الفن العالمي يفقد لتا منكيشكر إحدى أهم المطربات في التاريخ الفني التي غنت بـ 36 لغة بقلم: عبد الله العلوي(*) فقد الفن العالمي إحدى أهم المطربات في التاريخ الفني، خاصة بالهند، لتا منكيشكر، التي غنت في السينما الهندية من وراء الستار "بلاي باك" منذ 1942. وقد خلفت الراحلة لتا ثلاثين ألف أغنية، وهو رقم قياسي عالمي، وغنت ب 36 لغة، وإن كان أكثر أغانيها بالهندية والأوردو. كما فازت بأرقى الجوائز الهندية والعالمية منها "ضابط جوقة الشرف الفرنسية"، وهو أعلى وسام فرنسي، كما فازت بجائزة "بهارات راتنا"، وهو أعلى وسام هندي، كما رشحت لعضوية الغرفة العليا بالبرلمان الهندي. ولدت لتا في 1929، وكان والدها آدينانات أستاذ الموسيقى الكلاسيكية في 1934، كان يعلم يوما أحد التلاميذ الأوزان الموسيقية عندما لاحظت لتا، ابنة الخمس سنوات، أن الطفل/ التلميذ، كان على خطأ، فأصلحت له النغمة. كان والدها قد عاد للغرفة عندما لاحظ أن ابنته الكبرى ذات الخمس سنوات مشبعة بالموسيقى، في تلك الليلة أبلغ زوجته: "لدينا مطربة في المنزل ونحن لا نعرف". وبدأ يعلمها أصول الغناء، لكن فجأة وهي في عمر الثالثة عشرة، فقدت والدها. كانت كبرى بناته مع إخوتها آشا وأوشا ومينا، وولد واحد هو دينانات. وكان الكل يمتهن الغناء الذي لم يكن في تلك الفترة عملا مربحا أو مقبولا اجتماعيا، فاضطرت إلى العمل في تلك السن الصغيرة لإعالة الأسرة. كانت البداية في السينما، عندما شاركت في بعض الأفلام بتشجيع من منتج سينمائي، إلا أن وفاة هذا المنتج السريعة أدت إلى أزمة مالية للراحلة وأسرتها فاتجهت للغناء. شاركت في الغناء من وراء الستار في بعض الأفلام، وكان غلام حيدر، الموسيقار المتوفى عام 1953، هو الأستاذ الثاني لها بعد والدها، والذي علمها أصول الغناء وكيف تتنفس وهي تغني، وهي إحدى طرق ترتيل وتجويد القرآن الكريم، بحكم أن غلام حيدر كان مسلما. وقد هاجر إلى باكستان بعد 1947 بعد انفصالها عن الهند، وكان من آخر ألحانه موسيقى فيلم "باكيزة" أو"الطاهرة" للمخرج كمال أمروهي، وكان آخر فيلم للنجمة مينة كومار. كانت لتا غير مرتاحة للعمل في السينما ممثلة، لذلك كان نجاحها في الغناء من وراء الستار كبيرا. كانت السينما الهندية قد بدأت بعد ظهور أول فيلم سينمائي ناطق في 1931، اختارت ثنائية التمثيل والغناء، لكن سرعان ما تخلت عن هذا التقليد في 1937، حيث أسند الغناء لمطربين محترفين يتمتعون بأصوات طربية، فالممثل يكتفي بتحريك الشفاه ويرقص مع نغمات الموسيقى ويعتقد المتفرج أو يوهم نفسه أن الممثل هو المطرب أيضا. كان حظ لتا وإخوتها من الغناء وراء الستار هاما، فهي وشقيقتها آشا بهوسلي سيطرتا على الغناء خلال سبعين سنة الماضية، فحوالي 90 في المائة من الأفلام التي ظهرت من 1942 إلى غاية الألفية هي من غناء لتا وآشا، وأحيانا أوشا، شقيقتهما الثالثة. لكن لتا انفردت بأنها ليست مطربة فقط، بل علامة اجتماعية في تاريخ الهند. فقد شاركت في كثير من اجتماعات "جواهر لال نهرو 1889 - 1964" رئيس وزراء الهند 1947 - 1964، وزعيم حزب المؤتمر الهندي ورائد استقلال الهند، وغنت للجماهير المحتشدة أمام "جواهر لال" مؤيدة له و أغنيتها "أوميري وطن" (يا وطني) لا يوجد في الهند من لم يغنها، حتى أنها مع النشيد الوطني الذي كتبه ولحنه رابندرانات طاغور، الفائز بجائزة نوبل في 1913، تشكلان وعي الشعب الهندي وعاطفته الجياشة واحتماله وصبره على الأوضاع الاجتماعية وإشباعا معنويا يغني عما عداه. ورغم أن لتا هندوسية، فقد كانت تعتبر الفنان والممثل الراحل ديليب كومار (1922 - 2021)، وهو المسلم واسمه الحقيقي محمد يوسف خان، أخاها، وكانت سنويا تعقد الرابط الأخوي في معصمه في عيد الأخوة الهندي (الراخي)، كما أنها خلال 1944 - 1980 شكلت مع محمد رفيع، المطرب الراحل، ثنائيا غنى أجمل الأغاني الثنائية في تاريخ الموسيقى في الهند، بحوالي 550 أغنية معا، وكان شاعرها وكاتب أغانيها المفضل مجروح سلطان بوري، المتوفي في 2000، مسلما أيضا. ومع أن الهند خلال السنوات الأخيرة بدأت تعاني الطائفية مع نجاح حزب "جاناتا"، المعادي للمسلمين، بزعامة ناريندرا مودي في تولي الحكومة، فقد أكدت لتا في 2019 عندما احتفل بها هذا الأخير بمناسبة وطنية، الدور الوطني الذي لعبه ديليب كومار ومحمد رفيع، فهي كانت متجاوزة للطوائف والصراعات المرتبطة بها، باعتبارها كانت محبوبة الجماهير التي لقبتها "بلبل الهند". (*) (باحث)