fbpx
مقالات الرأي

أبونصر: واقع حال المحاكمة العادلة في ظل جائحة كورونا

يعيش العالم بأسره في الوقت الراهن أزمة خانقة جراء تفشي مهول ومباغت لفيروس كورونا المستجد -كوفيد 19 -[1].

ويعتبر فيروس كورونا من الأوبئة الخطيرة التي تهدد حياة الانسان، على اعتبار أن العديد من أصابهم هذا المرض لقو مصرعهم .
ونظرا لخطورة هذا المرض وتفشيه السريع بين المواطنين، جعل الدول باعتبارها الساهرة على حماية حياة الأفراد وحقوقهم داخل المجتمع الى اتخاد تدابير واجراءات استباقية تهدف من ورائها الى الحيلولة دون تفاقم هذا الفيروس من جهة، ومن اخرى حماية الامن الصحي للأفراد.

وقد عملت المملكة المغربية – شأنها في ذلك شأن باقي دول العالم- على اتخاذ تدابير احترازية الغاية منها بالدرجة الاولى حماية حياة المواطنين وضمان سلامتهم.
ولتحقيق ذلك أصدرت الحكومة المغربية بتاريخ 23 مارس 2020 مرسوم قانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن حالة الطوارئ الصحية واجراءات الاعلان عنها، وفي اليوم الموالي اي 24 مارس من نفس السنة أصدرت مرسوم قانون رقم 2.20.292 يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا – كوفيد 19-.

وفي مقابل ذلك وأمام هذا الوضع المفاجئ، فإن الحكومة المغربية وجدت نفسها أمام مجموعة من التحديات، لعل من أهمها ضمان وحماية الأمن القضائي للأشخاص ذاتيين كانوا أو اعتباريين، وذلك بتمتيع المتقاضين بالضمانات القانونية سواء منها الاجرائية أو الموضوعية قصد تحقيق محاكمة عادلة وأن يتم اصدار أحكام قضائية داخل أجل معقول ووفق للقناعة .
وتحقيقا لذلك عملت وزارة العدل باعتبارها الجهة الوصية على المؤسسة القضائية وبتنسيق مع المجلس الاعلى لسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والمندوبية العامة لإدارة السجون واعادة الادماج، على تفعيل التقاضي عن بعد بشكل رسمي في مختلف محاكم المملكة.

ويعتبر التقاضي عن بعد أو رقمنة المحاكم من مخرجات ميثاق الاصلاح الشامل لمنظومة العدالة الذي يهدف مما يهدف اليه ضمان حقوق المتقاضين واستصدار مقررات قضائية داخل أجل معقول هذا من جهة، ومن أخرى تعزيز الأمن الصحي للسجناء والجسم القضائي في هذه الظرفية الصعبة، وكذا ضمان استمرارية مرفق العدالة الذي يعتبر الملجئ الوحيد لضمان الحقوق والحريات .

وترتيبا على ما سبق نجد أنفسنا أمام اشكال محوري يتمثل في ما مدى توفق ألية المحاكمة عن بعد في ضمان محاكمة عادلة في ظل جائحة كورونا ؟
لمعالجة ذلك سوف نقسم موضوعنا هذا الى محورين :
المحور الأول نتكلم فيه عن ضمانات المحاكمة العادلة في زمن كورونا، فيما نخصص المحور الثاني لتناول القصور التي تعتري ضمانات المحاكمة العادلة في ظل جائحة كورونا .

المحور الأول : ضمانات المحاكمة العادلة في زمن كورونا

كما هو معلوم أن المحاكمة العادلة هي تلك المحاكمة التي تم احترام فيها جميع الضمانات القانونية سواء أكانت موضوعية أو اجرائية، منذ القاء القبض على المشتبه فيه الى غاية ايداعه في المؤسسة السجنية، بل هناك من يرى على أن المحاكمة العادلة لا تقف عند هذا الحد وانما تمتد الى ما وراء إيداع المجرم في المؤسسة السجنية أي أن ضمانات المحاكمة العادلة ينبغي أن تلازم مقترف الفعل المجرم رغم ايداعه في السجن.

ونظرا لكون الميدان الجنائي متاعا خصبا الذي ينبغي أن تترجم فيه ضمانات المحاكمة العادلة بشكل ملموس، على اعتبار ان هذا المجال له علاقة ومساس بحرية الفرد وحياته، فإن المشرع المغربي من خلال المراسيم التي قام بسنها في إطار حالة الطوارئ الصحية، قد أقر استثناءات بالغة الأهمية تطال فقط المادة الجنائية دون سواها، وهي التي ورد التنصيص عليها ضمن مقتضيات المادة السادسة من المرسوم رقم 2.20.292 الذي يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية واجراءات الاعلان عنها حيث جاء فيها ما يلي :
”يوقف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها ويستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع الطوارئ.
تستثنى من الاحكام الفقرة أعلاه أجال الطعن بالاستئناف الخاص بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال، وكذا مدد الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي . ”
وهكذا تتضح لنا نية المشرع وفلسفته في ضمان وتكريس ضمانات المحاكمة العادلة لا سيما خلال مرحلة الوضع تحت الحراسة النظرية ومرحلة التحقيق الاعدادي هذا من جهة.

من جهة أخرى، وبهدف ضمان للمتهم الحق في محاكمة عادلة واستصدار أحكام داخل أجل معقول، ثم الاعتماد بما يعرف بالمحاكمة عن بعد، ويتم ذلك عن طريق حاسوبين معدين لهذا الغرض ومرتبطين بشبكة الانترنيت، فتكون هناك قاعة جاهزة في المؤسسة السجنية يدخل اليها المتهم كقاعة افتراضية، وفي المقابل هناك هيئة الحكم في مقر المحكمة مشكلة تشكيلا صحيحا وبحضور كل من النيابة العامة والمحامون وذلك وفق جلسة علنية، حيث تقوم هيئة الحكم بالتعرف على الهوية الكاملة للمتهم من اسم شخصي وعائلي والحالة العائلية واسم الاب واسم الام، ثم تشعره بالاتهام الموجه اليه من طرف النيابة العامة من أجل جريمة معينة طبقا لفصول المتابعة، وتستمر المناقشة وفق اجراءات العادية المعمول بها.
غير أنه رغم ذلك فإن هناك مجموعة من القصور والاكراهات التي تؤثر وبشكل سلبي على ضمانات المحاكمة العادلة فماهي يا ترى ؟

المحور الثاني : القصور التي تعتري المحاكمة العادلة في زمن كورونا

لا شك أن التقاضي عن بعد الذي أفرضته جائحة كورونا حمل معه مجموعة من القصور التي تحول دون تحقيق محاكمة عادلة تستجيب للضمانات القانونية، والتي يجب أن يتم معالجتها في أقرب وقت نظرا لمساسها بحريات وحقوق الأفراد .
وفي ما يلي سوف نتطرق لمجموعة من القصور، آملين أن يتم معالجتها في أقرب وقت بغية ضمان الحق في محاكمة عادلة الذي يعتبر حق كوني بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
ــ أمام غياب إطار قانوني ينظم ويشرعن المحاكمة عن بعد، يطرح معه الاشكال بخصوص ما مدى شرعية وقانونية تلكم الاجراءات المتخذة في حق المتهمين، علما أن قانون المسطرة الجنائية يقوم على مبدأ شرعية الاجراءات الجنائية ،وكل مخالفة لهذا المبدأ يترتب عنه بطلان الاجراء.

ــ ان قانون المسطرة الجنائية يستوجب مثول المتهم أمام قاضي التحقيق قصد الاستماع إليه واستنطاقه، مما يعني ان حضور المتهم امام مؤسسة قضاء التحقيق أمر ضروري، وهذا ما يتناقض والمحاكمة عن بعد حيث ان الوجود المادي للمتهم أمام قاضي التحقيق يكون غير محقق ومن ثم عدم تحقق مثوله، وهذا فيه مساس بالضمانات المحاكمة العادلة على اعتبار ان مثول المتهم امام قاضي التحقيق وتوجيه التهمة اليه وفق فصول المتابعة، ورفع غطاء السرية امامه والبحث في شخصيته تغيب نوع ما اذا ما تمة عن بعد .
ــ كما أنه من جهة أخرى، فحضور المتهم عن بعد أو بشكل رقمي من شأنه أن ينعكس بشكل سلبي على نفسية القاضي الذي سيحكم انطلاقا من اقتناعه الصميم، وهذا فيه ضرب لأحد أعمدة المنظومة الجنائية ألا وهو تحقيق الردع والزجر بالشكل الذي يتلائم مع خطورة الجاني والجريمة على حد سواء.

ــ أيضا المحاكمة عن بعد تمس بضمانة هامة من ضمانات المحاكمة العادلة وهي تلك التي تتعلق بتخابر المتهم مع دفاعه ففي مرات عديدة يرغب المتهم أثناء جلسة المحاكمة بأن يتخابر مع مؤازره بخصوص أمر معين، فيجد نفسه غير قادر نظرا لابتعاده عن جلسة الحكم وهذا فيه مساس جلي بأحد المبادئ الاساسية والكونية للمحاكمة العادلة ألا وهي مبدأ الحق في الدفاع .
ــ وأخيرا وليس أخيرا فمن القصور التي تطال ضمانات المحاكمة العادلة تلك التي تتعلق بالاستماع الى الشهود، فكما نعلم أن الشهود هم نبراس العدالة وعلى هديهم تسير العدالة، فحضور الشهود أمام القضاء بصفة شخصية ومادية ليس هو حضورهم عن بعد، على اعتبار ان حضور الشاهد أمام القاضي الجنائي بشكل مادي يجعله يستشف ما اذا كانت شهادته صادقة أم كاذبة، وهذه المكنة تغيب لو تم الاستماع الى الشاهد بشكل افتراضي ، لأن الشاهد يكون بعيدا ماديا عن جلسة القضاء، ونحن نعلم لما لهذه الجلسة من هيبة وتأثير كبير ليس فقط على نفسية الشاهد وانما على كل من يقف ماثلا أمام هيئة الحكم ، وهذا ما يجعل الباب مفتوح أمام الشهود ذي النية السيئة بأن يصرحوا بشهادات كاذبة لا أساس لها من الصحة ستنعكس سلبا على قناعة القاضي ومن ثم على المقرر القضائي .

من اعداد: الأستاذ أيوب أبونصر
________________________________________

[1] عرفت منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا -كوفيد 19 -على أنه : سلالة واسعة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان. ومن المعروف أن عدداً من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر أمراض تنفسية تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد وخامة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس). ويسبب فيروس كورونا المُكتشف مؤخراً مرض كوفيد-19.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى