شراك: لا لإرهاب وتخوين الاختلاف

الباحث في علم الاجتماع أكد أن جدل الحريات الفردية يعكس صراع الهوية والحداثة أكد أحمد شراك، الباحث في علم الاجتماع أن الجدل حول الحريات الفردية أخذ أسلوبا متشنجا لا يخلو من سباب وشتائم. وأوضح استاذ علم الاجتماع بجامعة فاس أن الموضوع يطرح مشكلة عميقة تحتاج إلى نوع من المناظرة الهادئة من أجل الانتصار للمغرب الحديث والديمقراطي. في ما يلي نص الحوار: < عاد الجدل حول الحريات الفردية إلى الواجهة، في سجال اختلط فيه القانون الوضعي بالدين. ما هي مخاطر هذا الخلط على واقع الحريات؟ < لا شك أن هذا الجدل تتوزعه، في العمق، جاذبيتان اثنتان، هما جاذبية الحداثة من جهة، وجاذبية الهوية من جهة ثانية، هاتان الجاذبيتان يتخللهما متغير المفارقة لدى الحداثيين والمحافظين على حد سواء. وقد أخذ هذا النقاش أسلوبا متشنجا لا يخلو من سباب وشتائم. والحال أنه يطرح مشكلة عميقة تحتاج إلى نوع من المناولة والمناظرة الهادئة من أجل الانتصار للمغرب الحديث والديمقراطي، وليس من أجل صراع بين غالب ومغلوب، أو من يدافع عن الحق ومن يدافع عن الباطل. من هنا ينبغى أن نموضع الجدل الموزع والممزق، ما بين الديني والقانوني. < اختارت التيارات الدينية تكفير الداعين إلى الدفاع عن حرية الجسد. كيف تنظر إلى خرجات السلفيين في مواجهة جبهة المطالبين بعدم تجريم الإجهاض؟ < أولا، لا أحد له الوصاية الأخلاقية والقيمية على الآخر، لأننا نحن في مجال نقاش عمومي، يجب أن تحترم فيه حرية التعبير عن مختلف الآراء، سواء تلك التي تدافع عن الهوية والخصوصية الثقافية والدينية، أو تلك التي تميل إلى الخطاب الكوني والجاذبية الحداثية، بعيدا عن التجريح والقذف. فمن حق المغاربة أن يتناظروا وأن يتبارزوا فكريا، بعيدا عن الإرهاب أو التخوين أو التخويف. ولهذا فمشكل الحريات الفردية ينبغي التعامل مع مختلف مستوياته بنوع من التدرج والجرعات، لأن مشكل الإجهاض، مثلا هو مشكل مجتمعي في الأصل. فهل من حق المواطن أن يمارس الجنس بدون تبعات أم يمارسه ويتحمل مسؤوليته، حتى ولو كانت ضد المجتمع. إن الإجهاض هو قرار قد يأخذه فردان تلبسا بممارسة جنسية سواء داخل مؤسسة الزواج أو خارجها، من أجل حل مشكل أعمق. فلا يمكن أن ننكر أن مؤسسة الزواج نفسها لا تشهد عمليات إجهاض، لا لشيء إلا لأنها قد تجد في حمل معين تداعيات نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية لا تتحملها، فيكون الإجهاض حلا لتفادي ما هو أقوى من الإجهاض. لذا فالتفكير الديني مدعو إلى الاجتهاد ومراعاة البراديغمات الجديدة للمجتمعات، وتجاوز الدوغمائية في التفكير. < طالب مثقفون بفتح نقاش هادئ حول الحريات الفردية، ووجهت بحملة تكفير من قبل التيارات السلفية، ورموز في الحزب الحاكم. ألا يحمل هذا خطرا على المشروع الديمقراطي الحداثي؟ < في الواقع، إن المطالبة بالنقاش في حد ذاته مطالبة مشروعة وموضوعية، وينبغي الاستجابة لها من جميع الأطراف، بعيدا عن التشنج والتعصب وادعاء الحقيقة المطلقة في التفكير، لأن المجتمع هو مجتمع النسبية والتنوع الثقافي والتعدد في الرؤى السياسية والثقافية والدينية. لذلك، فلا بد من مطارحات فكرية واجتهادات تنويرية من أجل ديمومة الدين وصوابيته، وأقصد بذلك أننا عندما نقول إن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان، نقصد بذلك قدرته على التلاؤم مع "البراديغمات" الجديدة التي تحدث في المجتمعات، خاصة في ما يتعلق بالممارسات الاجتماعية. أما الثوابت العقدية والإيمانية، فتلك حقائق ثابتة لا يمكن لأي احد أن يزايد بها على الآخر، وبصريح العبارة، لا يمكن أن يزايد مسلم على مسلم أو مواطن على مواطن، في ما يعتقد. < رفضت عدد من الأحزاب الانخراط في معركة تعديل القانون الجنائي. لماذا تكون المرأة دائما محور الجدل بين السياسي والديني؟ < في الحقيقة، إن المرأة محور للجدل بين الديني والسياسي، بل ومحور الجدل بين السياسي والثقافي، لأن المشكل، في العمق، مشكل مجتمع ذكوري ، وتحديدا إيديولوجية ذكورية مهيمنة تقوم على أساس الانتماء إلى فصيلة بشرية، أساسها الجنس، أي تلك الثنائية ما بين الذكر والأنثى، إذ أن المجتمعات الذكورية تعطي سلطة زائدة ومهيمنة للذكر على حساب الأنثى. هذه الإيديولوجية الذكورية قد تمتح من بعض التفسيرات الدينية، كما تمتح من الرؤية الثقافية والذهنية الثقافية في المجتمع، فتصبح المرأة كبش فداء، إلا أن المجتمعات الإنسانية بما في ذلك المغرب، قد تشهد تململا وتطورا لإعطاء حقوق أكثر للمرأة سواء في مدونة الأسرة أو في دستور 2011، من خلال الإقرار بالمناصفة. مفارقات في الاتجاهين < طالب بلافريج بإلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية خارج مؤسسة الزواج، فاعتبره المحافظون تحريضا على الفساد. كيف تنظر إلى دعوات إدماج التربية الجنسية في برامج التعليم؟ < أعتبر أن إدماج التربية الجنسية في برامج التعليم مطلب مشروع نظريا، بل وموجود بطريقة أو بأخرى في مادة العلوم، خاصة على مستوى التشخيصات الجنسية. إلا أن السؤال الأساسي هو كيف نمؤسس لها، خاصة أننا في مجتمعات محافظة، لا تؤمن إلا بممارسة الجنس داخل مؤسسة الزواج، وليس خارجها. إن الجاذبية بين الهوية والحداثة تتخللها المفارقة، كما قلت، فممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج تشمل الحداثيين والمحافظين، وقد أشرت في مناسبة سابقة كيف تتسلل هذه الممارسات الجنسية حتى داخل الأوساط المحافظة، وداخل قياديين ووعاظ وخطباء، فهي تحضر ممارسة وتغيب خطابا. وحتى داخل أوساط الحداثيين، فالممارسة الرضائية مشرعنة فكريا، ولكن رغم ذلك، تحضر المحافظة الفكرية عندما تصيب أوساطهم الخاصة، وربما يرفضونها بالنسبة إلى بناتهم وقريباتهم. إنها مفارقة ينبغي التفكير فيها وتدارسها. إن الحريات الفردية تشمل حرية الجسد ومختلف الهويات الجنسية من ممارسات جنسية رضائية وممارسة الإجهاض وما إلى ذلك، فهل نطالب بالحريات الفردية أم بمؤسسات ضامنة لتلك الحريات؟ في سطور - من مواليد 26 دجنبر 1954 بوجدة. - حصل على الإجازة في علم الاجتماع من كلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز – فاس في 1979. - شهادة استكمال الدروس في علم الاجتماع في 1990. - له أطروحة دكتوراه حول الخطاب الخربشي – تخصص سوسيولوجيا. - تتوزع مجالات كتاباته بين الكتابة السوسيولوجية (سوسيولوجيا الخطاب، المسألة الثقافية، المسألة النسائية، الهامش والمسكوت عنه، البيبليوغرافيا) والكتابة النقدية (حول الشعر، والرواية). - عضو المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب. - عضو بمركز الدراسات والأبحاث النفسية والاجتماعية بكلية الآداب بفاس - صدرت له العديد من الكتب (الخطاب النسائي في المغرب (نموذج فاطمة المرنيسي) السوسيولوجيا المغربية: بيبليوغرافيا، بالاشتراك مع عبد الفتاح الزين، - الثقافة والسياسة - مسالك القراءة (مدخل إلى سوسيولوجيا الكتابة والنشر. أجرى الحوار: برحو بوزياني

شراك: لا لإرهاب وتخوين الاختلاف

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الناجي: لا حياة للمثليين في مجتمع ذكوري

"كراتان" البطاطس والبروكلي والشوفلور

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات