تفاصيل خمسة أيام قضاها الطفل في العتمة وجهود الإنقاذ التي لم يكتب لها النجاح خابت الآمال وتكسرت الأحلام، أحلام رافقتها ابتهالات ودعوات لم تفتر طيلة مائة وعشرين ساعة قضاها الطفل الملاك ريان، الذي أبت روحه إلا أن تظل مرفرفة محلقة فوق الأجواء... ليست أجواء قرية "إغران" التي احتضنت مسقط رأسه ومهوى جسده في قعر البئر فقط، ولكن روح ريان رفرفت كذلك في أجواء العديد من البقاع حول العالم، بعد أن صارت أخبار سجنه داخل البئر تتصدر عناوين تغطيات مختلف القنوات، العربية والدولية. إنجاز: يوسف الجوهري وعبد المجيد بزيوات (موفدا الصباح إلى شفشاون) ما أن انطلقت سيارة الإسعاف معلنة عن انتهاء السجن الذي فرضته حفرة الثقب المائي على طفل في عمر الزهور، حتى ارتد خبرها نعيا مفجعا، وحدهم المتشائمون كانوا ينتظرون حدوثه. مات ريان الذي انعتق من الحفرة، لأن جسده الصغير لم يستطع المقاومة بعد طول حصار وسط بئر ضيقة القطر، عميقة القرار، بعمق 32 مترا. كان هذا الخبر المفجع كافيا لتنفض الجموع التي ظلت مرابضة لأيام على مقربة من البيت الجبلي الذي تقطنه أسرة ريان. ووحده هدير محركات المركبات التي أقلت الوافدين إلى دوار "إغران" كانت تكسر الصمت الذي خيم على الجميع، وحبس الكلمات بين الشفاه، فصار متعذرا خروجها إلى العلن، لتستمر الدعوات بالرحمة للفقيد والصبر لوالديه، عنوانا يتلو خيبة كان الجميع يشعر بها، دون أن يستطيع تقبلها. مات الطفل ريان، الذي اعتصرت أضلعه حفرة ضيقة، كان يفترض أنها سبب ووسيلة للحياة. حياة البشر والشجر والحيوان، بعد إحداثها لتكون مصدرا للماء، وما يعنيه من بعث للحياة، لكن شاءت الأقدار أن تكون حفرة الماء سببا في إنهاء حياة ريان الذي قاده شغبه الطفولي إلى الوقوع في غياهب الحفرة اللعينة. في حدود العاشرة، من ليلة أول أمس (السبت)، قطع بلاغ الديوان الملكي الشك باليقين، عندما أعلن أن جلالة الملك محمد السادس، أجرى اتصالا هاتفيا مع "خالد أورام"، و"وسيمة خرشيش"، والدي الفقيد، الذي وافته المنية، بعد سقوطه في بئر، ليعلم المغاربة ومعهم المتضامنون مع طفل إقليم شفشاون، أنه لم تبق من فرصة لبقية حياة لريان الذي شغلت أخباره العالم لمدة خمسة أيام. كان الاتصال الهاتفي نقطة الختم لقصة كان الجميع يمني النفس بأن تكتب نهايتها بتحقيق حلم النجاة، لكن ريان الذي صمد خمسة أيام في ظلمة قعر البئر، أسلم الروح إلى بارئها، بمجرد انتشاله من الحفرة العميقة. على مدى الأيام الخمسة التي استغرقتها المحنة، التي تركت أثرها في نفوس المغاربة وغيرهم كثير حول العالم، وظلت المجهودات الجبارة التي تم بذلها لإفلاته من الضيق، ظلت أخبار المحاولات التي سعت إلى إنقاذ ضحية الحفرة التي كان خطرها يحدق بالطفل ريان تستقطب اهتمام وسائل الإعلام الوطنية والعالمية، كما ضجت بها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حتى صار ريان عنوان تضامن إنساني عابر للحدود متجاوز للحسابات. وحسب ما استقته "الصباح" من معطيات من أقارب الأسرة، فقد أكدوا أمام الكثير ممن تجشموا عناء الانتقال إلى مقر سكنى ريان، أن والده لو علم أن البئر ستبتلع فلذة كبده، لكان ردمها قبل أن تزل قدما صغيره إلى داخلها ويستقر بقعرها. هل مات ريان قبل انتشاله؟ تضاربت الآراء واختلفت الروايات، فبين قائل "إن ريان لم يكن على قيد الحياة عندما تم انتشاله من البئر، وأن أنفاسه قد خمدت وهو داخل الحفرة"، قالت مصادر أخرى قريبة من خلية الإنقاذ في تصريح لـ "الصباح" إن "ريان كان مازال يتنفس عندما تم الوصول إليه وانتشاله من المكان الذي ظل عالقا به لمدة خمسة أيام، وقضى به أربع ليال، وأن وفاته كانت على متن سيارة الإسعاف". لكن السؤال الذي ظل يردده الكثيرون بعد الإعلان عن الوفاة هو: لماذا لم تتواصل عملية نقل صور ريان من داخل الحفرة؟ فباستثناء الصور التي تم تداولها خلال اليوم الثاني من اكتشاف سقوط الطفل داخل البئر، لم يتم نشر أي صور غيرها لريان داخل البئر تثبت أنه مازال حيا"، وأن ما تم الترويج له هو استمرار مده بالأوكسجين لمساعدته على الاستمرار في التنفس حينا، أو مده ببعض الغذاء حينا آخر، وحتى هذه المعطيات التي تم تداولها عبر أكثر من وسيلة إعلام عبر العالم لم تؤكدها أي مصادر رسمية من المنطقة. وبين خبر الوفاة داخل البئر أو خارجها، تظل نتيجة التشريح الطبي، لجثة الطفل ريان، وحدها الكفيلة بإثبات سبب الوفاة والساعة التي وقعت فيها. هل تأخرت عملية الحفر في الوصول إلى ريان؟ كان التساؤل الذي يطرح بحدة طيلة محاولات الإنقاذ، التي تم خلالها تسخير آليات ثقيلة تابعة لشركة متخصصة في الأشغال الكبرى من حد السوالم، من أجل الإسراع في العمليات، وبعد الإعلان عن انتهاء الحفر الآلي واللجوء إلى عملية الحفر اليدوي وتأكيد أن أمتارا قليلة تفصل المنقذين عن المكان الذي كان الطفل ريان محاصرا به، هو لماذا كل هذا التأخير...؟ وكانت الأمتار القليلة التي استغرقت ساعات طويلة من الحفر سببا في الاستفسار حول توالي تكرار التأكيد على أنه تم الاقتراب من الوصول إلى ريان، ورغم ذلك تأخر الحفر حيث إن أمتارا معدودة كانت تفصل المنقذين عن تخليص ريان من سجنه. هذه النقطة كانت تحتاج إلى توضيح حول ماذا وقع ولماذا وقع، وهل كانت الأجهزة المعتمدة في عملية الحفر كافية، وهل كان ممكنا اللجوء إلى آليات متطورة من أجل تسريع الحفر والوصول إلى الطفل ريان في أسرع وقت...؟ ولعل هذا ما فسره أحد الأساتذة الباحثين في علم الجيولوجيا في تصريح إعلامي عندما أكد أن المنطقة، التي توجد بها الحفرة التي سقط فيها ريان، تنتمي إلى سلسلة جبلية متنوعة الطبقات، وتبعا لتكوينها الجيولوجي المتحول، فإن طبقاتها تبقى معرضة للانهيار في كل وقت وعند كل عملية حفر". وأضاف المتحدث ذاته أن "الطريقة التي تم الحفر بها للوصول إلى المكان الذي كان يوجد به الطفل ريان، على عمق 32 مترا تحت سطح الأرض، كانت الطريقة المثالية التي تعتمد على تثبيت الأجراف أو المناطق العليا والسلالم. وهي العملية التي تمت اعتمادا على الجرافات، حيث كان يجري، حسب المتحدث ذاته، إنجاز طبقة تلو الأخرى، لتجنب الانهيار". ورغم ذلك "لم تسلم العملية من حدوث انهيارات وانجرافات للتربة، كانت تجعل عملية الحفر تتوقف بين الفينة والأخرى، حتى يتم التثبت والتأكد من شروط السلامة في أفق إعادة العملية من جديد". وفسر أستاذ الجيولوجيا سبب تأخر عملية الحفر اليدوي التي تمت الاستعانة خلالها بحفار تقليدي للآبار يدعى "علي الصحراوي"، واستغراقها لساعات بـ "طبيعة التركيبة الصخرية المكونة لطبقات جبال المنطقة، والمتكونة من الصلصال أو الطين، أو الصلصال والكلس" وتوالي هذه الطبقات بعضها فوق بعض. وهذه الصخور التي اصطدمت بها عملية الحفر اليدوي، يقول المصدر ذاته، "معروفة بصلابتها وتماسكها، حيث إن الصلصال والطين معروفان بتعرض الطبقات المكونة منهما للانجراف، فيما يعرف الكلس بصلابته، وهو ما جعل عملية الحفر تتأخر وتستغرق ساعات طويلة"، يؤكد أستاذ الجيولوجيا، مشيرا إلى أن المجهودات التي بذلت لإنقاذ الطفل ريان "كانت جبارة ومنطقية". ولأن المجهودات المبذولة لم يكتب لها أن تكلل بالنتيجة التي كان الجميع ينتظرها، وحدها الدعوات بالرحمة لريان، الذي جعل القلوب تكشف عما فيها من خير ونقاء ونبل، تظل النبرة السائدة عند ذكر المحنة التي لاقاها الصغير وسط ظلمة الجب.