fbpx
ملف الصباح

“القهيوة” … رشوة مقنعة

إذا كانت الرشوة هي ما يدفعه الإنسان ليأخذ ما ليس من حقه، أو ليتهرب بها من حق عليه، يعاقب عليها القانون الوضعي والإلهي، فإن “القهيوة”، يعتبرها بعض الموظفين حقا مكتسبا، يدخل ضمن الراتب الشهري، يساعد على مواجهة الحاجيات، بل منهم من يعتبرها منحة أو علاوة، في ظل هزالة الراتب.

ويجد بعض الموظفين المثقلين بالديون، صعوبة بالغة في مواجهة الحياة، بعد بلوغ سن التقاعد، إذ لم يعد بإمكانهم الحصول على “القهيوة”، التي تساعدهم على استكمال راتبهم، فيجدون أنفسهم أمام راتب ثابت منقوص من هذا المكتسب، ما يحدث زلزالا في ميزانيتهم، وكم منهم لم يستطع مواصلة العيش براتب التقاعد، ليلقي بنفسه في مخالفات قد تودي إلى السجن في بعض الأحيان، من خلال الإدمان على السلف، أو توزيع شيكات دون رصيد، ليجد نفسه خلف القضبان.

“القهيوة” هي الرشوة المقنعة، التي ترمي بالمدمن عليها إلى التهلكة، لأنه يعتبرها حقا مكتسبا، ويبحث لها عن مبررات واهية، “كالعين بصيرة واليد قصيرة”، سرعان ما يصطدم بواقع المعاش، الذي يفرض عليه العيش بما تبقى من راتبه، بعيدا عن المكملات التي طالما ساعدته على تجاوز جزء من مشاكله.

تعددت الأسماء، “التدويرة” و “الحلاوة ” و”القهيوة”، “ادهن السير يسير” … ليبقى الهدف واحدا، هو القدرة على ضمان العيش، بما هو ليس في ملكك، والاعتماد على ما هو في جيب غيرك، لتحقيق التوازن في حياتك الاجتماعية.

التقاعد لا يضمن لك سوى راتبك، بعيدا عن تلك الممارسات التي أساءت إلى المشهد العام، ونبحث من خلالها عن مبررات لسلوك مرفوض كيفما كانت الصيغة التي تم بها.

لا شك أن المصالح العمومية والإدارات التي لها صلة مباشرة بالمواطن هي الأماكن التي تشهد استفحالا كبيرا للرشوة، فمن أبسط الموظفين إلى أعلى منصب في السلم الإداري، الكل يمد يده للمواطن المسكين الذي يمنحها للآخر مرغما، لأن عدم إعطائها سيحول، قطعا، دون قضاء مآربه، أو على الأقل سيؤخرها أطول مدة ممكنة.

أما قابضها فيتعلل بأن الراتب الشهري لا يفي بمستلزمات العيش، فهو يستعين بها على تغطية تكاليف الحياة ولو كان ذلك على حساب من وضعيتهم أدهى وأمر، قبل أن يصطدم ذلك الموظف بواقع التقاعد، الذي يفرض العيش براتب مثقل بالديون، ودون “قهيوة”، وهي معادلة يستحيل الاستئناس بها في زمن لم يعد يؤمن سوى ب”الكماليات”.

نور الدين الكرف


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.