الحوار الاجتماعي هدية لحكومة لا شعبية و"باطرونا" جشعة بقلم: عبد الحق غريب (*) بمجرد أن كشفت رئيسة الوزراء الفرنسية في 10 يناير 2023 عن رفع سن التقاعد القانوني إلى 64 عاما بحلول 2030، حتى أعلنت نقابات العمال بفرنسا تنفيذها إضرابا وطنيا في 19 من الشهر نفسه... نعم قرروا خوض إضراب وطني بعد تسعة أيام فقط من كشف رئيسة الوزراء الفرنسية عن رفع سن التقاعد فقط (وليس حزمة إصلاح: رفع السن ورفع الاشتراك وخفض راتب التقاعد و70 في المائة حدا أقصى للمعاش). وردا على ذلك، قال لوران برجيه، الأمين العام للكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل "إن جميع النقابات العمالية اتفقت على توجيه دعوة مشتركة للإضراب ومظاهرات يوم 19 يناير للاحتجاج على الإصلاح الحكومي المقترح". بالنسبة إلى المغرب، لن أتكلم عن كيف تم تمرير أسوأ قانون لإصلاح التقاعد في تاريخ المغرب في 2016، ولا عن حزمة مضامينه، ولا عن ما وقع إبان المصادقة عليه في مجلس المستشارين، ولن أتكلم عن الحزمة الخطيرة للإصلاح الثاني للتقاعد، والذي تصر حكومة أخنوش على تمريره هذه السنة، أي بعد 6 سنوات فقط على تمرير إصلاح حكومة بنكيران المشؤوم، ولا عن أنه أخطر وأشد ضررا على الطبقة العاملة والموظفين من إصلاح 2016. لن أتكلم عن كل هذا، بيد أنني سأقف عند ما صرح به بنكيران في الكلمة الافتتاحية لمجلس الحكومة الأسبوعي آنذاك، إذ قال "تغمرني سعادة خاصة لأن مشروع قانون إصلاح التقاعد صادق عليه البرلمان.. وهذه المصادقة تؤكد أن الشعب المغربي كبير وكريم ويستحق التنويه"، مضيفا أن مشروع إصلاح التقاعد مؤلم للمغاربة. ماذا يعني هذا الكلام؟ كلام بنكيران هذا، وبصفته رئيس الحكومة آنذاك، يعني بكل بساطة أن الدولة لم تكن تتوقع تمرير أسوأ وأخطر قانون بتلك السهولة وبدون خسارة. لا ننكر الدور الذي لعبته وما زالت تلعبه بعض النقابات الجادة بالمغرب دفاعا عن حقوق ومصالح الشغيلة، والمعارك التي خاضتها والمكاسب التي حققتها لصالح الطبقة العاملة، ولكننا اليوم أمام أخطر مشروع قانون وأشده ضررا على الطبقة العاملة، ولهذا يمكن القول إن البيانات المشتركة والضغوط التي يمكن أن تمارسها هذه النقابة أو تلك، هنا أو هناك، أو خلق لجنة خاصة بإصلاح التقاعد، وجولات الحوار الاجتماعي وهلم جرا، لن يجدي في شيء، لأن الشارع والعمل الوحدوي الحقيقي هما السبيل الوحيد والأوحد، أولا لمعرفة أين ذهبت أموال صناديق التقاعد وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وثانيا من أجل إسقاط هذا المشروع الخطير دون رجعة. وأما دون ذلك، فإن الباب سيفتح أمام التأويل والتشكيك ومزيدا من فقدان الثقة في النقابات. إن الفرق بين فرنسا والمغرب، على مستوى الفعل النقابي، هو أنه بمجرد إعلان الحكومة الفرنسية عن أي إصلاح يمس بحقوق الطبقة العاملة وغيرها، فإن النقابات تنتفض وترد بشكل سريع وقوي وتدعو إلى الاحتجاج في الشارع، ثم تجلس للتفاوض مع استمرار القواعد في الاحتجاجات والإضرابات للضغط على الحكومة. أما عندنا، فإن ما يحصل هو استنزاف للوقت والجهد من أجل التنسيق، ثم بيان مشترك يمر من عين الإبرة يعبر عن الرفض، ثم الجولة الأولى والثانية والثالثة من الحوار وخلق لجنة أو لجان وأخذ ورد... وفي الأخير يأتي الاجتماع الرسمي أمام الكاميرات ينتهي بالمصافحة والعناق والتقاط الصور. إن الدفاع عن حقوق ومكتسبات الشغيلة ليس فقط أمانة ومسؤولية وكلاما، بل أساسا تضحية ونضال وفعل. والتعبير عن الرفض والتحذير يكون بالضغط وليس بالبلاغات أو البيانات أو تصريح هنا أو هناك أو تسجيل موقف في هذه القبة أو تلك. وأما ما يسمى الحوار الاجتماعي، فإنه يعتبر هدية على طبق من ذهب لحكومة لا ديمقراطية ولا شعبية و"باطرونا" جشعة، وفخ سقطت فيه النقابات، ربما بحسن نية. (*) أستاذ جامعي