أدمن عليه إلى حد الجنون وحياته وعلاقاته انقلبت رأسا على عقب كان "با محمد" سبعيني، يستشيط غضبا من أبنائه وزوجته وكل من بالغ في استعمال الهاتف المحمول، إلى درجة أنه مناسبة وبخ ابنته بسب سلوك زوجها، الذي يتجاهل مشاركته حديثه في كل زيارة ويفضل الغوص بين مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الأمور ستنقلب مع هدية توصل بها في مناسبة عائلية، وهي هاتف محمول ذكي، فانقطع عن عالمه، وصار ذووه يتوسلون له بتخصيص وقت للاهتمام بهم ومشاركتهم الحديث. "با محمد" نموذج لشيوخ ومسنين أدمنوا الهاتف المحمول، بعد أن كانت هذه الظاهرة حصرا على الأطفال والشباب فقط، إذ وجدوا أخيرا في مراحل العمر المتأخرة من يؤنس وحدتهم، سيما إذ كانت العلاقة بالأبناء والزوجة وأجواء العائلة متوترة بسبب اختلاف في العقليات والأفكار، إلا أن هذه الصحبة الجديدة تتم بطريقة تهدده مستقبلا بأمراض جسدية ونفسية . أثار "با محمد "الحدث بعد تحوزه هاتفا محمولا ذكيا، إذ صار آخر من ينام وفي ساعات متأخرة من الليل، ما يسبب له مشاكل جمة مع زوجته، تصل في مناسبات إلى خلافات حادة بسبب انزعاجها من ضوء الهاتف الذي يخترق ظلمة الغرفة ويسبب لها ارتباكا في النوم، ما يجبرها في بعض الأحيان إلى تركه وحيدا والنوم في غرفة مجاورة أو في الصالون، احتجاجا على هذا السلوك. في السابق كان "با محمد" يلقب من قبل أبنائه وزوجته بـ"الفروج"، ينام مباشرة بعد صلاة العشاء ويستيقظ نصف ساعة قبل الفجر، لكن هذه الميزة انقرضت بسب الهاتف المحمول، فساعة النوم تتجاوز منتصف الليل، وفي الفجر يجد صعوبة كبيرة في الاستيقاظ، وبعد أداء صلاة الفجر، يفتح هاتفه من جديد للاطلاع على آخر المستجدات إلى أن يسرقه النوم من جديد. بالمقهى تغيرت سلوكات "با محمد" بشكل ملحوظ، فبعد أن كان يترقب بشغف أي شخص يشارك طاولته والحديث في مواضيع متنوعة، صار يميل للعزلة، يستمتع بتفحص هاتفه المحمول وهو يحتسي قهوته السوداء وينتشي بسيجارة شقراء بسبب هاتفه، وبهذا الموقف تحاشى أصدقاءه المزعجين، اللهم من أدمن بدوره الهاتف المحمول، حيث يغوص كل واحد منهما في عالمه الخاص دون أن ينبس بكلمة، اللهم في فترات يتبادلان فيها معلومات عن مواضيع أثارتها مواقع التواصل الاجتماعي. تملك "با محمد" فضول كبير جعله مزعجا بامتياز، خصوصا بين أفراد عائلته، إذ لا يتوانى في الاستفسار عن مواضيع في كل المجالات التي صادفها خلال تفحصه هاتفه المحمول ويلح على معرفة إن كانت حقيقة أم إشاعة وتقديم تفسيرات ومعلومات حولها. في مناسبة ادعى ابنه البكر، تفاديا لنقاش عقيم معه، عدم علمه بمعلومة أراد التحقق منها، فكان رد "با محمد" صادما "شحال خسرت عليك ديال الفلوس وفالأخير ماعرفتي وما قريتي". مصطفى لطفي