استحضار البعد الأمني في التقطيع ضروري

كعيوة قال إن إعادة النظر في التقطيع تكريس التوجه نحو الجهوية الموسعة أكد أستاذ الجغرافية وإعداد التراب بجامعة الحسن الثاني عين الشق بالدار البيضاء، عبد القادر كعيوة، في حوار مع"الصباح" على أن الحركات الاحتجاجية تشكل مؤشرا صادقا عن التحولات الواقعة في البنية الديمغرافية للتجمعات السكانية التي تقع فيها، لا يمكن إسقاط البعد الأمني من معادلة التدبير المجالي خاصة في جانبه الإيجابي. في ما يلي نص الحوار . كيف تفسرون تقليد ارتباط عملية إعادة النظر في التقطيع الترابي للمغرب بالاحتجاجات؟ بداية يجب أن أوضح أن ما يفرض إعادة النظر في التقطيع الإداري الحالي هو تكريس التوجه نحو إقرار الجهوية الموسعة في إطار البحث عن التكامل بين جميع الوحدات الترابية للمغرب، خاصة أن الواقع الحالي لعدد من التجمعات السكانية الكبرى، و هنا أخص بالذكر المدن التي أمضت سنوات في العمل بنظام وحد المدينة، على اعتبار أن الواقع أثبت وجود عدد كبير من الاختلالات على المستوى التطبيقي ما فرض عملية إعادة النظر، هذا بالإضافة إلى أن تسيير المجال في جميع بقاع العالم يتطلب مراجعات دورية للتقطيع الترابي للدول تبعا لما يفتعل داخل المجتمع من تغييرات تطال بنيته الديموغرافية.لكن البنية الديمغرافية يمكن أن تتغير دون أن تكون هناك أحداث اجتماعية، ألا تعتبرون الهاجس الأمني كان دائما وراء كل تغيير في الخارطة الإدارية للمدن المغربية الكبرى؟ هذا أمر طبيعي، على اعتبار أن الحركات الاحتجاجية تشكل مؤشرا صادقا عن التحولات الواقعة في البنية الديمغرافية للتجمعات السكانية التي تقع فيها، وبالعودة إلى الطريقة التي تم بها اعتماد خيار الديمقراطية المحلية بالمغرب، سنلاحظ أن تطور الجماعة المحلية يأتي دائما بشكل متجاوب مع التغيرات الحاصلة على مستوى التركيبة السكانية أساسا، في الدار البيضاء على سبيل المثال انتقل عدد الجماعات من جماعة واحدة قبل اعتماد الميثاق الجماعي لسنة 1976 إلى 33 جماعة اليوم، وذلك عبر تدخل الدولة بطريقة دورية بواسطة آليتي التقطيع الترابي والتخطيط الحضري، وفي هذا الإطار جاء تدخل الدولة إثر أحداث 1981، حيث عمدت السلطات العمومية آنذاك إلى إعادة هيكلة المدينة وباقي المدن المغربية الكبرى بإنشاء هيأة إدارية جديدة هي الولاية المتكونة من عدة وحدات ترابية أصغر هي العمالات التي تزايد عددها شيئا فشيئا، لينتقل من خمس إلى تسع، نفس وتيرة التزايد عرفتها الوحدات الترابية الأصغر حجما أي الجماعات التي انتقل عددها من خمس سنة 1976 إلى 23 سنة 1981 لتتجاوز، بعد ذلك، عتبة الثلاثين جماعة، هذا بالإضافة إلى التقسيم الإداري الناتج عن اعتماد نظام وحدة المدينة وما واكبه من ظهور وحدات ترابية جديدة من قبيل عمالات المقاطعات، كل ذلك المسلسل كان الهدف منه الوصول إلى تأطير ترابي يتوخى الضبط المجالي للمدن الكبرى من أجل التحكم في كل مناحيه خاصة تلك المتعلقة بالجانب التنموي بغية التوصل إلى آليات وميكانيزمات تساعد الفاعلين على الصعيد المحلي العمل بأكبر قدر ممكن من مقومات الحكامة الترابية الناجعة التي سنبقى دائما نبحث عنها كما هو الحال في كل التجارب الدولية في المجال. ألا يمكن القول والحالة هاته إن نظام وحدة المدينة فشل في المغرب؟ لقد كان الهدف من مسلسل الإصلاح الذي دخلته المدن المغربية الكبرى منذ سنة 2003 هو التوصل إلى وضع ركائز القيادة الناجعة، وبما أن النظام أبان عن عدد مهم من النقائص على مستوى التطبيق كان من الضروري إجراء مراجعة شاملة سيتبدأ بإدخال التعديلات اللازمة على التقطيع الإداري للمدن الخاضعة له، لكن ذلك يجب أن يتم بالتزامن مع عدد من الأوراش الأخرى التي ينبغي فتحها طلبا للمزيد من التضامن و التكامل بين الوحدات الترابية خاصة على مستوى إيجاد الوعاء الترابي المناسب، وطبعا نتكلم هنا عن الجماعة التي يجب أن توضع بشكل معقلن. لكن مع ذلك يبقى الهاجس الأمني هو المتحكم في الإصلاحات المرتقبة لهذا النظام؟ طبعا البعد الأمني كان حاضرا في كل مراحل تأطير المدن الكبرى ويجب أن يكون كذلك لأنه لا يمكن أن نسقطه من الحسابات المتحكمة في معادلة التدبير المجالي، شريطة أن يتم التعامل معه في جانبه الإيجابي مع عدم التقيد بمفهومه الضيق ولكن باعتباره ركيزة أساسية من ركائز الإقلاع الاقتصادي، أي أن التعامل مع البعد الأمني في مجال إعداد التراب يجب أن يكون ضمن رؤية شمولية تدمج كل الأبعاد الأخرى الاقتصادية والثقافية وكذلك السياسية، على اعتبار أن الضمانة الحقيقية لوجود الأمن من عدمة هي الاستجابة لأكبر قدر من المطالب الاجتماعي التي ينتظر أن تتعاظم و تتشعب مع مرور الوقت، وذلك بالنظر إلى وتيرة تزايد الحجم الديموغرافي وطبيعة التحولات المتسارعة التي يشهدها المجتمع المغربي. هل تتوقعون تعديل نظام وحدة المدينة في اتجاه مزيد من استقلالية الوحدات الصغرى، أم أن التوجه سيكون الإبقاء على الصلاحيات الواسعة للمجلس والعمدة؟ من المؤكد أننا في المغرب مازلنا في بداية مسلسل وضع الإطار الإداري لتدبير المدن الكبرى وعلى رأسها الدار البيضاء، ذلك أن نظام وحدة المدينة جاء في البداية بعدد من الإجراءات والمقتضيات التي كانت تبدو على الورق بأنها ناجعة لكن تطبيقاتها على أرض الواقع بين أن نظام وحدة المدين، كما هو معمول به في دول الأصل وخاصة في فرنسا، عجز في تجاوز المشاكل المطروحة والمستجدة على مستوى تدبير وحكامة المدينة المغربية، لذلك أعود للتأكيد على مسألة أن تكون مقاربتها للمدينة بشكل شمولي يدمج كل الفاعلين على جميع الأصعدة وعدم إعطاء الأولوية لجانب واحد بشكل يجعلنا نتجاهل أو نقصي الجوانب الأخرى، على أهميتها.ما يعني أننا عندما نقسم مجال المدن على وحدات غير متكافئة و بينها فوارق كبيرة من حيث الإمكانيات والموارد فقط للاستجابة لهواجس معينة أمنية أوغيرها، فإننا نبتعد عن الهدف الرئيسي الذي هو توفير الوعاء الترابي الكفيل بحسن استقبال الآليات القانونية والتنظيمية للحكامة المجالية الناجحة. الجهوية الموسعة ورش يتطلب نفسا طويلا لا بد من الاعتراف بأن الجهوية الموسعة هي ورش كبير ويتطلب نفسا طويلا على اعتبار أنه يهدف إلى إدخال تعديلات جوهرية وعميقة على كل هياكل الدولة انطلاقا من الجهة و مرورا بالوحدات الترابية الوسيطة كالعمالات والأقاليم وصولا إلى الجماعة التي يجب أن نعطيها الأهمية القصوى باعتبارها اللبنة الأساسية في كل بناء إداري نريد أن نؤسس له، ذلك أن كل مبادرة في هذا المجال، سيكون مآلها الفشل إذا ما أفرزت جماعات تعوزها الإمكانيات والموارد لم يكن الغرض من إنشائها سوى الضبط الأمني. لذلك، فأنا شخصيا لا أعتبر أن من الضروري أن يأتي كل تقطيع ترابي جديد بزيادة في عدد الوحدات الترابية، بقدر ما يجب أن تكون هناك محاولات لتغيير شبكة الوحدات الترابية الموجودة، إضافة هنا ونقصان هناك، ولما لا أن نخلص إلى التقليل من عدد الوحدات الترابية، بمعنى أن التقطيع يمكن أن يتم في اتجاه الجمع بين الجماعات بهدف تشكيل وحدات متكاملة انطلاقا من فحص ودراسة الإمكانيات الوظيفية لكل جماعة من الجماعات الموجودة، ذلك أننا عندما نخلق جماعة فقط لاعتبارات أمنية أو حتى سياسية، فإنها غالبا ما ستكون بدون موارد و ستشكل بالتالي عبئا إضافيا على الدولة من أجل تمويلها ومواكبة تطورها. في سطور- أستاذ باحث في الجغرافية البشرية وإعداد التراب بجامعة الحسن الثاني عين الشق بالبيضاء- خبير في مجال التعمير - يشغل حاليا منصب المفتش الجهوي للسكنى والتعمير وسياسة المدينة بجهة البيضاء أجرى الحوار: ياسين قطيب

استحضار البعد الأمني في التقطيع ضروري

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التقطيع الانتخابي معركة سياسية

نقاش حزبي حول تقطيع الداخلية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات