العدالة والتنمية ينهزم دستوريا قبل هزيمة صناديق الاقتراع لم يشأ سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، والأمين العام للعدالة والتنمية، أن يطوي صفحة "القاسم الانتخابي"، عريس الانتخابات المقبلة، إذ في كل خرجاته، يتحدث عنه بالكثير من السخرية، وهو "يقلي السم" لباقي الأحزاب التي صوتت فرقها النيابية عليه في البرلمان. وبرأي العثماني ومن معه، ف"القاسم الانتخابي"، غير دستوري، وجاء ليطيح ب"المصباح"، أو التقليص من حضوره انتخابيا، قبل أن يتلقى جوابا دستوريا، جاء من داخل أسوار المحكمة الدستورية، التي أيدت الإجماع الحزبي حول طريقة توزيع المقاعد في الانتخابات البرلمانية المُقبلة. ورغم صدور الحكم نفسه، بواسطة محكمة تعج بفقهاء دستوريين، وإقرارها أن "الاقتراع الحر والنزيه والمنتظم، هو أساس اختيار الأمة لممثليها في المؤسسات المنتخبة"، وأن "الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة، هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، وكلها أحكام لا يحد من إعمالها، ولا من مدى ممارستها، تغيير طريقة احتساب القاسم الانتخابي"، فإن أصواتا مبحوحة من داخل "المصباح"، مازالت ترتفع، طاعنة فيه، معتبرة الأمر مجرد وسيلة من الوسائل لوقف زحف ضوء "المصباح" في الاستحقاقات المقبلة. وحسب القرار نفسه، فإن المحكمة الدستورية اعتبرت أن اعتماد القاسم، يتم على أساس المسجلين، كما أجمعت على ذلك الأحزاب، ما عدا العدالة والتنمية، ولا مخالفة فيه للدستور. وبرأي خبراء في الدستور، فإن المحكمة الدستورية لا يندرج ضمن صلاحياتها التعقيب على السلطة التقديرية للمشرع، في شأن اختيار نوعية التدابير التشريعية التي يرتضيها، أو المفاضلة بين اختيارات تشريعية ممكنة، أو اقتراح بديل تشريعي من شأنه أن يحقق الغايات الدستورية نفسها، ما دام ذلك لا يمس بأحكام الدستور. وجعل الدستور موضوع النظام الانتخابي لأعضاء مجلس النواب، ضمن مجال التشريع، إذ أدرجه ضمن المشمولات التي ينفرد القانون التنظيمي بتحديدها، ويؤول أمر سن الأحكام المتعلقة بها حصريا إلى المشرع، وفق سلطته التقديرية، التي لا يمكن للمحكمة الدستورية التعقيب عليها طالما لم تخالف أحكام الدستور. وشكل التعليل القاضي بدستورية القاسم الانتخابي على أساس المسجلين لا الأصوات المعبر عنها، بأن حرية الانتخابات ونزاهتها لا تتأثر بطريقة احتساب القاسم الانتخابي، ضربة موجعة لإخوان العثماني الذين كانوا يراهنون على سقوطه دستوريا، وهزم الفرق النيابية التي دافعت عنه. وحسب خبير دستوري ينتمي إلى المحكمة نفسها، فإن التصويت باعتباره حقا شخصيا للمواطنين "لا تتأتى ممارسته، ابتداء، إلا بالتسجيل في اللوائح الانتخابية"، وأن اعتبار التصويت واجبا وطنيا، بمقتضى الأحكام المشار إليها، "يكرسه احتساب القاسم الانتخابي على أساس المقيدين في اللوائح الانتخابية، استحضارا لما تضمنه تصدير الدستور من تلازم بين حقوق وواجبات المواطنة". ومن شأن القاسم الانتخابي المرفوض من العدالة والتنمية، تحقيق تمثيلية موسعة للناخبين داخل الدوائر المحلية، وفتح المجال أمام كافة القوى السياسية للمشاركة في القرار من خلال المؤسسة التشريعية، وبالتالي فإنه ينسجم ويخدم المبادئ والغايات الدستورية التي تم بسطها. وجاءت الخطوة نفسها، في وقت أراد فيه "المصباح"، فرض موقف منفرد على باقي الأحزاب التي أجمعت على ضرورة اعتماد القاسم الانتخابي بناء على عدد المسجلين، في حين اختار هذا الحزب لوحده الدفاع بشراسة عن القاسم الانتخابي على أساس الأصوات المُعبر عنها. وقال محلل سياسي، في اتصال مع "الصباح"، إن الأصل في الديمقراطية هو اعتماد الأغلبية والإجماع، كما أنها في الوقت نفسه، ضمان للتوازن والتمثيل السياسي على أساس الاختلاف، موضحا أن العدالة والتنمية، وقف معارضا شرسا لهاتين النقطتين، إذ أراد فرض رأيه على باقي الأحزاب الأخرى، ورفض هذا القاسم الذي سيمكن من ولوج أحزاب صغرى إلى المؤسسات المنتخبة. جاء ذلك، وفق المصدر نفسه، من منطق محاولة الهيمنة السياسية على المؤسسات التشريعية، وفرض الرأي الواحد، وهذا في حد ذاته مخالف للأعراف الديمقراطية التي تتأسس على التنوع والاختلاف. عبد الله الكوزي