كوروكو… مملكة الحالمين بالإلدورادو الأوربي

مهاجرون أفارقة يستوطنون مرتفعات جبلية في انتظار فرصة سانحة لعبور حدود مليلية في عمق مرتفعات "كوروكو" الموحشة، يتجمع حوالي ألف إفريقي كأنهم جيش نظامي يستعد لتلقي آخر التعليمات، وقبل أن يحين موعد الزحف بعد بضع ساعات من الآن تتشكل مجموعات على رأس كل واحدة قائد ومساعدون أقوياء البنية لتأمين مقدمة الهجوم ونصب السلاليم التقليدية التي تساعد على تسلق أسوار مليلية... "الصباح" دخلت عالم الهاربين من أزمات وحروب إفريقيا وعايشت كآبتهم عن قرب، ونقلت شهادات تختزل الفردوس الأوربي في اجتياز بضعة أمتار من الأسلاك الشائكة. التوغل في أعماق "كوروكو" ليس أمرا هينا، فالضباب الكثيف الذي يصل السماء بالأرض سبب آخر ينضاف إلى صعوبة اختراق التضاريس الوعرة للوصول إلى مهاجرين اختار بعضهم الاستقرار في المغارات والكهوف للاحتماء من البرد القارس ولئلا يقعوا في شراك حملات التمشيط التي تقوم بها السلطات بين الفينة والأخرى. زيارة غير مرغوبةمن شدة خوفهم من الاعتقال والترحيل إلى الفيافي القريبة من حدود الجزائر، لا يفرقون بين صحافي مغربي ورجل أمن، ويأمنون أكثر بوجود ذوي السحنات الأوربية، هم في الغالب صحافيو قنوات تلفزية أو مراسلو جرائد اسبانية أو حتى دولية، أما سواهم لا يزورهم سوى بعض المهربين الذين يقصدون هذه الغابة لعقد صفقات مع من يملك المال الكافي ليتمكن من شراء مكانه داخل تجويف سيارة...في الطريق إلى الجبل، ترمقنا عشرات العيون الدّائخة بكثير من الرّيبة والتساؤل عن سبب زيارتنا، ورغم تأكيدنا على الطابع الإنساني لمهمتنا، فإن ملاسنات نشبت بين بعضهم ممّن يخشون "انتقاما محتملا للأمن المغربي من استقبالهم للصحافيين".بعد وقت قصير ستتضح الصورة أكثر، وسنعرف أن التحفظ الذي أبداه كثير منهم لم يكن بدافع الخوف فقط، بل لأننا نوجد في الوقت والمكان غير المناسبين، إذ أن الجميع يستعد هذا اليوم لاقتحام أسوار الحدود، مما يعني أن وجود غرباء في المنطقة يسبب تشويشا عليهم. ليلة الزحف هذه الليلة ستكون ساخنة بكل تأكيد، فالمهاجرون الأفارقة لا يعرفون للموت وصفا آخر غير البقاء لمدة أطول خلف أسوار مليلية الشائكة، أما الحياة فهي بلا تحقيق حلم قطعوا لأجله آلاف الكيلومترات أيضا دون طعم..."نعم أسلحتنا جاهزة للهجوم"، يقول "كامارا" باستخفاف، هذه الأسلحة ليست إلا عشرات السلاليم والحبال الطويلة التي يستعملها المهاجرون في تسلق أسوار الحدود الشائكة، إنها قوية بما يكفي ويتم تجربتها مسبقا، يضيف كامارا، أنها تقنية فريدة في عالم الهجرة السرية.يستدرك، فيوضح بجدية أكبر: "في الواقع لقد جربنا كل الوسائل، من الإبحار بقوارب مطاطية صغيرة وفوق عجلات عائمة، إلى الاختباء تحت غطاء محرك السيارات وقيادة سيارة أو دراجة نارية تخترق الحدود، ولم لا في جوف حقيبة سفر، ولو كان بمقدورنا حفر نفق تحت الأرض لفعلنا ذلك أيضا".بين الفينة والأخرى، كان هذا المهاجر يتلفت يمنة ويسرة كمن يراقب الوضع، ثم يقوم ببعض الحركات التي تدل على أنه في كامل لياقته، وعلى أتم الاستعداد للقفز فوق أسوار الحدود والإفلات من قبضة قوات الأمن. ينظر إلى من حوله، ثم يترك المجال لرفيقه "كيتا"، نبادره بالسؤال: كيف هي المعنويات، هل ستنجح اليوم في العبور؟، يرد بعفوية: أي مدلول للحياة وسط هذه الطبيعة القاسية؟، الجميع يرغب في توديع " كوروكو" إلى غير رجعة !!. سنوات من الانتظاربعد رحلة شاقة عبر صحاري إفريقيا وصل "كيتا" قبل أربع سنوات إلى الجزائر مرحلته الأخيرة ومنها تسلل عبر الحدود إلى المغرب، ليستقر بعد ذلك قرب جامعة محمد الأول بوجدة.تطلبت منه المغامرة أربع سنوات أخرى من الانتظار في مرتفعات "كوروكو"، وفي كل مرة يراوده الأمل في النجاح في تسلق أسوار مليلية كان الحظ يخونه، لذلك تمثل هذه الليلة بالنسبة إليه فرصة ذهبية قد تنهي إلى الأبد علاقته بهذه الغابة.إلى جانبه، كان يجلس "إيمانويل"، مهاجر من سيراليون تعرض قبل مدة لكسر في رجله بعد محاولة فاشلة قادته مباشرة نحو المستشفى، في تلك الأثناء فقط اضطر لترك حلمه جانبا بسبب خوفه من مضاعفات الإصابة، لكنه مصر هذه المرة على ركوب المغامرة رفقة المجموعة، ويمني نفسه بوضع أفضل في إحدى الدول الأوربية.يؤكد "ايمانويل" في حديثه إلى "الصباح"، أن أسوأ ما في هذا المكان، هو الشعور الذي يجعلك تحس أنك اقرب إلى الحيوان منه إلى البشر، فالظروف قاسية لأبعد حد طيلة فصول السنة، وتزداد سوءا في فترة الشتاء، لذلك، فأي إنسان لا يمكن أن يعيش هذه المأساة ويستمر فيها إلى ما لا نهاية...رغم أن تأثره هذا لا يحتاج إلى وصف، يصر هذا المهاجر على أن توثق "الصباح" حالة صديق له يضطجع داخل خيمة متهالكة وفي رأسه جرح غائر يسبب له ألما شديدا، يؤكد أنه "وقع "فريسة" لهراوات قوات الأمن بعد وقوعه من فوق السياج الحديدي وتم التخلص منه خارج الحدود كأنه مجرد قمامة". تعزيزات أمنية إضافية بعد ثلاث ساعات تقريبا من الوجود داخل "معسكراتهم" التي يلفها الظلام من كل جانب، هذه المدة كانت كافية لاستيعاب معاناتهم وأحلامهم، وحتى لا نكون ضيوفا ثقلاء أكثر من اللازم بادرنا مغادرة الغابة عبر طريق سالكة تؤدي إلى جماعة فرخانة، واتجهنا مباشرة لإلقاء نظرة خاطفة على أسوار الحدود...في باحة قريبة تصطف حافلات وسيارات رباعية الدفع تنقل يوميا مئات عناصر الأمن المغربية المسخرة للتصدي للمهاجرين السريين الذين يشنون، منذ بضعة شهور هجمات لم يسبق لها مثيل منذ 2005، وضع يفسر التعزيزات الكبيرة من هذه القوات التي ترابط في هذه المنطقة التي نعبر منها في اتجاه معبر باريو تشينو مرورا بماريواري ... يعتبر المسؤولون في اسبانيا أن تدفق المهاجرين سواء على سبتة أو مليلية يجعل مسألة معالجة الهجرة السرية قضية ذات أولوية، وتحتاج حلولا مستعجلة، وهو موقف تفاعل معه المغرب عن طريق رفع عدد قواته من الجيش والشرطة والقوات المساعدة قرب حدود مليلية.ويؤكد المهاجرون، لـ"الصباح" أن بعضهم من شدة الخوف والاندفاع بقوة فوق السور يسقطون أرضا ويُجرحون ويُعتقل البعض الآخر، فيكون نصيبهم الطرد بطريقة تعسفية غالبا ما تصاحبها اعتداءات جسدية من قبل قوات الأمن، وتنقل منظمات حقوقية مشاهد مؤثرة من هذه الخروقات وتضمها إلى تقاريرها التي لا تتوقف عن استنكار المقاربة المعتمدة في مجال محاربة الهجرة السرية.وبالمقابل، تلقي مواجهة الهجرة السرية أعباء مالية ضخمة على المغرب، بل يرى بعض المراقبين أن صورته الحقوقية تأثرت في الكثير من الأحيان ووجهت إليه سهام الانتقاد حول سوء معاملته للمهاجرين الأفارقة وتعاونه اللامشروط مع جاره الجنوبي حتى من وسائل الإعلام الاسبانية.لكن رغبة إسبانيا تذهب أبعد من ذلك، وتأمل في أن يتم إحكام غلق كل المنافذ في وجه المهاجرين السريين، ما يعني تكديسهم فوق التراب الوطني في ظروف طالما أثارت انتقادات المنظمات الدولية ودفعتها إلى رسم صورة قاتمة حول أوضاعهم الإنسانية.رصد تقرير حقوقي توصلت به "الصباح" نماذج كثيرة من الانتهاكات التي تواكب صد قوات الأمن المغربية والاسبانية للمهاجرين أثناء محاولتهم تسلق حدود مليلية، من قبيل استعمال عناصر مراقبة الحدود الاسبان للرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع ورصاص صيد الطيور (الرش) ضد المهاجرين، في حين تستعين القوات المغربية بالحجارة والهراوات وبعض المتعاونين من أجل "سلب ممتلكات المهاجرين وقمعهم". إنجاز: عبد الحكيم اسباعي (الناظور)

كوروكو… مملكة الحالمين بالإلدورادو الأوربي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

3 أسئلة : أوضاع غير إنسانية في " مخيمات" كوروكو

"كوديم" تناسى مشاكله وفاز على اتحاد تمارة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات