي يؤكد مسؤولون أن الضريح سيصبح منطقة سياحية ومزارا تراثيا. إنجاز: خالد العطاوي - تصوير: (عبد اللطيف مفيق) الطريق من بداية الشريط الساحلي عين الذئاب إلى ضريح سيدي عبد الرحمان، ممتعة ولا يمكن أن يتسلل إلى مرتاديها الملل أو التعب، واجهات إشهارية، ومقاه تسر طلعتها الناظرين وكرات حديدية لامعة تزين الشارع، وصوت أمواج البحر يساهم في إنجاح سمفونية جميلة ترقص على ألحانها بعض النوارس التي بدت وكأنها تحيي كل زوار الكورنيش في ذلك المساء. في أقصى الكورنيش يرقد جثمان سيدي عبد الرحمان، تحت قبة بيضاء تحميه من رطوبة البحر منذ سنين، الكثير من البيضاويين يجهلون هويته، ماعدا ما اشتهر به على أنه "سيدي عبد الرحمن الجمار أو مول المزمار"، ومع ذلك دأب الكثيرون على ارتياده، نظرا لموقعه الجغرافي المطل على البحر، وما ترسخ لديهم من اعتقادات بأن للولي الصالح كرامات فيها شفاء وعلاج من الأمراض النفسية، إلى جانب صمود بنائه أمام أمواج البحر المتلاطمة، ما أكسبه قدسية عند الكثير من سكان المدينة. اختلف كل شيء، صباح أمس (الجمعة)، إذ طوق أفراد من الشرطة والقوات المساعدة وأعوان السلطة، الضريح ومنعوا الولوج إليه، في إعلان عن بداية "تطهير" محيط الضريح من الفوضى. وعاينت "الصباح" طيلة أول أمس (الخميس) وصباح أمس (الجمعة)، بداية مغادرة الأسر لمحيط الضريح، امتثالا لقرار الوالي محمد امهيدية الواضح جدا، يقول أحد الأشخاص، إذ أمر بأن تعاد الهيبة إلى الضريح ويصبح معلمة بيضاوية، وليس فضاء للمشعوذين، مستدركا أن ليس كل قاطني المنطقة من الدجالين، فهناك أسر استقرت بالمنطقة سنوات طويلة، ولا علاقة لها بالشعوذة، وتلقت وعودا بالحصول على شقق في منطقة أولاد صالح. إحصاء السكان حسب معلومات حصلت عليها "الصباح"، فإن عدد الأسر المستقرة بمحيط الضريح يقدر بـ 45 أسرة، منها منازل في ملكية مشعوذين، وآخرون من سكان المنطقة القدامى الذين لا تجمعهم علاقة بفضاءات الشعوذة، وتم إحصاؤهم وتلقوا وعودا بتوفير شقق في منطقة أولاد صالح. وقال أحد السكان باكيا: "لقد ظلم سكان الضريح، سنوات طويلة، إذ تم اتهامهم بممارسة السحر والدجل، لكن الحقيقة بعيدا عن كل ذلك، فهناك حوالي 20 عائلة تعتبر من سكان المنطقة الأوائل، ومنها من فتح أفرادها أعينهم بالمنطقة، ويمارسون مهنا ويشتغلون في وظائف، ثم أصبحت بلا مأوى في انتظار وفاء المسؤولين بوعودهم بتوفير شقق لها". بدأت مفاوضات السلطات المحلية مع سكان المنطقة، منذ أسابيع، إذ أشعرتهم بضرورة إفراغ المساكن العشوائية. وتم تعليل القرار، باستغلال المواطنين للملك البحري دون ترخيص، موضحة أنها تعتزم هدم جميع البيوت العشوائية، باستثناء الضريح نظرا لقيمته التاريخية. وتباينت ردود الأفعال، بعد قرار الهدم، إذ شعر عدد من السكان بالصدمة، خاصة أنهم عمروا المنطقة عقودا واتخذوا من الصخرة العائمة فوق المحيط الأطلسي مسكنا لهم ومورد رزقهم. وقال أحد الشباب: "إن المنازل بنيت منذ عقود مضت، وفي واضحة النهار وأمام أنظار السلطات"، مطالبا بتوفير بدائل لهم، ومنحهم الحق في السكن. وقال: "إن المكان كان مأوانا ومصدر رزقنا الوحيد منذ عشرات السنين، ولا نعرف مكانا غيره"، موضحا أن عدم تسوية وضعهم سيجعلهم مهددين بالتشرد. بالمقابل أثنى عدد من البيضاويين على قرار الهدم، خصوصا الذين يتوافدون على عين الذئاب باعتباره وجهة سياحية، إذ يرون أن هدم البيوت العشوائية من شأنه أن يسهم في توافد زوار كثر إلى المنطقة، خصوصا الراغبين في اكتشاف معالم ضريح سيدي عبد الرحمان وتاريخه، علما أن الفوضى بالمكان تسببت في تراكم النفايات، الشيء الذي جعل الكثير من الزوار متذمرين من الوضع الذي آل إليه الضريح. وصرح أحد المستشارين، لـ "الصباح"، أن المجلس الجماعي يأمل بأن يتحول هذا الضريح، إلى منطقة سياحية، بتحويله إلى مزار تراثي، كما هو الشأن بالنسبة لبعض الدول السياحية، مثل تركيا، التي اعتمدت على مزارات تراثية تحتوي على أضرحة في استقطاب آلاف الزوار. لم تشهد عمليات الهدم أي احتجاج للسكان، وباستثناء أمهات أجهشن بالبكاء وهن يعاين منازلهن تسوى بالأرض، فإن الجرافات واصلت عملها بسلاسة، متفادية سور الضريح. "مول المجمر" المعلومات التقنية حول الضريح قليلة إن لم نقل منعدمة، فتاريخ إقامة ضريح "مول المجمر" غير معروف، كما لا يوجد، حسب بعض المؤرخين، أثر له في تخطيط الخرائط القديمة للدار البيضاء، خاصة خرائط القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين". تقع قبة سيدي عبد الرحمان، المشهور في أوساط الأولياء بـ "مول المجمر" بمنطقة عين الدياب بالبيضاء، ويبدو ضريحه المتوغل وسط الشاطئ، مثل قلعة محصنة تحيط بها أمواج البحر. وشكل الضريح قبلة للنساء الحالمات بالإنجاب والزواج وطرد النحس و"التابعة" والعنوسة وسقوط الجنين، بل تتحدث بعض المصادر أن "الشوافات" جنين ثروات ضخمة من ممارسة الدعارة والقوادة، فكراء منزل "الشوافة" مثلا كان يعود عليها بمبلغ 12 ألف درهم في الشهر، خاصة أن الضريح يعرف انتعاشا كبيرا في فصل الصيف، إذ يحج إليه العشرات يوميا، بينهم أشخاص عهدوا زيارته، وآخرون يستغلون حضورهم إلى الشاطئ قصد السباحة والاستجمام، من أجل زيارة قبة الولي، والاستحمام بمياه البحر في "الخلوة"، التي تعد أشهر طقوس زيارة الضريح. تاريخ الضريح حسب عدد من الباحثين، فإن تاريخ سيدي عبد الرحمان يعود إلى القرن السادس الهجري، أما أصله فينسب إلى العاصمة العراقية بغداد، كما أنه كان من معاصري شيوخ التصوف الأوائل في المغرب، وأبرزهم أبو شعيب السارية ومولاي عبد الله أمغار وعبد الجليل بن ويحلان، وغيرهم. كما تفيد روايات شفوية أن سيدي عبد الرحمان كان أحد أبناء الولي مولاي بوعزة (دفين تاغية بإقليم خنيفرة) السبعة، بينما تؤكد أخرى أن أصله من دكالة التي غادرها وهو فتى، كي يستقر بشاطئ عين الذئاب على شبه جزيرة أقام فيها خلوته إلى أن مات ودفن بها. وذكر كتاب "شعائر وأسرار أضرحة البيضاء"، لمصطفى أخميس، أن سيدي عبد الرحمان كان كثير التنقل قبل استقراره بالمكان الذي يوجد فيه قبره اليوم، إذ جاب عدة أماكن بالساحل الممتد بين عين السبع وعين الذئاب (كانت المنطقة حينها عبارة عن غابة متصلة تعج بالضواري)، وكان من عادته أن يتنقل حافي القدمين، تتدلى على ظهره ضفيرة من شعره. وفي رواية أخرى، قيل إن "مولاي بوشعيب الرداد"، ولي أزمور الشهير، انتقل مشيا من أزمور إلى أنفا (البيضاء سابقا) للقاء الولي بعدما سمع عنه الكثير، ثم أوصى سكان المنطقة بخدمته والتبرك به، فبنوا له ضريحا توفي بإحدى غرفه وهو في ريعان شبابه، ليتم دفنه به وإلى جواره قبر جارية لديه، كانت قد حلت بشبه الجزيرة لكثرة ما سمعته عنه، فأصبحت من مريداته المتحمسات لخدمته إلى أن وافتها المنية. وتذهب روايات أخرى إلى أن سيدي عبد الرحمان كان معروفا بعزف ابتهالات صوفية على عود لا يفارقه، وأنه قدم إلى عين الذئاب في القرن السابع عشر الميلادي، في وقت لم تكن النواة الأولى للبيضاء قد ظهرت بعد إلى الوجود، فجعلته وزارة الأحباس والشؤون الإسلامية على لائحة الأولياء الرسميين، خلال فترة الحماية الفرنسية.