بقلم: يونس التايب كان حريا بأعضاء البرلمان الأوربي أن يهتموا بواقع الشعوب التي يمثلونها، عوض لعب أدوار غير تلك التي لأجلها أحدثت تلك المؤسسة التي ينتمون إليها. على سبيل المثال، كان ممكنا للبرلمان الأوربي أن يركز على إخراج تدابير سياسية واقتصادية لتخفيف آثار أزمة الطاقة وارتفاع الأسعار على الوضع المعيشي للمواطنين الأوربيين الذين تدهورت قدرتهم الشرائية، وتقديم اقتراحات لمفوضية الاتحاد الأوربي لإنقاذ ميزانيات الدول الأوربية التي تعاني عجزا في الميزانية العمومية بلغ مستويات غير مسبوقة بأثر اجتماعي خطير على الخدمات وأنظمة الحماية الاجتماعية وصناديق التقاعد. كما كان ممكنا أن يشتغل النواب على مبادرة دبلوماسية لإقناع الأطراف المعنية بوقف الحرب في أوكرانيا، خدمة للسلام وتجنيب القارة العجوز مصائب اتساع العنف واحتمال حدوث اصطدام نووي بين روسيا والحلف الأطلسي، سيكون كارثيا بكل المقاييس. وكان ممكنا، أيضا، أن يهتم البرلمانيون الأوربيون بإشكالية صعود الفكر العنصري اليميني المتطرف، وتطبيع عدد من المجتمعات الأوربية ووسائل الإعلام، الرسمي والخاص، مع الفكر الفاشستي الذي أدخل أوربا في الحرب العالمية الثانية في الثلاثينات من القرن العشرين. لكن، عوض الاجتهاد في تلك الاتجاهات التي تحظى بأولوية لدى شعوب أوربا، ارتأى السادة النواب أن يجعلوا من المغرب قضيتهم الأولى، ونصبوا أنفسهم ملائكة تحمي حرية التعبير وتسهر على احترام حرية الصحافيين وحقوق الإنسان في بلادنا. طبعا، يحق لنا أن نتساءل لماذا التركيز على المغرب بالضبط ؟ ولماذا استهدافه الآن؟ ومن تحرك وراء الستار لإثارة الملف؟ وبأية خلفيات يجري ما نراه وما نسمعه؟ ولنفترض جدلا، وجدلا فقط، أن هنالك مواضيع يمكن للنواب الأوربيين النبش فيها وانتقاد المغرب بسببها، هل تستحق بلادنا أن تكون أولوية مقارنة مع ما هو عليه الوضع في دول أخرى؟ هل يجوز اعتبار وضع حرية الإعلام ووضع حقوق الإنسان في المغرب، أسوأ من وضعية الإعلام والحرية وحقوق الإنسان في عدد من دول العالم، في أوربا وإفريقيا وآسيا؟ و هل الوضع في البلد الجار الشرقي أفضل؟ أم هو الغاز الثمين جدا، الذي يعتبره النواب الأوربيون أهم بكثير من حقوق إنسان جزائري مسكين؟ ثم ما هي العلاقة بين التحريض ضد المغرب من بوابة البرلمان الأوربي، بما تعرفه قضية الصحراء من تطورات إيجابية ترسم السير نحو اعتماد مقترح الحكم الذاتي ضمن سيادة المغرب على صحرائه؟ وما علاقة تحريض البرلمان الأوربي، بموقف فرنسا التي تصر على استغلال بلادنا ووضع كامل اقتصادنا تحت سطوة شركاتها المقبلة على الإفلاس؟ وكيف نفهم فضيحة انخراط دبلوماسية التحريض والعداء التي يقودها النظام العسكري والسياسي الفاسد في البلد إياه، في الكواليس الأوربية لتأجيج موقف بعض النواب البرلمانيين والإعلاميين ضد بلادنا؟ على من يضحك هؤلاء؟ على أنفسهم أم على من انتخبوهم من مواطني الدول الأوربية؟ للأسف، قرار النواب الأوربيين يؤكد أنهم لا يقدرون بالشكل المطلوب، أن المملكة المغربية هي الشريك الأكثر فعالية ومصداقية في جنوب البحر الأبيض المتوسط، وأن المغرب دولة تحترم التزاماتها الدولية وتنخرط بفعالية في كل المبادرات الدولية من أجل السلام والتعاون الاقتصادي وحماية البيئة والأمن العالمي ومحاربة الإرهاب والتطرف وشبكات الاتجار في البشر والهجرة السرية. ورغم كل شيء، لن ينجح قرار البرلمان الأوربي في وقف التزام المملكة المغربية بنهج بناء علاقات جيدة مع الاتحاد الأوربي، ومع جميع دوله، شرط أن تتعاطى مع بلادنا باحترام لسيادتنا الوطنية ولمصالحنا المشروعة، ولا تتخذ مواقف سلبية في قضية الصحراء المغربية. بالموازاة، سنظل ننبه أصحاب النفوس المريضة بأن التصريحات الملغومة والمستفزة، واستثمار أوراق "حقوقية" محروقة للضغط على بلادنا من جهات خارجية، لا تحركها أية قيم أو مبادئ، بل هي فقط حروب مصالح اقتصادية وتجارية علينا أن نتعاطى معها بما تستحقه من مقاربات لحماية أمننا القومي، وتحصين اقتصادنا الوطني عبر الوقوف إلى جانب مقاولاتنا الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، والتركيز على الأولوية الوطنية في كل شيء، والتعبير بقوة على أننا لن نخضع للابتزاز من أية جهة، سواء من البرلمان الأوربي أو مجلس أوربا أو الاتحاد الأوربي، إذ يبدو أن بعض الأطراف تحن لماضيها الاستعماري كمخرج محتمل من ضغط التجاذب بين القوى الكبرى، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، الذي ينذر بصدام خطير قد يعصف بقارة أصبحت تضيق عليها الأرض بما رحبت. المغرب، قيادة و شعبا، لا يخاف أيا كان، لأننا دولة لها تاريخ من الملاحم المجيدة، ولأن للأمة المغربية كثير من "الأوراق" التي تستدعي من الآخرين أن يخشونا بسببها ويتجنبوا مكرنا بهم، لا الاعتقاد أن قرار نواب أوربيين، لا يمثلون شعبنا ولا دخل لهم بقضايانا، بإمكانه أن يبلبلنا أو يمر دون أن نتحرك لصده. هي كلمة واحدة يبدو أن علينا جميعا، رسميين كنا أو غير رسميين، أن نقولها للأطراف الأوربية بكل صرامة: إما احترام وحدتنا الترابية وكامل سيادتنا الوطنية، والتعامل بالتقدير الواجب مع دولتنا ومؤسساتنا، وحينها يمكن أن نمضي سويا لبناء علاقات شراكة سياسية استراتيجية تخدم التنمية والتقدم والسلام. وإما "عطيونا التيساع" بشكل كلي وعلني وتحملوا مسؤوليتكم أمام التاريخ و أمام شعوبكم، فنحن قادرون على حماية سفينة هذا الوطن المجيد بكل الوسائل الممكنة، ومهما كانت أمواج البحور عالية وعاتية. (*) كاتب ومدون