تقيم حقوق الإنسان بالمغرب بمنظار الثمانينات وتخلط بين خرق الدستور والثوابت وحرية التعبير والعمالة إلى الخارج اتضح من خلال ملخص تقرير الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان بالمغرب ل2021، أن من صاغه لم يزر المغرب منذ عقد الثمانينات، ولم يواكب التحولات التي وقعت إن على مستوى الواقع أو القوانين. والمثير في تقرير الخارجية الأمريكي هو تعمد الخلط بين العناوين الكبرى، وبين الاختفاء القسري والتعذيب، وسوء المعاملة، بجعلها كلمة موحدة تقول المعنى نفسه، وهذا لا يعفي السلطات المغربية من ضرورة الاجتهاد لتفادي السقوط في فخ محاكمة شخصيات نكرة، تضطر إلى أن تصبح معارضة في المهجر، عوض بحث حلول ودية. في هذه الصفحة سننشر ملخص التقرير مع التعليق على ما بدا خطأ، أو سوء تقدير. إعداد: أحمد الأرقام أمريكا تدعو إلى تحطيم الثوابت يخلط تقرير الخارجية الأمريكية، بين انتقاد وضعية حقوق الإنسان، وبين خرق الدستور المغربي، الذي نال مصادقة المغاربة عبر استفتاء شعبي. فكيف تطالب الخارجية الأمريكية بالمس بثوابت البلاد، وانتقاد الدين الإسلامي، والملكية، والوحدة الترابية، والنظام الديمقراطي، وتعتبر من أساء إلى الثوابث بأنهم " معتقلون سياسيون"، فيما دستورها، الذي منح صلاحيات واسعة للرئيس المنتخب، باعتباره قائدا للجيش، يوقع المعاهدات، ويعين السفراء، والوزراء المفوضين، والقناصلة، وقضاة المحكمة العليا، وحتى كبار الموظفين، لا يسمح بالمس به، إذ خصص فصلا لجريمة الخيانة بحق أمريكا عبر شن حرب أو الانضمام إلى الأعداء وتقديم العون لهم، فبأي حق تعتبر الخارجية الأمريكية، عملاء النظام العسكري الجزائري، الذين يحتجون على مغربية الصحراء بأنهم "معتقلون سياسيون". والأخطر في تقرير الخارجية الأمريكية، أنه يشجع الجريمة، بتبرئة المتورطين في ذبح 11 عنصرا من القوات المساعدة في مخيم إكديم إزيك، على طريقة التنظيم الإرهابي " داعش"، وتعتبرهم "معتقلين سياسيين" بدورهم، علما أن الدعوة إلى القتل تعتبر في أمريكا دعوة إلى الإرهاب، بل إن محاكم أمريكا تعدم من قتل بشكل متعمد أي شخص، إذ ينص الدستور الأمريكي على محاكمة الأشخاص الذين انضموا إلى الأعداء بتهمة الخيانة العظمى. وادعى التقرير كذبا وفاة 30 شخصا من المتظاهرين، وهو رقم متخيل استقاه الأمريكيون من دعاية النظام العسكري الجزائري، علما أن لا أحد زار المقابر للترحم على ضحايا وهميين، فالخارجية الأمريكية مطالبة بتفادي جمع المعطيات من مواقع مخابرات العسكر الجزائري المنتشرة في كل أنحاء العالم، إذ يكفي كتابة كلمة الصحراء، حتى تطالعك مئات المقالات الوهمية. الاختفاء القسري... حكاية من الماضي لم تسجل أي حالة اختفاء قســري خلال هذه السنة، حسـب التقــرير السنــوي لمجموعــة الأمــم المتحدة المكلفـــة بمراقبة حالات الاختفاء القسري، علمـــا أنـــه منــذ 1956 إلى 1992، سجـــل اختفـــاء 153 شخصا، قبل أن يســــوي المجلس الوطني لحقـــــوق الإنسان الملف، وبقيت ست حالات عالقــــة، لـــــم يتـم الكشف عنها. متابعة صحافيين بتهم الحق العام تحدث التقرير عن محاكمات طالت صحافيين ونشطاء "فيسبوك"، بتهم تتعلق بالحق العام، خاصة التحرش الجنسي، والاغتصاب والفساد، واعتبر تكرار ذلك يظهر أن مثل هذه المحاكمات لها طابع آخر يهم المس بحرية الصحافة والتعبير . سوء المعاملة ليس تعذيبا وقع التقرير الأمريكي في خلط بين ممارسة التعذيب، الذي يعني انتزاع الاعترافات تحت الإكراه البدني، عبر استعمال الصعقات الكهربائية، والاغتصاب، واقتلاع الأظافر، والضرب بالسوط في الظهر، وبطن الأرجل، وصب الماء الممزوج بالملح على الجروح، واستعمال منشفة الماء المتسخ في الفم، وتكسير الأسنان، وتكبيل اليدين وجر الجسد فوق طاولة، واستعمال الماء البارد طيلة ساعات، ومنع المعتقل من النوم، وهي أساليب يعرفها الأمريكيون لأنه تم تجريبها في معتقل أبي غريب بالعراق، وغوانتنامو، وبين سوء المعاملة التي تعني تلقي صفعة، أو شتم، أو الوضع غير القانوني للاعتقال رهن الحراسة النظرية، أو تزوير محاضر الاستماع أو تغيير مضامينها من شاهد إلى متهم، أو من مظلوم إلى ظالم، أوترك الشخص بدون وجبات الأكل، أو حشره في زنزانة مليئة بالمعتقلين. وقال التقرير الأمريكي إن الدستور المغربي يمنع التعذيب، ويجرمه القانون، والحكومة نفت استعماله، ورغم ذلك استمرت المنظمات الحقوقية والمدنية بتلقي شكايات حول سوء المعاملة، التي تعرض لها مواطنون معتقلون، وحسب الحكومة تم تسجيل 385 شكاية تتهم رجال الأمن بسوء المعاملة، تمت معالجة 336 قضية، و49 في طور البحث وحسب الخارجية المغربية وضعت 8 شكايات لدى الوكيل العام للملك تخص مزاعم سوء المعاملة. وعند نهاية التحقيق، فتحت الشرطة القضائية ملف ستة من رجال السلطة توبعوا باستعمال العنف أثناء قيامهم بعملهم، وأكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان فتحه ل20 تحقيقا حول شكايات تزعم التعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة بين 1 يناير و31 غشت. وفي حالة إثبات جريمة التعذيب، يفرض القانون على القضاة إحالة المعتقل على خبرة طبية إذا طلب هو أو أحد محاميه، أو إذا لاحظ القضاة وجود كدمات على جسده، وفي حالات معينة يلاحظ القضاة ذلك ولكنهم يرفضون تطبيق القانون، وكشفت المجموعة الأممية للوقاية من التعذيب ومنظمات حقوقية حالات، لكن التقرير لم يذكرها بالاسم . والقانون المغربي يعاقب على ارتكاب مثل هذه الحالات ويفرض على القاضي إجراء خبرة طبية من قبل طبيب محلف، وفي حال رفض القضاة إجراء تقييم طبي لمعتقل تعرض للشطط. خلط الحرية الدينية بالطائفية أكد التقرير الأمريكي أن المغرب يحترم التعددية الدينية، ذاكرا المغاربة اليهود الذين يمارسون حقوقهم العادية بما فيها حق التدين، ويتم احترامهم كما لديهم حقوق مدنية مكفولة بالقانون، لكن التقرير حينما يناقش هذا الأمر يخلط بين احترام المغرب للتعددية الدينية، وبين مطالبته بإرساء الطائفية الدينية، التي تؤدي إلى حروب أهلية، كما حصل في سوريا، والعراق، واليمن، وأفغانستان، والصومال، ولبنان، إذ لو فتح المغرب مجاله الديني للمذاهب لدخلت إيران وأسست حزب الله المغربي، وتنظيم الحوثيين، ولدخلت السلفية وأسست القاعدة وداعش، والنصرة، والجهاد الاسلامي وحماس المغربية. خلل في إرساء شروط المحاكمة العادلة أكد تقرير الخارجية الأمريكية أن القانون ينص على محاكمة عادلة، والحق في استئناف الحكم، ولكن هذا لا يحصل دائما، رغم أن القانون يؤكد أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، إذ يتم إخبار المعتقلين بسرعة بالتهم الموجهة إليهم، بعد اعتقالهم وانتهاء مرحلة التحقيق، ومن حق المعتقلين المثول أمام المحاكم، وفي الوقت نفسه البحث عن محام لمؤازرتهم، ويمكن للقاضي اتخاذ قرار استمرار المحاكمة حتى في غياب المتهم، وتقديم ملخص عنها له. وتمنع السلطات على المحامين، حسب التقرير، الالتقاء بموكليهم في الوقت المناسب، وأحيانا لا يلتقون بهم إلا في الجلسة الأولى للمحاكمة. وأكد التقرير أن المحامين الذين يشتغلون في إطار المساعدة القضائية، يحصلون على أجور زهيدة، ولا يتم منحهم الوقت الكافي للاطلاع على الملف، أو يحصلون على معطيات غير دقيقة حوله. وأكد التقرير أن القانون يجيز لمحامي الدفاع، استدعاء شهود إثبات، ورغم تنصيص القانون على ذلك يرفض بعض القضاة مساءلة الشهود، أو استدعاءهم أو تقديم أدلة تخفف عن المتابعين. ويعتمد القضاة، حسب التقرير نفسه، على الاعترافات التي تقع "أحيانا تحت الإكراه" للتداول في القضايا الجنائية، وأكدت الجمعيات أن نظام العدالة يرتكز دائما على الاعترافات لتحريك المتابعات، وأن السلطات تمارس ضغوطات على المحققين لانتزاع الاعترافات لتسريع المتابعات في غياب أدلة مقنعة. تشيكيطو: التقرير لم يكن موضوعيا تضمن التقرير الأمريكي في جزء منه حالة حقوق الإنسان بالمغرب وحاول وضع الأصبع حول ظاهرة التعذيب وكل أشكال المعاملة القاسية أو المهينة، والتي، إن لم تكن تمارس بشكل ممنهج ببلادنا إلا أن أشكالها ومظاهرها مازالت تتكرر في عدد من المدن المغربية. غير أننا وبعد قراءة متأنية للتقرير وخاصة المحور " س" المتعلق برصد مزاعم التعذيب والمعاملة القاسية، يتضح لنا أنه سقط في أخطاء مفاهيمية، ولم يفرق بين مفهومي التعذيب، والمعاملة المهينة، واعتبر أن كل الحالات التي تطرق لها تدخل في نطاق التعذيب. ثم إن تقرير الخارجية الأمريكية لم يكن موفقا في التزامه بالموضوعية التي يفترض أن تتسم بها مثل هذه التقارير، إذ يلاحظ أنه قد استند على مزاعم التعذيب نقلا عن أشخاص وهيآت غير محايدة في جنوب المغرب، لكنه تحاشى التطرق إلى الرواية الرسمية أو ردود الجهات المختصة، كالنيابة العامة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان وبعض الجمعيات الحقوقية بالصحراء المغربية، والتي تفاعلت مع جل الحالات المذكورة في التقرير، أضف إلى كل ذلك أن الأطراف التي استند إلى رواياتها التقرير هي بالضرورة طرف فاعل في النزاع، فمثلا الروايات المقتبسة عن تقارير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" مشكوك في صدقيتها بسبب سوابق أصحابها، أو من يسيرهم في الكذب والتضليل، بالإضافة إلى أن المنظمة المذكورة، معروفة بعدائها للمغرب وانحيازها لجبهة البوليساريو. وقع المغرب على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في 18 يناير 1986، وصادق عليها في 21 يونيو 1993، وينتظر منها ألا تترك الفجوات أمام مثل هذه التقارير وتقضي بشكل قطعي على هذه الممارسة، والتي وإن كانت محدودة العدد فهي تفسح المجال لمثل هذه التقارير لنقل صورة سوداء عن الواقع الحقوقي بالمغرب. عادل تشيكيطو (سياسي وفاعل حقوقي) لزرق : تقرير سياسي وليس حقوقيا تروج أمريكا خطاب حقوق الإنسان والديمقراطية بتقارير أحادية ما يطرح تساؤلا عن القيم والمصالح والمعايير التي ستوازن بها علاقاتها بالدول التي ترتبط معها بمصالح استراتيجية من جهة، ومن جهة أخرى إظهار رفضها انتهاكات حقوق الإنسان والحريات العامة، الأمر الذي يضع مصداقية التقارير على المحك. وعموما تعد تقارير الخارجية الأمريكية أداة سياسية وليست حقوقية، لأن مفهوم حقوق الإنسان والتقرير السنوي الذي تصدره الإدارة الأمريكية هو بمثابة مؤشر عن توجيه "لوبيات أمريكية"، لهذا فإن قراءة التقرير هي قراءة سياسية أكثر منه قراءة حقوقية، وبالتالي فإن التقرير يفقد عنصر استخدام حقوق الإنسان، وهدفه الضغط على الدول التي لا تشاطر الولايات المتحدة الأمريكية التوجه السياسي نفسه، كما أنه يفتقد المصداقية والموضوعية وغياب الدقة. وهذه التقارير تعتمد على بيانات وتقارير غير موثقة، توفرها جهات ومنظمات غير حكومية تحركها مواقف سياسية، لاحقوقية، وهي مدخل لتجاوز مبدأ أصيل في العلاقات الدولية، وهو مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية . رشيد لزرق (أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية)