أبو عمـار… الدخيـل علـى سـوس

استهدف "الروايس" و"أحواش" ومسلسل «بابا علي» بفتاوى التحريم والتعسير لعل أكبر معضلة لمواقع التواصل الاجتماعي، أنها حررت أصوات الجهل، وجعلتها تنتشر في صفوف الرأي العام، الذي لا يملك بدوره مناعة ضد المعلومة والرأي، ما يجعله لقمة سائغة لخطابات التطرف بأشكالها المختلفة. ويعتبر التطرف الديني أكثر معضلات العصر، التي أصبحت تشكل تحديا حقيقيا للدول التي لم تبن الحس النقدي لدى شعوبها، ويتحولون إلى أعداء لها بسبب الدين. ومن مروجي خطابات وفتاوى تحريم كل ما هو جميل، ويعتدي على ذهنية ومشاعر الناس في منطقة سوس، المدعو الشيخ أبو عمار، الذي حرك نعرات العصبية، وأثر على السلم الاجتماعي بالمنطقة، من خلال مقاطع فيديو بالعشرات، يبثها على قناته، ويعيد "غلمانه" نشرها في قنواتهم من أجل الربح، لكن نتائج هذه الفتاوى كان لها وقعها، في إثارة القلاقل بين السكان، وأعاد تجربة شيوخ التطرف المشارقة، الذين زرعوا البغضاء والحقد بين أفراد الأسرة الواحدة، إلى درجة أن البعض قاطع أفراد أسرته، وامتنع مشاركتهم الطعام والحديث، فقط لأنهم لا يؤدون شعيرة الصلاة. خطاب الشيخ أبي عمار، دخيل على سوس، ولا علاقة له بالتاريخ الاجتماعي للمنطقة، ولم يسبق على الأقل في التاريخ المعاصر، أن قام فقيه أو داعية، بزرع الأحقاد بين أبناء المنطقة ذاتها، وفرق بين المتدينين والفنانين، وقسم السكان إلى قسم يساند الفن والدراما، وآخر يدعم أفكار وخطاب التطرف. وتكمن خطورة أبي عمار، والأمر نفسه ينطبق على ياسين العمري، في أنهما يستهدفان ويتناولان بعض المواضيع، التي لها علاقة بالمعيش اليومي للأسرة، خاصة ما يتعلق باللباس وطرق إحياء الأفراح والمناسبات، وتربية الأبناء، وغيرها من الأمور التي تشغل الناس، ولا تقوم فيها الدولة بمجهودات كفيلة بالإجابة عن أسئلة المواطنين، الذين يضطرون إلى أخذ الفتوى من الدعاة، بينما فقهاء وعلماء الدين بالمجالس العلمية، لا يلتفتون إلى الفتاوى العشوائية، التي يصدرها هؤلاء، في وقت يتقاضون فيه أجورا من الدولة لتأطير المجتمع دينيا. ودخل أبو عمار في صراع طاحن مع الفنانين وصناع الدراما في سوس، وظل هذا الجو من تبادل الاتهامات ساريا لأزيد من سنتين، وخف في الأيام الأخيرة غير أنه عاد مع عرض الجزء الثاني من مسلسل "بابا علي" إلى الواجهة. ويعادي أبو عمار الدراما والفن والرقص وفن أحواش، إذ يعتبر أن كل هذه الفنون حرام، ولا يجوز التعامل مع مبدعيها، لكن هذا الداعية لم ينتبه إلى واقع حال سوس، وكيف استطاعت منذ القدم أن تزاوج بين التدين والفن والفرجة، إذ في جل الأعراس، يحضر "الطلبة" ويقرؤون القرآن، وبمجرد انتهائهم تحل الفرق الموسيقية أو المنشطون الكوميديون أو فرقة أحواش للغناء، في مكبرات الصوت والميكروفونات ذاتها، ولا أحد ينتبه إلى وجود إشكال في هذا الأمر، خاصة أن الإنسان التقليدي في البوادي المغربية، لا يستطيع العيش دون ثنائية الدين والفن، وهو ما لم يستوعبه أبو عمار، الذي يعتقد أنه يمكنه استغلال لغة القوم (الأمازيغية) في تأليب الرأي العام في سوس، وجعله ينقلب على الفنانين، لكن سعيه لم ينجح ولن ينجح، لأن سوس تتنفس أغاني الروايس وأحواش، كما تتنفس الدين المحلي، الذي ترك معالمه المختار السوسي وغيره من فقهاء ومتصوفة سوس. عصام الناصيري

أبو عمـار… الدخيـل علـى سـوس

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أسر المفقودين الجدد تحتج أمام البرلمان

منصة الحديث لمواجهة فتاوى الأنترنت

مقالات ذات صلة