التقطيع الانتخابي معركة سياسية

مع اقتراب موعد الانتخابات، وتواتر الحديث عن تاريخ إجرائها، انطلقت في مقرات بعض الأحزاب الكبرى معركة التقطيع الجديد، تماما كما هو الشأن بالنسبة إلى مؤسسة البرلمان التي احتضنت، الجمعة الماضي، لقاء بمقر مجلس المستشارين، حضره وزير الداخلية من أجل تقديم الخطوط العامة للتقطيع الذي سبق أن نوقش داخل مجلس حكومي.ومع الشروع في تحريك موضوع التقطيع ، بدأت الأسئلة تكبر وتطرح بإلحاح من قبل الفاعلين السياسيين، حول الجديد الذي ستأتي به وزارة الداخلية، وهل فعلا الحكومة جاهزة تقنيا بنسبة 90 في المائة، كما قال امحند العنصر، بخصوص الاستعداد للاستحقاقات المقبلة، وهل تم الإعداد لجميع المقومات القانونية والتنظيمية والسياسية، لكي تنجح حكومة عبد بنكيران في الورش الانتخابي المقبل. ويرى أكثر من محلل أن عملية تحديد الدوائر الانتخابية، تعد من أهم العمليات الانتخابية السابقة ليوم الاقتراع، فهي قضية سياسية بالدرجة الأولى، إذ شكلت مجالا للنقاش في شتى بلدان العالم، ففي إسبانيا مثلا كانت محط جدال واسع تطور إلى درجة التنصيص على حدود الدوائر الانتخابية في دستور البلاد، إذ نصت المادة 68 من الدستور الإسباني على جعل الإقليم دائرة انتخابية، وذلك للحيلولة دون تغييرها إبان الانتخابات، يقول قيادي في حزب «البيجيدي». إن التقطيع يلعب دورا حاسما في رسم نتائج الانتخابات من منطلق أن تحديد معايير تقسيم الدوائر يكون عاملا مؤثرا بشكل كبير في النتائج، ففي إطار نظام انتخابي تنافسي وديمقراطي، يمنح التقطيع لمختلف المرشحين حظوظا متساوية للفوز بالمقاعد، تبعا لعدد الأصوات التي حصلوا عليها، في المقابل، يمكن أن يستخدم التقطيع، أداة لصالح أحزاب معينة أو مرشحين معينين، كما يمكن أن يستعمل لخلق التوازن السياسي الذي يريده صناع القرار الانتخابي، أو لرسم خريطة سياسية متحكم فيها، ومن هنا تنبع خطورته وأهميته.وقال عبداللطيف برحو، القيادي في حزب العدالة والتنمية الذي فازت لائحته بمقعدين في دائرة طنجة أصيلا، إن مبدأ التمثيل المتساوي يعد من أهم مبادئ التقطيع، ويقتضي ضمان تمثيل كل دائرة مهما كان عدد سكانها، كما يقتضي مراعاة التوازن الديمغرافي بين الدوائر من حيث عدد السكان، لكن هذا المبدأ لا يفرض في نفس الوقت وجود مساواة مطلقة بين الدوائر الانتخابية طالما أن النائب بالبرلمان لا يمثل الدائرة التي انتخب فيها فقط، بل يمثل مجموع البلاد، ولكن على الرغم من ذلك، لا يمكن انطلاقا من روح الديمقراطية، التسامح اتجاه التشويهات التي تفقد التصويت دلالته. فإذا كانت هذه التشويهات مقبولة من وجهة نظر النظام التمثيلي، فهي لا تعتبر كذلك من وجهة نظر مبدأ المساواة وعمومية الاقتراع المكرسان دستوريا.ويختلف تطبيق هذا المعيار من دولة إلى أخرى حسب الثقافة السياسية السائدة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، قضت المحكمة العليا بأن شرط الحماية على قدم المساواة يعتبر مشروع تقسيم الولاية لدوائر في انتخابات الكونغرس غير دستوري، لأنه أخفق في تحقيق المساواة بين الناخبين في كل دائرة، فتفاوت صغير يصل إلى 0,6 في المائة يعتبر غير دستوري، لأنها تخضع لمبدأ فرد واحد صوت واحد، فهي لا تعترف بالمعيار الجغرافي كأساس، المهم أن يمثل كل نائب نفس عدد السكان بمعنى أن تحمل الأصوات بشكل أو بآخر قيمة متساوية. في المقابل نجد أن النموذج الفرنسي هوأكثر براغماتية إذ اعترف بعوامل أخرى إلى جانب العامل السكاني، فقرار المجلس الدستوري الفرنسي لسنة 1986 أكد معايير تجديد الدائرة الانتخابية التي تضمنت مبدأ أن «اختلاف السكان في نطاق الدائرة الواحدة يجب أن لا يتعدى 20 في المائة من متوسط الدائرة". في مختلف الاستحقاقات الانتخابية التي عرفها المغرب لم تكن دائما قواعد الشفافية والتنافس الديمقراطي هي ما يحكم التقطيع الانتخابي، بل تحكمت فيه رهانات الظرفية السياسية، وذلك ابتداء من هيمنة السلطة التنظيمية، خاصة وزارة الداخلية، على مختلف مراحل إنجازه، مرورا بعدم وضوح المعايير المتحكمة في التقطيع، بل شبه غياب لها، وصولا إلى عدم خضوعه إلى أي مراقبة قبلية أو بعدية سواء سياسية أو قضائية. ففي الانتخابات التي جرت في 2007 مثلا، تمت مراجعة تقطيع حوالي 27 دائرة، وأصبح العدد الإجمالي للدوائر هو 95 دائرة عوض 91، والملاحظ أن بعض الدوائر صارت خليطا بين منطقة حضرية وأخرى قروية، وهوما يطرح التساؤل حول ما إذا كان هذا الخلط مندرج في إطار إستراتيجية الضبط والتحكم القبلي عبر استعمال الخزان الانتخابي للمنطقة القروية وهو خزان مهيأ للتصويت على اختيارات محددة. كما تم تقليص عدد المقاعد في كثير من الدوائر الانتخابية، خاصة في المدن الكبرى (الرباط، مراكش، الدار البيضاء، فاس) وتم إلغاء كل الدوائر التي لها 5 مقاعد ما عدا دائرة ورزازات، وأصبح عدد الدوائر التي تضم بين مقعدين وثلاثة مقاعد 68 دائرة. فالتحكم في التقطيع الانتخابي، يظهر من خلال إعادة تقطيع الدوائر التي تقع فيها انفلاتات انتخابية، ويجهل مسبقا من سيفوز بها. عبدالله الكوزي

التقطيع الانتخابي معركة سياسية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

انطلاق العمل بمركز النداء بالطرق السيارة

استحضار البعد الأمني في التقطيع ضروري

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات