القيادية في العدالة والتنمية كشفت نواقص الحزب وحدود العلاقة بينه وبين التوحيد والإصلاح قالت آمنة ماء العينين، القيادية في العدالة والتنمية، إن وضعية حزبها ما تزال صعبة، ومر من ظروف استثنائية، بسبب النتائج المخيبة للآمال في الانتخابات السابقة، إذ يتطلب الأمر وقتا لاسترجاع قوته. وأضافت ماء العينين في حوار مع " الصباح" أن أعضاء الحزب لم يتوصلوا إلى تفسير مقنع لنتائج الحزب في انتخابات 8 شتنبر الماضي. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: أحمد الأرقام << كيف هو وضع العدالة والتنمية بعد نتائج الانتخابات المخيبة للآمال؟ > وضع العدالة والتنمية ما يزال صعبا، ولا يتوقع منا بعد شهر من المؤتمر الاستثنائي، وثلاثة أشهر من الانتخابات الأخيرة أن نقول إن وضع الحزب صارا جيدا أو حتى عاديا. وحزبنا يمر من أصعب مراحله منذ التأسيس، ونحن جميعا واعون بذلك، كما أننا واعون بما سنحتاجه من وقت قد يكون طويلا لمعاودة البناء على أسس متجددة، فقد جرت مياه كثيرة تحت جسر الحزب وجسر السياسة ووضعنا اليوم ليس هو وضع بعيد انتخابات 2016 ولا حتى وضعنا قبل انتخابات الثامن من شتنبر. << ماهي قراءتك لنتائج الحزب في انتخابات 8 شتنبر؟ > ما حدث للحزب أمر كبير مازلنا نحاول قراءته قراءة جماعية ، بل مازلنا نحاول قراءته فرديا، ولا أستطيع الزعم أن قراءتنا للنتائج المعلنة قراءة موحدة بل هي قراءات مختلفة، ولا أجد حرجا في القول إنها في بعض الأحيان قراءات متناقضة، لكنني أؤكد في الوقت نفسه، أن أولويتنا اليوم داخل الحزب لا تكمن في مناقشة نتائج الانتخابات لأننا نعلم أن العوامل المتحكمة فيها عوامل متداخلة وأحيانا معقدة، بين ما هو داخلي يمكن احتواؤه وتفسيره وبين ما هو خارجي، ولا تتوفر دائما إمكانية تملك كل خيوطه المتشابكة بالنظر إلى طبيعة النسق السياسي والمؤسساتي والقانوني الذي نشتغل ضمنه. وأولويتنا اليوم تكمن في مناقشة وضع الحزب في المجتمع، ومدى استمرار احتضان الناس للحزب، وفكرته ومشروعه المجتمعي والسياسي. << هل تراجع الحزب أم عاقبه الناخبون لعدم تمكنه من تحقيق وعوده الانتخابية ؟ > ما الذي سيستفيده الحزب ومعه المغرب لو حصلنا على نتائج انتخابية جيدة دون إشعاع مجتمعي، واحتضان شعبي وتعبئة حقيقية حول الفكرة المؤسسة، وأهداف الفعل السياسي والنضالي، الجواب: لا شيء. وتوجد أحزاب حصلت اليوم على ما يعتبر" نتائج انتخابية ناجحة" بلغة الأرقام، إذ تضاعف عدد الأصوات التي حصلت عليها عدة مرات دائما وفق نتائج وزارة الداخلية، والتي هي نتائج غير منطقية لأحزاب لا توجد في الواقع، والجميع يعرف ذلك، لأنها بدون امتداد مجتمعي، أو فكرة أو هوية سياسية أو حتى مواصفات حزب بمناضلين ومؤسسات وأطروحة وأفكار. وهذه الأحزاب أين هي؟ أين أطرها؟ أين مؤسساتها؟ أين أفكارها؟ أين "زعماؤها" لننصت إليهم ولمشاريعهم الفكرية والسياسية المبهرة والأسطورية التي تمكنوا من خلالها من إقناع الملايين، نعم الملايين من المغاربة. كل هذا لا يقنع أحدا ولن يشكل حلا. هل انتخاب قيادة جديدة من قبل الأمين العام الحالي في مؤتمر استثنائي باقتراح أسماء والمصادقة عليها في المجلس الوطني سيعيد للحزب بريقه؟ نحن مؤمنون داخل الحزب بضرورة توفير الظروف لولادة جديدة بأفق سياسي متجدد وأطروحة مستبصرة قادرة على استيعاب معطيات المرحلة سياسيا وفكريا. والفعل السياسي صار معقدا أكثر من أي وقت مضى، وأي حزب سياسي ناضج مثل حزبنا لابد أن يستحضر كل الأبعاد المؤثرة في العملية السياسية في بلدنا، ونحن واعون بثقل العوامل الخارجية الدولية منها والجهوية الإقليمية، صحيح أن المعطيات شحيحة في نسق لا يوفر المعلومة، لكن التراكم السياسي المتوفر لحزبنا يمكنه من إجراء تحليل موضوعي لكل هذه الأبعاد وتأثيرها على المغرب، في وقت صارت فيه السياسات الداخلية والخارجية لكل الدول بما فيها الدول القوية تتأثر بالمعطيات الخارجية واكراهاتها السياسية والاقتصادية. أما إذا أضفنا قضية الوحدة الترابية وتهديدات الجوار كما هو الشأن بالنسبة لبلدنا فالأمر يصير أكثر تعقيدا. << هل بعقدكم المؤتمر الاستثنائي بسرعة تجاوزتم نكسة الانتخابات؟ > أصدقك القول أن نقاشاتنا داخل الحزب صارت تتجاوز كثيرا وضع الحزب ونتائجه الانتخابية كما تمت هندستها. نحن مسكونون بسؤال الوطن والتحديات التي تواجهه، فلو كان الوطن بخير وبدون مشاكل وتحديات وبدون مخاطر، كنا سنكون مرتاحين أكثر ولو كانت النتائج الانتخابية صادمة، وكنا سنقول أن أولويتنا داخلية تنظيمية وحزبية، لكننا نشعر أن بلدنا يحتاج إلى كل أبنائه وكل الإرادات الطيبة لضمان استقراره ووحدته وازدهاره في محيط دولي وجهوي ملتهب ومتحرك وغير مستقر، مع كل الذين يريدون بالمغرب شرا من خارجه وأيضا من داخله . وعقلاء هذا البلد يعرفون أن العدالة والتنمية هو من الإرادات الطيبة، وأطره ومسؤولوه ومناضلوه من الشرفاء الصادقين الذين أثبتوا بما لا يدع مجالا للشك مصداقيتهم ونزاهتهم ووطنيتهم الحقة، لكننا لا نتبنى ما قد يبدو خطابا للاستجداء، نحن وطنيون حقيقيون وكفى. لم نصف الحساب مع وزراء الحزب السابقين << لماذا تم إبعاد كل الوزراء السابقين من قيادة الحزب؟ هل الأمر يتعلق بتصفية حسابات؟ > ليس هناك أي تصفية للحسابات، لأن الحزب يباشر مرحلة جديدة تحتاج إلى وقت كاف، والوضع كما قلت صعب، ونحن لا نعيش أزمة إنكار الواقع، بل نواجهه ونفعل فيه، ومن حقنا اختيار إيقاعنا ومنهجية اشتغالنا وليس لدينا حساب نؤديه لأحد، لأننا لا نشارك في الحكومة، ولا نسير جماعات ترابية، ولسنا موجودين بالغرفة الثانية ولدينا مجموعة في الغرفة الأولى ومع ذلك ما يزال الناس يسائلوننا ويتتبعون أخبار حزبنا وهذا أمر إيجابي ودال. والحقيقة هي أن العدالة والتنمية حزب حقيقي مهما كانت نتائجه الانتخابية، والحقيقة أن فراغ الساحة الحزبية والسياسية لا يمكن أن تملأه أحزاب لا توجد إلا في نتائج انتخابية غريبة، لذلك يشتغل حزبنا بكل أبنائه وبناته بدون إقصاء، لأن الذين ظلوا متشبثين بالحزب في وضعيته اليوم هم أبناء بررة للحزب، وهم مناضلون حقيقيون يستحقون الاحترام مهما كان اختلاف وجهات النظر داخل الحزب. ونحن قيادة سياسية تعلي من شأن حرية التعبير وهو ما أكده الأخ الأمين العام أكثر من مرة. نحن فخورون باختلافنا وتعدديتنا ما دام مؤطرين داخل الحزب بنية الارتقاء بالحزب وخدمة الوطن وقضاياه. الحكومة أغرقت بالتقنوقراط << إذا لم يكن خطابكم للاستجداء فماهو هدفكم؟ > هدفنا ليس الفوز دائما في الانتخابات كما لا تعتبر المواقع والمناصب هدفا لنا، نحن نريد أن يكون بلدنا بخير.أما من قرروا أن يكون الحزب في الرتبة التي هو فيها اليوم، دعني أقول إنهم للأسف لم يحضروا بديلا "يحمر الوجه" والبديل أمامنا اليوم باهت، إذ تمت الاستعانة بالوجوه القديمة في الجماعات الترابية، والنتائج نرقبها اليوم وستتضح أكثر لمن يحتاج إلى إيضاح. أما الحكومة فقد تم إغراقها بالتقنوقراط و"المصبوغين». والبرلمان وضعه صار مؤسفا، في الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمة الاجتماعية ويستفحل الغلاء ويستحكم الفساد، أما الوضعية الحقوقية فليست على ما يرام. هذه هي التحديات الحقيقية. بنكيران ليس ساحرا << هل حزبكم عقيم كي يتناوب على منصب الأمين العام شخصان إما سعد الدين العثماني أوعبد الإله بنكيران؟ < اختيار المؤتمرين بأغلبية واسعة للأخ الأمين العام عبد الإله بنكيران هو تصويت دال، ومؤتمرو الحزب على قدر عال من التسييس وحسهم السياسي عال، لذلك فاختيارهم هو إشارة، ولو كانوا مؤمنين بأنه يوجد في هذه اللحظة أفضل من الأمين العام الحالي لكانوا اختاروه. وعبد الإله بنكيران زعيم سياسي، ورجل سياسة مجرب بخبرة عالية وبخصوصية، ويملك شرعية التجميع داخل الحزب في الوقت الذي عرف فيه الحزب اختلافا حادا في وجهات النظر في المرحلة السابقة، لكن مهمة بنكيران اليوم صعبة، ولا يمكن أن ننتظر منه حمل عصا سحرية لأنه ليس ساحرا، هو رجل سياسة ورجل دولة بالمعنى النضالي النبيل للكلمة، تحيط به إكراهات كبيرة وقد تسلم حزبا في وضعية حرجة، لأنه كان في مقدمة الترتيب فإذا به في آخر الترتيب بين عشية وضحاها، حزب بوضعية مالية صعبة مازال يعيش آثار الصدمة. ونحن لا نهرب من هذا الواقع ولا تخيفنا مواجهته، لأننا لسنا حزبا طارئا على الحياة السياسية. لكننا نتأسف لهذا المنطق الذي حكم انتخابات 8 شتنبر وسنواجهه لأننا نعتبره خطرا على البلد ولن يفيد في شيء. لا نستعجل الأمور، وقد قالوا" اللي زربو ماتوا، ولا زربة على صلاح». مناقشة علاقة الحزب بالإصلاح والتوحيد << لماذا لم يحسم الحزب في علاقته بحركة التوحيد والإصلاح؟ > علاقة الحزب بحركة التوحيد والإصلاح تحتاج إلى نقاش، ويحكمها التمايز الذي لا ينفي التعاون. أقول لك إن حركة التوحيد والإصلاح هي تنظيم محترم، والجميع يشهد له بالحكمة والرزانة والوطنية، وأنا من المؤمنين أن علاقة الحركة بالحزب تحتاج إلى نقاش، وأحيي الحركة التي باشرت هذا النقاش بجدية وجرأة في مؤتمرها الأخير، لكن الحزب للأسف لم يفتح هذا النقاش بل ظل متخوفا منه. وأنا هنا أعبر عن وجهة نظري الخاصة لأن سؤال العلاقة طفا على السطح بقوة بعد الانتخابات الأخيرة ومدى انخراط الحركة فيها. << وماهو رأيك؟ > رأيي أن الحركة حاملة لمشروع يتجاوز العدالة والتنمية ويمكن أن تتعاون بخصوصه مع الحزب ومع أي حزب أو تنظيم يمكن أن تجد نفسها تتحالف معه موضوعيا في قضايا أو ملفات بعينها، أي أن الحركة غير ملزمة بتقديم الدعم للحزب في كل اختياراته، لأنه حزب سياسي يمارس في واقع صعب ومحكوم بإكراهات لا تحكم عمل جمعية مدنية. وباختصار الحزب يمارس السياسة، والحركة تمارس فعلا مدنيا جوهره مخاطبة الفكر، والقيم، وتربية النفوس، وهما مجالان مختلفان، فالسياسة تحتكم إلى القيم والمرجعية الفكرية لكن اكراهاتها التدبيرية لها خصوصية، خاصة حينما يكون الحزب مشاركا في الحكم في بلد له خصوصيته الدستورية والمؤسساتية بنظام ملكي على رأسه أمير المؤمنين، لذلك أنا مؤمنة أن الحقل الديني هو من اختصاص الملك دستوريا، والحركة كمثل التنظيمات والجمعيات التي تشبهها مطالبة بمساعدته على ترسيخ القيم الدينية لإصلاح الدولة والمجتمع، مع تحميل كل مؤسسة مسؤوليتها، إذ يوجد لدينا في المغرب علماء، ومجلس علمي أعلى واختصاص الفتوى، أما الأحزاب السياسية فمطالبة باستثمار قيم الدين في السياسة، وليس تمثيل الدين في السياسة في بلد مسلم يحكمه أمير المؤمنين. "بيجيدي" مطالب بتجديد خطابه الديني الأحزاب السياسية تنظيمات مدنية مؤطرة بالدستور، مطالبة باستحضار مرجعيتها الدينية في تدبيرها للشأن العام، فحينما يقول مسؤول إنه لا يسرق المال العام لأنه يخاف الله، فيجب اعتبار ذلك معطى إيجابيا لحضور البعد الديني في ممارسة السياسة والمسؤوليات. ويجب على مؤسسات التنشئة الاجتماعية من تعليم وإعلام وجمعيات أن تستثمر إيجابيا حضور العامل الديني في حياة المغاربة وهو عامل أساسي ومؤثر، ويجب التوقف عن التوجس منه وإذكاء الحرب ضده، فالمغاربة مسلمون ويمارسون تدينهم بخصوصية المغاربة وفقهائهم تاريخيا. لقد نشأت في سوس وأعرف ما أقول، لذلك أعتبر أن الحزب مطالب بتجديد خطابه في هذا المستوى، ومراعاة كل التحولات التي يعيشها المجتمع والجيل الشاب، لإنتاج خطاب جذاب ومقنع لجيل يعيش يومه وليله في ارتباط بعالم افتراضي عبر شاشات الهواتف والحواسيب. لقد صارت تنشئة المجتمعات معقدة وأخطر ما يحدث لمغرب اليوم هو غياب هذا النقاش، شبابنا صاروا تقريبا بدون هوية وصاروا يعيشون تشظيا حقيقيا، ومثقفونا غائبون وانتاجنا الفكري ضئيل وجامعاتنا تعيش هشاشة فكرية وعلمية، فمن سيناقش أي مشروع مجتمعي يريده المغرب في القرن الواحد والعشرين، وما مواصفات الإنسان المغربي الذي نريده فكريا ودينيا ولغويا وحضاريا وثقافيا، مع كل هذا الانفتاح وتدفق المعلومة وتدفق السهولة والسطحية وحتى التفاهة؟ وهل تتصور أن حزب العدالة والتنمية أو حركة التوحيد والإصلاح قادران على الإجابة عن هذه الأسئلة؟ طبعا لا يمكن، هذا ورش حقيقي للدولة التي تعيش مؤسساتها فراغا فكريا خطيرا. في سطور - عضو الأمانة العامة للعدالة والتنمية 2021 - عضو مكتب المجلس الوطني للحزب منذ 2017 - برلمانية سابقة لولايتين 2011-2021 - نائبة رئيس جهة 2015-2021 - منتخبة بجماعة تيزنيت 2029-2015 - عضو سابق في المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي 2014-2019 - عضو المكتب الوطني للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب منذ 2014 - مؤسسة ورئيسة سابقة لجمعية إنصاف - باحثة في سلك الدكتوراه - أستاذة الفلسفة سابقا - متزوجة وأم لطفلين 16 سنة و11 سنة