جرافات أجهزت على 270 بناية وتسابق شركات عقارية لتأهيل المنطقة سياحيا تحولت قرية تيفنيت باشتوكة أيت باها إلى أكوام من التراب والإسمنت، دفنت في طياتها ذكريات أجيال تعاقبت على المنطقة. واختار سعيد أمزازي، والي جهة سوس ماسة، في أول زيارة له للمنطقة، أن يفتح ملف تحرير الملك البحري المطل على البحر بمنطقة تيفنيت، ويضع نهاية للاستغلال غير القانوني، لتصبح أزيد من 270 بناية في خبر كان أمام تسابق الشركات العقارية للفوز بصفقات تأهيل المنطقة سياحيا. وكشف إعداد لوائح باسم المحتلين الحقيقيين للملك العمومي البحري بتفنيت، أن عددا من الشخصيات السياسية والمنتخبين وبرلمانيين ورجال أعمال وفلاحين، كانوا يملكون بيوتا بأسمائهم ويستغلون الملك البحري. إعداد: عبد الجليل شاهي (أكادير) يكشف الباحث، محمد أعراب السباعي، مؤلف كتاب"الشاطئ الآهل في تاريخ أهل الساحل بين وادي سوس وماسة"، أن تيفنيت، المشهورة عالميا، عرفت أحداثا تاريخية مهمة، كمقتل "بيدرو فرنانديز دي سافيدرا ايل موزو" الاسباني سنة 1545، كما كانت معروفة عند الإيبيريين في القرن 15، بعد إنشاء الحصن البرتغالي في ماسة سنة1497، بالإضافة الي محاولة إنشاء مرسى تبادل تجاري مع الأوربيين في 1794، كما عرفت إنزالا أمريكيا سنة 1942، قبل الحرب العالمية الثانية. وحسب أعراب، فاسم تيفنيت هو تأنيث إفني، يعني النهاية والفناء، وعند بعض الأمازيغ، إفني، مشتقة من تيفنوت، وهي المكان الصحراوي الوعر الذي يضم كثرة الصخور، ويكون غير مسكون، يقابله الخلاء بالعربية، وإفني وجمعها افنوان أو الجانب الذي يجمع فيه ماء الوادي، والبحارة في تفنيت يميزون بين "الشاريج" والرأس الصخري، واسم تفنيت ذكر في العديد من الكتب والوثائق البرتغالية في القرن 15. قرية للصيد غير بعيد عن نقطة التفريغ، التقت "الصباح" برجل مسن تروي ملامح وجهه، وانتفاخ رجليه ويديه تفاصيل تجارب مريرة مع البحر والصيد. محمد الشتوكي، القاطن بدوار بن كمود بسيدي بيبي، دخل مهنة الصيد البحري منذ 1971، و تنقل الأب لثلاثة أطفال، بين بوجدور والداخلة، قبل أن يستقر به الحال بتيفنيت، التي اختارها والده لامتهان الصيد بالقصبة. يقول الشتوكي"إنه قدم إلى تيفنيت من قرية تكاض مع والده في السبعينات من القرن الماضي"، ويضيف "أنه في 1973 بدأ البحارة في بناء البيوت وحفر المغارات والكهوف الشاطئية، من أجل الاستقرار بعدما كان أغلب الممتهنين للصيد، يسكنون مساكن تقليدية مصنوعة من القصب والقش (النوايل)، وتحول الأمر للاعتماد على الأحجار والأجراف البحرية الصلبة، مع الاعتماد على التمليط من التراب الأبيض من بقايا بناية قديمة كانت لبرج قديم. وبحسرة كبيرة يتحدث ابراهيم بوديدات (58 سنة)، أحد سكان القرية، عن الفرق الكبير بين ما كان يحصله في الماضي، وضعف ما يجنيه اليوم، يقول "كانت تفنيت معروفة على الصعيد الوطني بالحبار "كرما"، مما دفع شباب أهل الدواوير المجاورة إلى بيع أغنامهم وشراء محركات بحرية، والتفرغ في فصل الصيف لصيد سمك الحبار الثمين، وتطورت الأمور فأصبح للبحارة دخل مهم، فشيد بعضهم منازل في سيدي بيبي واشترى أغلبهم دراجات نارية، وأصبحت تيفنيت قبلة للبحارة من أيت بعمران وحاحا والشياظمة، الذين جلبوا معهم تقنيات جديدة، كالصيد بالشباك والخيوط المسلح بالصنانير وصيد القشريات الكبيرة، "كلومار"سرطان البحر، و"لانكوسط" جراد البحر و"السلطعون"، عقرب البحر. وكشف بوديدات" بعد الشهرة الكبيرة بوجود ثروة سمكية مهمة، عرفت تيفنيت بتوافد البحارة بقواربهم من حاحا والشياظمة وإمسوان وتاغزوت وماسة وآيت بعمران، وتميزها بمصايد كثيرة فيها أنواع مهمة من الأسماك والرخويات، لكن سرعان ما تراجعت تيفنيت بعد دخول السفن الكبيرة للمنطقة، واستنزاف الثروة السمكية، وتخريب أوكار توالد الأسماك بواسطة جر الشباك، وكذا عدم العمل على الراحة البيولوجية، مما دفع عددا كبيرا من البحارة إلى التوجه إلى شواطئ الجنوب كطرفاية وتاروما وبوجدور والداخلة، وتم بيع القوارب وأوراق الملكية والمعدات، وعرفت بداية الثمانينات بيع البيوت بعد هجرة البحارة، لتصبح في ملك المصطافين من موظفين وفلاحين وتجار وأطباء ومتقاعدين وأجانب. منطقة ساحرة تمتاز قرية تيفنيت بمناظر خلابة وديكورات طبيعية، تجمع بين السهوب والأجراف الساحلية والشواطئ العذراء، والتلال الرملية بالإضافة إلى قرب المنتزه الوطني سوس ماسة الذي يضم وحيشا مثل غزال دوركاس، وظباء المها و الثعالب والقطط البرية، كما يزخر المنتزه كذلك بالطيور المهاجرة التي تحط للاستراحة بمنطقته الرطبة، كما أن أكثر من 250 نوعا من أنواع الطيور تجد لها فيها مستقرا مناسبا، وكذا غطاء نباتيا متنوعا، ويتميز المنتزه بتضاريسه المتنوعة بين الساحل والسهوب، وتنوع مكوناته الجيولوجية، التي استأثرت باهتمام منتجي أفلام السينما وألمع النجوم العالميين بفضل معمارها الطبيعي وطقسها الجميل. وكان المخرج التونسي رضا الباهي أول من أنتج فيلما روائيا طويلا بمنطقة تيفنيت، يتحدث عن حركة الهبيين سنة 1976، في فيلم يحمل اسم "شمس الضباع"، وكانت شركة إنتاج كبيرة تجهز تصوير فيلم "ألكساندر"، قبل أن يتوقف التصوير بسبب حرب الخليج، وتم تصوير فيلم ألف ليلة وليلة والعديد من أفلام نبيل عيوش، وكانت مكانا مفضلا للمنتجين المهتمين بالثقافة الأمازيغية لتصوير الأفلام. نقطة تفريغ تتميز قرية الصيد بتيفنيت بإحداث نقطة تفريغ متطورة، كان الملك محمد السادس قد أعطى انطلاقة تشييدها خلال شهر يناير من سنة 2011، بكلفة إجمالية بلغت 42.5 مليون درهم، في إطار المشروع الوطني لتنمية قطاع الصيد التقليدي، بهدف دعم هذا النوع من الصيد، لتحسين ظروف عيش وعمل المشتغلين فيه، بالإضافة إلى المساهمة في تطوير وإعادة هيكلة القطاع، عبر إيجاد قطب مندمج في محيطه الاقتصادي والاجتماعي. وتضم هذه النقطة مرافق للمكتب الوطني للصيد وكذا للوقاية المدنية والقوات المساعدة، إضافة إلى مقر تعاونية بحارة تفنيت، وسوق جملة تعرض فيه منتوجات السمك المصطادة، كما تعزز شاطئ تفنيت بسرية للدرك الملكي لحفظ الأمن بهذه المنطقة. والصيادون التقليديون شريحة اجتماعية تحظى باستمرار بكل الدعم والمساندة، من خلال مجموعة من المبادرات التي تم إطلاقها على المستوى الإقليمي للنهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، كمشروع دعم بحارة المنطقة بقوارب الصيد التقليدي المصنوعة من مادة "البولستير"، الممول بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، رغم أن بعضهم فقد مسكنه بعد الهدم واتخذ نقطة التفريغ مكانا للمبيت. وكشف أحد المهنيين ل "الصباح" أن إحداث منطقة بحرية محمية بأكادير يدخل في حيزها شاطئ تفنيت، حسب قرار وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ذات مساحة تقدر ب 300 كيلومتر مربع، سيدفع الصيادين لمغادرة قرية الصيد، لأن هذا القرار يمنع الصيد بالأماكن التي تنشط فيها قوارب الصيد التقليدي. الوجه الآخر منذ بداية الثمانينات أضحى شاطئ تيفنيت قبلة لـ" الهبيين"، وعشاق الخلوة والسهر في البحر. قبل أن يتحول هذا الشاطئ الهادئ، سنة 2005، إلى مسرح لتنظيم مهرجان "أنغام السلام"، ومنذ ذلك الحين أصبحت تيفنيت مشهورة بطبيعتها الفريدة، وقبلة للسياح الراغبين في الاستمتاع والاستجمام بأرخص الأثمان. وتحولت تيفنيت إلى ساحة للبيوع والمضاربات التجارية في العقار بالسوق السوداء، وشهدت نشاطا مزدهرا للسماسرة، بشكل غير قانوني، رغم مخاطر انهيار تلك البيوت، بعد الإقبال الكبير من قبل الأجانب. أصبح عدد من السياح مالكي البيوت والكهوف بأوراق تخضع لقانون العقود والالتزامات، وعقود تسليم تكتب عند الكاتب العمومي ويتم تصحيح إمضائها في جماعات بعيدة عن نفوذ جماعة "سيدي بيبي"، وتطور الأمر حتى أصبحت هذه البيوت والكهوف شققا تعرض للكراء والبيع في المنصات العالمية للسياح الاجانب، وتحول بعض الأجانب إلى سماسرة ووسطاء. احتجاجات حل جمال خلوق، عامل إقليم اشتوكة آيت باها بشاطئى تيفنيت، أخيرا، ومعه السلطات المحلية التي أمهلت سكان تيفنيت خمسة أيام لإفراغ بيوتهم بغرض الهدم، ووزع قرار الإفراغ، للتوقف عن احتلال الملك العمومي البحري بالشريط الساحلي لمنطقة تيفنيت، دون ترخيص وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، موقع من قبل مديرية التجهيز والنقل واللوجستيك باشتوكة آيت بها. وأكدت المديرية أنها تحتفظ بحقها في المتابعة القضائية والمطالبة بالتعويضات عن الاحتلال بدون ترخيص، طبقا للقوانين الجاري بها العمل، وفور توصل السكان بهذا القرار اختار بعض أصحاب الشقق هدم البنايات وإخلاءها، فيما اختار البحارة والصيادون الصمت. وخرج العديد من سكان المنطقة في وقفة احتجاجية، بحضور الجمعية المغربية لحقوق الإنسان باشتوكة آيت بها، ورفع السكان شعارات تندد بهدم البنايات، وتكشف أنهم يملكون وثائق تثبت مليكتهم لهذه البيوت التي بنيت منذ عقود، ويصرحون أنهم سيتعرضون للتشرد في حال هدم هذه البيوت، رافضين قرار إفراغ بيوتهم وهدمها، مطالبين بضرورة توفير بدائل للسكان قبل ترحيلهم. تهافت الشركات يبقى هدف السلطات الإقليمية، هو الحفاظ على جمالية الشاطئ والمجال الإيكولوجي وسط المنتزه الوطني لسوس ماسة، من أجل فتح المجال لاستثمارات واسعة في مستوى تطلعات السكان. وفي هذا الإطار، قال محمد بازي الباحث في التراث وتاريخ المنطقة، إن "تيفنيت قرية سياحية جميلة من حقها أن تؤهل تقنيا وعمرانيا وأمنيا، لأنها تراث ثقافي وسياحي وطني وعالمي، وهي تاريخ مشترك لكل أبناء سوس، وملتقى الثقافات العالمية، كما من حقها أن تؤهل وأن يعنى بأهلها، وبمن فيها، لا أن تهدم". وأضاف "نعم للتنمية والتأهيل، مع الحفاظ على القرية السياحية البديعة، فقد بناها البحارة بسواعدهم أواسط القرن الماضي، وهي إرث ثقافي وروحي لكل من جاء بعدهم. إنها ذاكرة حية ومعلمة فريدة، وهي قبلة سياحية عالمية ورافد اقتصادي، وعلامة تجارية مفيدة لأي مشروع تنموي يمكن أن يجاورها لا أن يبتلعها، ولذلك تستحق العناية والاحتفاظ بها، وهدمها خسارة كبرى وكارثة لن ينساها التاريخ". وسال لعاب المنعشين العقاريين والشركات المستثمرة في الميدان السياحي، بعد هدم قرية الصيادين، للاستفادة من صفقة تأهيل المنطقة السياحية لقرية تفنيت، في إطار مشروع سياحي ضخم على مساحة تناهز 200 هكتار، بطاقة استيعابية فندقية تناهز 2000 سرير و250 وحدة سكنية عقارية للترويج السياحي، بالإضافة إلى مرافق ترفيهية وسياحية، بمبالغ مالية تناهز أزيد من ثلاثة ملايير درهم.