إغراق “الحراكة”… القتل بدم بارد

عصابات محلية ودولية احتالت عليهم في مبالغ مالية وتخلصت منهم في عرض البحر نادرا ما يثار ملف تعمد إغراق مهاجرين سريين في عرض البحر، والسبب غياب أدلة ملموسة، وما يروج فقط تصريحات من نجوا من الموت، مع تفادي تقديم شكايات خوفا من انتقام المتورطين، إلا أن التحقيق في عمليات نصب تعرض لها شباب بالبيضاء وعدوا بتهجيرهم سرا إلى إسبانيا، أماط اللثام عن هذه الفاجعة، إذ خلال التحقيق معهم، صرحوا أن قائد مركبهم أغرقه عمدا لحظة إبحارهم، وأن هذه الجريمة تكررت مع "حراكة" آخرين. إنجاز: مصطفى لطفي في خضم تفكيك عصابة "الحريك" التي احتالت على شباب بالبيضاء، والدخول في سباق مع الزمن لتحديد زعيمها المتحدر من الجنوب، جاءت أخبار صادمة من الشمال، حول تورط مهربي المخدرات في التخلص من مهاجرين في عرض البحر. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قبلها بأشهر، تعرض "حراكة" مغاربة للمصير نفسه، وهذه المرة على يد جزائريين بعد أن تعطل بهم زورقهم في البحر. نصب وقتل توهمت عناصر الضابطة القضائية للدرك الملكي بالبيضاء، خلال الاستماع إلى فتاة تتهم تاجرة مخدرات بالنصب عليها في 14 مليونا مقابل تهجيرها سرا إلى إسبانيا رفقة أشقائها وستة أشخاص آخرين، أن الخصوصية من القضايا العادية والبسيطة، وتتطابق في الشكل والمضمون مع قضايا سبق أن عالجوها بإحكام، إلا أنه خلال استدعاء بعض الضحايا، تغيرت قواعد اللعبة في التحقيق، وتحول الضحية إلى متهم رئيسي، في إشارة إلى الفتاة المشتكية، عندما شدد الضحايا على أنها من نصبت عليهم في مبالغ مالية مهمة مقابل الهجرة سرا إلى إسبانيا، وأن تعرضها للنصب على يد مروجة مخدرات، ادعاءات لا أساس لها من الصحة، بل محاولة منها للتمويه على التحقيقات، بعد أن قرروا جرها للقضاء. ولم تتوقف صدمة المحققين عند هذا الحد، بل بدأ أفراد العصابة يتساقطون في التحقيق كأوراق الخريف، بداية بشقيقها الذي أكد الضحايا أنه من تولى مهمة استقطاب الراغبين في "الحريك"، ومتهمين آخرين يقطنون بالمناطق الجنوبية، الذين كانت مهمتهم استقبال "الحراكة" وتهجيرهم عبر قوارب الموت. في الوقت الذي اعتقد المحققون أن الملف سينتهي عند تلك النقطة، أثار الضحايا نقطة تسببت في استنفار كبير، وهي أنهم نجوا من موت محقق، بعد أن تعمد قائد المركب إغراقه بمن فيه، وأنهم أخبروا حينها بعد عودتهم إلى الشاطئ سباحة، أن "حراكة" آخرين تعرضوا للمصير نفسه على يد العصابة نفسها، دون تقديم توضيحات إن فارق أشخاص منهم الحياة غرقا. بناء على هذه الاعترافات، تم إشعار النيابة العام بهذه المستجدات، وباشرت عناصر الدرك تحرياتها بتنسيق مع فرق الدرك بالجنوب، لتحديد أفراد العصابة واعتقال زعميها في أسرع وقت، وهي المهمة التي ما زالت متواصلة إلى اليوم. بارونات متورطون رغم مباشرة الدرك الملكي التحقيق في القضية، كانت الشكوك تحوم حول تصريحات الضحايا، إذ يلفها بعض الغموض، منها السبب الرئيسي الذي سيدفع منظمي الهجرة إلى التخلص من الراغبين في الهجرة، بعد أن تسلموا منهم أموالا وافرة، إلا أن واقعة حدثت في الشمال، كشفت أن لاشيء مستبعد، وتتعلق بتعمد مروجي مخدرات إلقاء مهاجرين سريين مغاربة في البحر، خلال رحلة على متن قارب ترفيهي. ويتعلق الأمر بأربعة مهربي مخدرات، أغروا شبابا بتهجيرهم سرا إلى إسبانيا على متن قارب ترفيهي، مقابل مبالغ مالية مهمة. ولما وصل القارب إلى منطقة "باربتي" بجنوب إسبانيا، تخلص المروجون من "الحراكة" بإلقائهم في البحر، رغم بعد المسافة، ما أسفر عن مصرع مهاجر غرقا، في حين تمكن الباقون من النجاة بعد أن وصلوا إلى الشاطئ سباحة. واستنفرت تلك الجريمة الشرطة الإسبانية، التي تمكنت من اعتقال المتهمين الأربعة، وتابعتهم بتهم ارتكاب جرائم قتل، وجرائم ضد حقوق المهاجرين وضد الصحة العامة. وقبلها بأربعة أيام، شهدت سواحل الجنوب جريمة مماثلة، عندما تخلص منظمو هجرة سرية من 35 "حراكا" بإجبارهم على الارتماء في البحر، بعد إشهار أسلحة بيضاء وتهديدهم بالقتل. وأسفرت الجريمة عن مصرع أربعة مهاجرين سريين. وتبين خلال التحقيق الذي فتح في القضية، من قبل السلطات الإسبانية، ضلوع مهربي مخدرات في القضية، بحكم أن القارب تعود ملكيته لبارون مخدرات، وأنه استغل لتهريب المخدرات والهجرة السرية، وخوفا من أي مفاجأة من خفر السواحل الإسبانية، تم التخلص بتلك الطريقة الوحشية. جزائريون في قفص الاتهام لم يقع "الحراكة" المغاربة ضحايا مهربين وعصابات الهجرة السرية من بني جلدتهم، بل هذه المرة كان مصيرهم بيد مهربين جزائريين في هذه الجريمة البشعة. القصة تعود إلى أبريل الماضي، عندما شارك مغاربة في عملية للهجرة السرية من شاطئ جزائري صوب ألميريا الإسبانية، لكن لسوء حظهم أصيب محرك قاربهم بعطب، وظلوا تائهين في البحر لأيام. وبسبب تسرب المياه في القارب، بدت فكرة التخلص من المهاجرين تدور في خاطر منظمي العملية، وهم ثلاثة جزائريين، لكن التردد كان سيد الموقف، إلى أن فارق مهاجر سري الحياة على متن القارب بسبب الإجهاد والإنهاك، وبمجرد التخلص من جثته في البحر، تم اتخاذ القرار الصعب، وهو أن يطول المصير الجميع. وفعلا شرع الجزائريون في إلقاء المهاجرين المغاربة في البحر، إلى أن غرق الجميع أمام أنظارهم. وبعدها ستتدخل السلطات الإسبانية على الخط، وتعتقل الجزائريين الثلاثة، حيث تطابقت التحقيقات معهم مع تصريحات شهود وقائمة لأسماء الضحايا قدمتها عائلاتهم، لتتم متابعتهم، بتهم القتل وتسهيل الهجرة غير الشرعية وجريمة ضد حقوق المواطنين الأجانب. مذابح في البحر قال مراد العبودي، محام بهيأة الرباط، إن ظاهرة الهجرة السرية، أضحت تؤرق المجتمعات النامية والمتقدمة معا، بحكم أن طرق العبور، سواء برا أو بحرا، غالبا ما تكون مميتة، وما يشكل تهديدا حقيقيا لسلامة وأمن المواطنين والمجتمعات. وأكد العبودي، أن مأساة الهجرة السرية وراءها العديد من العصابات تتخذ منها وسيلة للاغتناء وتحقق أرباحا سنوية تفوق الخيال، عبر الاتجار في البشر، مبرزا أن طرق الهجرة السرية متعددة ومتنوعة، لكن يبقى أخطرها الهجرات التي تتم عبر البحر، والسبب أنه في الوقت الذي تلتزم فيه عصابات بوعودها، وتوصل المهاجرين إلى الدولة المتفق عليها، تعمد عصابات أخرى دون شفقة ورحمة، إلى سلب الضحايا أموالهم وتقتلهم بمجرد الدخول إلى عرض البحر سواء بالرصاص أو إلزامهم تحت التهديد بالارتماء في البحر، كما أن هناك عصابات، يؤكد المحامي، تتبنى خطة ثالثة للإجهاز على «الحراكة» وسط البحر، عبر إصدار تعليمات لقائد المركب بالتخلي عنه والعودة سباحة، وترك الضحايا يواجهون مصيرهم لوحدهم وسط الأمواج العاتية. وأكد المحامي بهيأة الرباط، أن المشرع المغربي، تعامل مع موضوع الهجرة السرية على مستويات عديدة، قد تصل إلى القتل العمد وسبق الإصرار والترصد والنصب والاحتيال والاتجار في البشر. كما أن المشرع، يواصل المتحدث، اعتبر الهجرة السرية جنحة في حال تعلق الأمر بمحاولة فردية، وخصص لها عقوبات مخففة قد تصل إلى الحبس موقوف التنفيذ، لكن في حال تم في إطار منظم، يكون مصير الموقوفين المتابعة بجناية الاتجار في البشر. وأوضح المحامي أنه ظهرت في الفترة الأخيرة بالشمال، ظاهرة، تعمد أجانب وإسبان الدخول إلى السواحل المغربية، ونقل المهاجرين السريين مجانا عبر قوارب إلى الضفة الأخرى، والسبب استعبادهم، بحكم أن المتورطين غالبا ما يشتغلون ضمن مافيا دولية لتهريب المخدرات أو للدعارة والاتجار في البشر، ما يجعل الشباب من كلا الجنسين يقعون فريسة في أيديهم، مشددا على أن السلطات المغربية اضطرت لمناسبات إلى إطلاق النار لإحباط نشاطهم الإجرامي. ومن أجل محاربة هذه الظاهرة التي تشكل في حد ذاتها رفضا لسياسة المجتمعات النامية وظروفها الاقتصادية، والعجز عن توفير ظروف العيش الكريم، دعا العبودي المسؤولين إلى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، وتمكين الشباب من فرص الشغل، كما نص على ذلك الدستور والقانون والمواثيق الدولية. مسؤولية الجميع أبدى العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي أسفهم لحوادث مصرع مهاجرين سريين في البحر، محملين الجميع، الدولة وعائلات الضحايا وحتى المؤثرين، مسؤولية هذه الفواجع، بحكم أنهم من حرضوا الشباب على الهجرة، ما جعلهم فرائس سهلة في يد عصابات خطيرة. أول المعلقين، عصام، الذي قال إن ارتفاع نسب وفيات المهاجرين السريين، جعل المغرب مثل أوكرانيا دون حرب، متسائلا "لماذا دائما الموت يلاحق المسلمين في البحار طلبا لحياة كريمة من غير المسلمين، هل هناك خلل في معتقداتنا؟، و وصلنا إلى مرحلة يكره فيها المسلم أن يشاركه شقيقه المسلم رغد العيش؟". أما عبد السلام، فحمل المسؤولية للآباء، بالقول إنهم يدفعون أبناءهم إلى الهجرة السرية، وهم من يتدبرون لهم الأموال، والتي تصل إلى أربعة ملايين، كما تضطر بعض الأمهات إلى بيع نصيبهن من الإرث وحليهن، لدفع أبنائهن إلى التهلكة والموت المحقق. ونبه عبد السلام إلى أنه في الكثير من الأحيان، لا يستشيرون أحدا ويتكتمون عن العملية، ولما تقع الفاجعة يحملون الجميع المسؤولية، رغم أنهم تورطوا في خرق تام للقانون . أما سمية، فاستغربت الإقبال الكبير للشباب المغاربة على الهجرة سرا إلى أوربا، إذ خاطبت الجميع بالقول، "هل تظنون أن أوربا ما زالت كما كانت "الفردوس" كما يسميها البعض، لا يا أصدقائي أوربا تضعضعت، وبدأ الفقر يظهر عليها منذ 2018، وهاهي حرب روسيا ضد أوكرانيا تزيدها تدهورا، أيها المغاربة عوض قتل أنفسكم في قوارب الموت كان أولى لكم أن تموتوا في وطنكم بجانب أهليكم". وعلى شكل موعظة، واصلت سمية خطابها للشباب" إن كنتم لا تستطيعون العيش في ظروف المغرب، فكروا بعقولكم، استيقظوا من سباتكم، شمروا عن سواعدكم، اخدموا بلدكم وحاربوا الفساد والمفسدين، هلموا جميعا وقفوا وقفة رجل واحد كي تغيروا من واقعكم". وأما عماد، فحمل المسؤولية لمن أسماهم المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ قال "يجب التوقف عند العديد من القنوات على "يوتوب" التي تشجع الشباب المقهور على الهجرة غير الشرعية من خلال التكلم عن التجارب والمغامرات في طريق "الحريك""، معتبرا ذلك وصمة عار، سيما أن الهدف منها الرفع من نسب المشاهدة، طالبا من السلطات معاقبة أصحابها.

إغراق “الحراكة”… القتل بدم بارد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحبس لموثق بفاس

ورزازات تحتضن المنتدى الجهوي الأول للسياحة والسينما

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات