هناك إقبال كبير على الرقاة من قبل المغاربة، ما هو تفسير ذلك؟ المجتمع المغربي مجتمع مركب. فيه تعايش لتصورات ورؤى مختلفة، بل متناقضة أحيانا. فإذا كانت الحداثة هي نوع من العلاقة مع الطبيعة التي تبنى على المعرفة العلمية لإيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية والصحية، والانتقال إلى مرحلة من العقلنة، فهل يمكن أن نقول إن المجتمع المغربي وكل المجتمعات العربية قد استطاعت التخلص من تلك التصورات الخرافية والابتعاد عن الشعوذة؟ إن وجود الرقاة وحركة الإقبال عليهم، مؤشر على أن المجتمع لم يستطع التخلص من هذه المعتقدات الخرافية، علما أن الدراسات الأنثربولوجية بينت أن هناك الكثير من المعتقدات السحرية والخرافية التي استمرت ممزوجة بتدين المجتمع. لقد أبرزت بعض الأرقام الصادرة عن أحد مراكز البحث، أن نسب التعاطي للخرافة والشعوذة مرتفعة، لا تشمل فئة الأميين فقط، بل حتى الفئة المتعلمة والفئة الغنية التي يقصد أفرادها الرقاة ظنا منهم أنهم يعالجون حالاتهم المرضية، ويدفعون عنهم العين والسحر. إن انتشار الأمراض النفسية بفعل الأزمات الاقتصادية مثل الهشاشة والفقر والجهل والفشل الاجتماعي، وأمام العجز عن العلاج الطبي، كل هذه المتغيرات تفسر لنا ظاهرة الإقبال على الرقاة حلا للمشاكل واعتبارهم المنقذين، وهم في أغلبهم نصابون وجهلة يستغلون الناس، خاصة النساء منهم من أجل ابتزازهن ماديا وجنسيا أحيانا. في كل مرة تخرج إلى العلن فضائح بعض الرقاة، فهل يؤثر ذلك على مكانتهم داخل المجتمع؟ > يلجأ الرقاة إلى الظهور بمظهر الطهارة والورع، كما أنهم يستغلون الآيات القرآنية لاستغلال معتقدات العامة من الناس الراسخة دينيا، ومن هنا تكون لهم مكانة اجتماعية مميزة باعتبارهم القادرين على العلاج النفسي والجسدي، والوقاية من الجن والسحر، بعد أن عجز الطب والعلم عن ذلك. لكن، أمام هذه الوضعية التي تستند على دورهم الاجتماعي تكون فضائحهم أشد، تثير الصدمات في المجتمع الذي يرفعهم إلى درجة الطهارة والعفة. إنهم أشبه برجال الكنيسة الذين يسقطون في الفضائح الجنسية. هذا يبين أن نسبة كبيرة من الرقاة، هم من المحتالين والنصابين الذين يعانون عقدا مرضية وجنسية، ومنهم من يتخذ الرقية وسيلة لكسب المال واستغلال نفسيات الناس المنكسرة والمكتئبة، خاصة النساء والفتيات العوانس... كيف يمكن وضع حد لمشكل المتاجرة بالدين لإشباع الرغبات الجنسية وجني المال؟ رغم الفضائح التي تطفو بين الفينة والأخرى، فزيارتهم لا تنقطع، وأعداد الزوار قد تزداد وتتضاعف مع تأزم الوضعية الاجتماعية، وهنا يجب التساؤل حول هذه الظاهرة: أليست طريقة لا شعورية خفية يتم اللجوء إليها لإشباع الحاجات والتخفيف من العقد والأمراض النفسية والجنسية عن وعي وإرادة؟ وإلا لماذا يزداد عدد الرقاة رغم ما كتب حولهم، ورغم ما ينشر حول فضائحهم عبر الجرائد والمواقع؟ وللحد من عملية المتاجرة بالدين، واستغلال تدين الأفراد، يجب أن يتعلم الناس ويتربوا على أن القلق والاكتئاب وجل الأمراض النفسية والعقلية يمكن حلها عن طريق العلاج الطبي والتوجه عند الطبيب المختص، أو طبيب الأمراض العقلية. وعلى المجتمع أن يعترف بتلك الحالات المرضية الشبيهة بمثيلاتها العضوية، ومواجهتها علميا بدل عزل المصابين وإخفائهم، ما يؤدي إلى نوع من الوصم الاجتماعي والإحساس بالتهميش والعزلة. إن هذه الحالات هي نتيجة الأزمات الاقتصادية أحيانا والاجتماعية أحيانا أخرى، يمكن علاجها بالمساندة والتكفل بالمريض، بدل أن تترك هذه الفئة لمصيرها، فتكون معرضة للاستغلال المالي والجنسي من قبل الرقاة الذين يزعمون تفوقهم في علاج هؤلاء المرضى على الأطباء والمختصين. أجرت الحوار: إيمان رضيف * أستاذ علم الاجتماع