القليل منها لا يضر والكثير منها لا ينفع والسواد الأعظم من الناخبين لا يعرفون عنها حرفا آخر ما يسأل عنه الناخب هو برنامج الحزب الذي سيصوت عليه، بل أكاد أجزم أن أكثر من 45 في المائة من المغاربة الذين يذهبون إلى مكاتب الاقتراع لا يعرفون أصلا اختراعا اسمه "البرامج الحزبية". هم يذهبون فقط لأن شخصا "عزيزا" أقنعهم بذلك. أو يذهبون لأنهم تسلموا "وعدا ملموسا" مقابل ذلك. أو يذهبون لأن "لحية" زينت لهم دروب الآخرة، وأنستهم في حفر شوارع الأولى ومطباتها. أو يذهبون لأن "معندهم ميدار داك النهار". فلا أحد سيقنعني أن ناخبا وضع أمامه 32 برنامجا حزبيا، و"ينزل" عليها قراءة وتمحيصا ومقارنة واستدلالا لعدة أيام، ثم يكون فكرة جيدة، ويتجه إلى مكتب اقتراع للتصويت على الحزب الذي يتوفر على البرنامج الأكثر واقعية، ويلبي حقه في التنمية والشغل والصحة والتعليم والتأمين والحماية. هذا هراء، تعرفه الأحزاب قبل المواطنين، بل إن قيادات في الأحزاب لا تقرأ برامجها أصلا، وتعتبرها مضيعة للجهد والأوراق والطبع والمال، لأن الانتخابات تحسم في هذا البلد العزيز خارج هذه المطبوعات الملونة الجميلة، وخارج هذه البرامج التي تنتهي عند بائعي الزريعة والحمص، أو بقاعات الانتظار بعيادات أطباء الأسنان. وليس تجنيا القول إن "البرامج الحزبية" في المغرب لا تختلف كثيرا عن حليب الأتان (أنثى الحمار)، القليل منه لا يضر والكثير منه لا يضر أيضا، ورغم ذلك، يصر بعض "الزعماء"، كل خمس سنوات، على "تعذيب" أطر في الاقتصاد وعلم الاجتماع وأساتذة جامعيين ومختصين في التواصل ومحامين، الذين ينظمون كما هائلا من الندوات ويفتحون نقاشات واسعة ويهدرون جهدا ذهنيا خرافيا لتجميع الأفكار وتحرير مقترحات وحلول، لا يقرأها أحد في نهاية المطاف. الأحزاب تحرر برامج تشبهها، وتتشابه في التشخيص والمنهجية والشكل والطرح مع "اختلاف" طفيف في بعض الأرقام والإحصائيات والحلول. وتمارس أحزابنا الموقرة هذه اللعبة السمجة مرة كل خمس سنوات، وهي تعلم أن لا أحد يهتم، أو لم يعد يهتم، بعد الانقلاب الخطير في سلوك السواد الأعظم من الناخبين الذين "دربتهم" الأحزاب نفسها (على مدى عقود) على عادة "شد مد أحمد الحال برد". وحتى بالنسبة إلى بعض الأحزاب التي بذلت هذه السنة مجهودا ملاحظا في إعداد برامج مرقمة تجيب عن أسئلة وانتظارات واقعية وآنية للمواطنين، ستتخلى عن ذلك حين تدق طبول الحملة الانتخابية، حيث تتغير اللغات والمعاجم والمفردات والتفاهمات، وتخمد جميع "الأصوات" ويعلو صوت "المصلحة". والأخطر أن هناك اتفاقا غير مكتوب بين الأحزاب والمواطنين، بأن البرنامج الذي سيطبق ما بعد الانتخابات تصنعه التوجهات الإستراتيجية الكبرى للبلد، وتفرضه المعطيات المالية والاقتصادية الحقيقية وتتحكم فيه نسب التضخم والعجز وأسعار المواد الأولية في العالم. لهذا السبب، لا يهتم أحد لما سيعد به حزب، بل لما "سيقدمه" مترشحه قبيل وضع الورقة في الصندوق، تنفيذا للشعار الخالد "البرقوق قبل الصندوق". يوسف الساكت