- هذه صحيفتي إليك، يا ربّي. أبثّ فيها حُزني وحرقتي، كتبتُها بنبض القلب و بتفكير مسموع لعلّ صداه يتردّد في عنان السّماء و في صدور الذين يُحسنون فنّ الإصغاء و الاستماع من خلائق البشر ... و سأخبرك فيها بكل شيء ! إنّنا لم نحي، يا ربّي، في هذا الحفرة المسمّاة –تجاوزاُ- وطناً تلك الحياة التي أردتها لعبادك البسطاء و بذلك الشّكل الذي تصوّرناه نحن أيضاً في أذهاننا كأحلام وردية و أماني جميلة، و التي ظللنا عليها عاكفين. لكنّ الأمر كان جدّ مختلفٍ؛ فأرزاقنا المُقسّمة تكالب عليها ثلّة من المخادعين، فمكروا مكرهم في المدينة ليغيّروا مشيئتك فينا و ِليُصادروا طيب عيشنا وحرياتنا تحت وطأة الجهل و سطوة التّسلّط و الفساد. لقد طفح الكيل ... و نَفذت قوّة صبرِنا وطاقة الاحتمال! فلتمتدّي إلينا يا يد الله؛ فأيادي "المؤمنين" منّا و رعايتهم لنا تبعث على الكثير من الارتياب و يصعُب أن يُؤمن عقباها... ! و لِيُعجّلْ فينا نوح بالسفينة؛ فإنّا و اللّه لمغرقون بعد إذ فاض التّنور و نَضَحَ القلب و زمجر الغضب عن يميننا و شمالنا و من فوقنا و تحتنا، و هُدمت صوامع وَبِيَعٌ وَصلَواتٌ ومسَاجِدُ، وطُمر البشر و الشّجر و الحجر تحت رُكام الحرمان و أهوال القهر وزوابع القسْوة والطّغيان... ! و لْيَسرِ فينا موسى بقطع من الّليل ليشُقّ بعصاه مسلكاً آمناً وسط أمواج السّاخطين و المُتذمّرين و المعترضين. فإنا –حقّا- لا نحسن التّدبير و لم يعُد فينا رجلٌ رشيد، بل إنّا أسارى مُفترضون و عبادٌ متّبعون ... ! 2- لقد فسق أراذلنا فملأوا الأرض فساداً. خلطوا عملا صالحاً و آخر سيئاً، و روّجوا للوهم والخديعة، فَسَقوْنا الفاسد و المغشوش و أطعمونا المُحلّل والمُحرّم و المكروه، و انتهكوا كلّ قيمنا العتيدة، فلم يُبقوا حرمة لأواصر الأبوة و لا الأمومة ولا الكهولة ولا حتى لساكنة القبور أو براءة الطّفولة. و مثّلوا بالأحياء و الاموات، فجزّوا رؤوس و مزّقوا الأوصال و بقروا البُطون، و روّجوا للعهر و الإدمان و السّخافات... و قالوا إنّما نحن مُصلحون،" ألا إنّهم هم المفسدون و لكن لا يعلمون" ! كم أصبحنا يا ربّنا غرباء في وطننا؛ فلا من يُنصتُ إلى نبضنا أو يُنافح ليقينا خطر هذا الانهيار الكبير لرصيد قيمنا المشتركة التي شكّلت، على مدى عقود، حصناً منيعاُ ضدّ تهافت الأشخاص والأفكار والعقول. إنّنا نحيا في تناقض مُبتذل مع كلّ تلك الحدود التي فرضتها شريعة السّماء باشتراطاتها المحسومة و قيمها المُعظمة غير القابلة للتنقيص أو المساومة أو التعطيل أمام أحكام قانون المخلوق. فصرنا - رغم ظاهرنا المشبع بثقافة الورع و الدّين - نُضمِر في باطننا اشتهاء مَرضياً لكلّ وضعيات التنافي و النّفاق والتجاوزات. فحدود الّشّرع و القانون مغيّبة في سعْينا اليومي و تدافعنا في الحياة و حتى في منهجنا العقلي، بل إنّنا - على النّقيض من ذلك – نرتع في جحيم الفساد الذي يسْري في كلّ أوصال الجسد العربي و الاسلامي. 3- صار وضعنا مُربكاً حدّ القلق والخوف والارتياب. فما بات يُرعبنا حقاً ليس هو وضع التّردّي المستشري فينا، وإنّما إحباطُنا الشّديد نتيجة تواتر الانتكاسات النّاتجة عن قُصور مبادرات التغيير وضُعف القدرات و تشتّت الجهود و ضبابية المشهد برمّته... الخوف هاجسنا الكبير الذي ما فتئ يحطّمنا، فصرنا نخشى من ساعات الفرح القليلة أن تَنفذ على حين غفلة منّا. و بِتنا نرتاب من جلودنا ومن الحيطان التي تأوينا ومن جواربنا و من أدراج مكاتبنا و هواتفنا و أقلامنا ... بل حتى من آمالنا وأحلامنا. غمرونا بالشّكوك في معتقداتنا الدينية و قناعاتنا الدنيوية وأعرافنا المشتركة ومبادئنا الكونية، فاختلط الحابل بالنّابل، و اجتهدوا، بتحايلاتهم البارعة، في التفسير و التأويل، و القراءة و إعادة القراءة، حتىّ تحمّض الشّرح والْتبس المعنى و تاه الجميع في كيفية تحديد السّلوك السّوي بعيون شرع اللّه و قانون الإنسانية وأعراف الجماعة. فنحن مقتنعون جدّا أنّنا لن نُحرِز شيئاً عظيماً في ظلّ قواعد العبودية المُندسّة فينا... في العمل و المذهب و المنهج و القانون. فلم نعُد أحرارا كفاية و أكثرنا مدين حدّ الاختناق بالقروض قصد تغطية العجز المسترسل عن ضمان لقمة بقاءنا على قيد الانسانية؛ و مُكبّلون حدّ الشّلل بنصوص واعتقادات واجتهادات فقهية ملتبسة و مُحبطة و متضاربة، لا تُحفّز على التجرّد والتغيير والارتقاء؛ و محكومون حدّ الاستعباد بنصوص وقواعد و أحكام تُقزّم هامش التّحرّك والتّدافع والشّفافية و لا تسمح إلاّ بالإبقاء على وضع المحافظة و السّكون و دوام البؤس والقهر. 4- بِتنا على مشارف الهاوية، و لم تعُد تلك المبادئ الرّنّانة الجوفاء التي كثيراً ما صدّعوا لنا بها رؤوسنا قادرة على تقديم أجوبة حاسمة لأسئلتنا الحارقة، ولا كافية لتفيدنا في استشراف الغد المأمول. فالكلّ منشغلٌ بتحصين تلك المصالح الذاتية للقلّة المتحكّمة في خيوط المال والدين والسياسة... وما على الباقي إلاّ أن يُبدِع بطريقته في استعمال أساليب الخبث و المخادعة أو الخنوع و المهادنة بغرض التّقرّب من دوائر القرار أو أن يندحر صاغراً و يرضى، في شبه خنوع ديني، بــــ"ما قسّمه الله" في الحياة الدنيا، في انتظار عَوَضٍ أُخروي أوفى، أو أن يصطفّ –رغم الأذى المحذق - إلى جانب زمرة المُمانعة و رفض قبول قواعد لُلعبة مقيتة تقوم على تلازم المكر و الخديعة. إنّ من مظاهر العبثُ يا ربّي تكالبهم علينا لإقناعنا بأنّنا في يد آمنة بالرغم من إحصائنا للخيبات بشكل مُسترسل على مدى العديد من السّنوات كعلامة على الفشل الذريع الذي بلغناه في تدبير زمن الإصلاح، و على سيادة تفكير نمطي يحصر التّميّز و النّبوغ و الموهبة في عروض العهر الفكري والفنّي وأشكال مُبتذلة من التفاهات. 5- إنّ حالة التيه هذه دفعتنا إلى معاودة طرح سؤال الهوية مرة أخرى، حيث نكصنا مُجدّدا إلى نقطة الانطلاق، نقطة الصفر، لإعادة تشكيل وعينا بالعالم و بالآخر بعد ان انخلعت القداسة في نفوسنا عن الأشياء والأشخاص و الفكر. فنحن متيقّنون، يا ربّنا، أن لطقس الدين وقعٌ كبير علينا ينسحب إلى وضعنا في هذه الحياة الدنيا ويمتدّ إلى مستويات معاملاتنا وعلاقاتنا بباقي العباد. فالأكيد أنّنا نستحقّ العيش ببعض نعيم أهل الجنّة و نحن على قيد الدنيا وذلك بمشاركة الثروة والسلطة و الالتزام جماعة بجوهر القيم الإنسانية السّامية. فهذه الاشتراطات هي المُجسّدة لعدالة السّماء فينا كيفما بَدت تلويناتها العقائدية و الشرعية و العرفية و الانسانية. فالأكيد أنّ في هذه الأرض ما يستحق الحياة، أمّا الاستكانة للقهر و التّحكّم في انتظار زمان غيبي أخروي غير زماننا، بزعم القناعة و الرّضى بالمقدّر و المكتوب، فهو محض خنوع و انهزامية، ليس إلاّ. 5- إنّنا نعيش، يا ربنا، في مجتمع مفكّك الأوصال في العُمق، ملتئم التّصدعات و الجراح في الواجهة، افتقدنا في إطاره للمحبّة و الحرية كرافدتين للسّلم والتواصل و البذل. فنقاء السّريرة مرادف لقيم المحبّة التي يختزلها الفرد في أعماقه، أو كما أحسن في التعبير عن ذلك ابن الرومي حينما قال: " توضأ بالمحبّة قبل الماء... فالصّلاة لا تجوز بقلب حاقد"؛ لكنّ قصور المناهج المقرّرة لم يُسعفنا في توطيد مثل هذه الروابط وسط الناشئة، مثلما عجزت قبلها بعقود كلّ المخطّطات الموضوعة في بناء جيل قادر على ترميم أخطاء الماضي القريب و أعطاب الحاضر المعاش قصد تجاوز وضع الجمود الحالي الذي يعوق الخطو نحو المستقبل. 6- فبينما الكلّ واعٍ بانفلات كلّ خيوط مواكبة ارتقاء الأمم، و عوض استدرار فكرنا الجماعي لتقديم بدائل موفّقة للخروج من المأزق الحالي، انكفأ أكثرنا، تحت هول الانتكاسات المُتتالية، إلى استجداء بطائق المغادرة و الرّحيل كلاجئين من جحيم حرب غير متكافئة على الأذرع الممتدة و المتشعّبة للفساد والتهميش والغبن الاجتماعي، ولسان حاله يقول: "ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظّالم أهلها"، واستنجد المنسيّون منّا بالمهرّبين و ركبوا قوارب الموت، سيان بالنّسبة لمن هم موتى على قيد وطن جائر.. 6- فما أقسى أن يُصبح الوطن محطّة للسّفر، و ما أقسى العبور حين يلفظك أديم هذا الوطن، و الأدهى، أن تحمِل في حقائب الذّكرى وجع الحكرة و مرارة التخلي. فكيف يحدّثونك بعد ذلك عن الوطنية دون أن يحتضنك الوطن أو يكون لوجودك معنى بينهم، أو دون حتى أن تكون منخرطاً في شؤون هذا الوطن؟ لقد جيّشوا المنابر والأقلام لإذكاء مشاعر الانتماء و حمّلوها شُحنات دينية إيمانية تقضي بأنّ "حبّ الأوطان من الايمان". أوَ لَا يعلمون أنّ الإيمان هو، في حقيقته، بضعٌ و سبعون شُعبة، منها ما يُلقي على الوطن بدوره التزام العدل فينا و حفظنا في أجسادنا وأموالنا و أعراضنا ومشاركتنا منافع الثروة و الجاه، وإشاعة قواعد الرّدع و المحاسبة من خلال فرض تقيّد الجميع بتلك الحدود ذات الأصول الشرعية المحفّزة على استحضار المعروف و نبذ المنكر... فبهذا المعنى فقط يمكن تمتين وشائج الارتباط بوطن تُحترم فيه إنسانية الإنسان. ألا يكفي أنّنا نعيش على هامش الوطن كالهمل السّخيف، بحسبنا زبناء دائمين و مفترضين لثلّة من إقطاعيي الدّولة كمياومون و متعاقدون وخّماسون ورّبّاعون وعطّاشون وأجراء كادحين محسوبين على هامِ الزّمان؟ فلقد تدحرجت اليوم فيالق المنبوذين في هذا البلد إلى وضع المذلّة المخزي بتسولها بقايا الطعام من موائد القمامة، كما تزوّدت أخرى، الأفضل حالاً منها، من معروض البالي من اللّباس و القوت بأرصفة الحواضر و هوامش القرى. ألا يكفي أن أصبحنا غرباء في ديارنا بعد أن تنكّر لنا المسؤول الإداري والمنتخب السّياسي والمُمثّل النّقابي و المناضل الحزبي و الموظّف الحكومي والنّائب البرلماني و المندوب الاجتماعي ...؟ ففي ظلّ انسحابهم الكبير، تكلّست حقوقنا في الأمن و السّلامة و الحرية و الكرامة و المساواة، و تكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية...حتى جرّدونا ممّا تبقّى من مكتسباتنا، فانكشفت بفقدانها عوراتنا أمام من لهم حقّ علينا بعد إذ ظهرنا بمظهر المشلول، غير القادر على تأمين كرامة العيش والعاجز حتى عن انتزاع حقوقه و مكتسباته التي أُهدرت من الدّولة. ألا يكفي كم مرّة تجرّعنا مرارة الاحباط كلّما فشلنا في تجاوز عنجهية الإدارة و المشفى و المدرسة و المحكمة و التمثيلية و المحطّة و البنك... و كأنّنا رعايا من الدرجة الثانية، عالقين في معابر حدودية لدويلات داخل الدّولة، حيث تتحطّم أحلامنا و قيم آمنّا بها والكثير من المبادئ على صخرية الفساد و الشطط والاستغلال المقيت لمراكز النّفوذ ولسلطة المال؟ لقد جار علينا الوطن، فانصفنا يا الله ! 7- و كأنّ لعنة الاخفاقات قد تكالبت علينا لتشقّ بسفينة البلد عُباب الخيبة و العبث و التفاهة مُحمّلة الجميع على الوقوف على أهبة الانتظار الخائب، الفاقد لكلّ أمل، حتى توالت علينا السنّونُ العجاف التي أُهلِك خلالها الحرث والنسل، و ظهر فيها الفساد في البرّ و البحر دون رادع، و كثُر الدجّالون و الأفّاقون والمشعوذون و المنافقون و الانتهازيون، و انكشف المجرمون بالجرم المشهود دون أن يُحاسبوا، و عمت الإشاعة و الزيف والخيانة و المؤامرات و تلفيق التهم و الدسائس...، فلاذ الجميع بالصمتٌ المُريب، و قيل الحمد لله على نعمة الاستقرار ! 8- من سننك يا ربيّ فينا، "و لن تجد لسنّة الله تبديلا"، أنّنا نحصد اليوم ما جنته مخطّطاتنا و سياساتنا بالأمس. فقيادة التغيير كقيادة الأساطيل الثّقيلة و المركبات الدقيقة، تحتاج إلى مستويات عالية من التميّز و الإتقان، باشتراطات مقررة، و حسابات مضبوطة، و مخرجات محسومة. لذلك، فقد فطنت الدول منذ البداية إلى أهمية الاحتفاء بمكانة التعليم المحورية باعتباره المسلك الفريد لصناعة النّخب و الأطر و الكوادر المُميّزة التي تستطيع بفطنة قلب المعادلة. أمّا و قد فشل (أو أُفشلَ) مبكّرا مسعانا نحو بناء الإنسان داخل حرم المدرسة و الجامعة و المعهد، فنتيجته اليوم هي قبولنا بالموجود و المُتاح رغم علاته، والعمل من مواقع القيادة بشريعة "كيفما اتفق" بقيادة أطر مُفلِسة ينقصها كلّ شيء للقيام بتصحيح المسار. و انتشرت إلى جانبها أنماط فكرية مخترقة بالكامل، مدعومة بقنوات رسمية في الدولة، مهمّتها إرباك المشهد العام و إعادة إنتاج الإحباط والفشل والرجعية والتخلّف، و التمكّن في النهاية، من تحجيم مبادرات التّصحيح و تأخير زمن الإصلاح. في ظلّ هذا الواقع المُعتل، لم يعد غريبا أن تتشبّث فئات عريضة من بسطاء هذا الوطن بالوهم الخرافي الذي يتمّ نسجه و ترسيخه حول قُدرة أضرحة الأولياء و السّادات على حلّ مشاكل الأحياء، تلك المشاكل التي نتجت بالأساس عن مصادرة حقوق النّاس في العيش بكرامة، و التي كان من المفروض مباشرتها داخل مراكز العلاج و وحدات الرّعاية و حجرات التحصيل و مواقع تلاقح المعارف العقلانية و الفنون و الثقافة لا بين جدران الأضرحة وفي باحات الأولياء و الصّالحين. وفي تناسب و حجم الانتكاسة الكبيرة التي بلغها المجتمع، فلن يدور تحت ستار ظلامه المُطبق إلاّ أنماط أخرى من الجهل المقدّس المبني على ثقافة عدمية تُسوّق للّاتسامح وتحرّض على الكراهية و العنف، و كذا على خطاب نمطي تأسّس تاريخيا على موروث ديني و ثقافي مُنغلِق ظل مندسّا بين ظهرانينا، يُكفّر الآخر المختلف و يُجرّمه لا يُؤمن بفضيلة الحوار و لا بسلمية المبادرة. 9- إنّنا نحيا يا ربّي في مجتمع مُمزّق مخروم بمكوّن بشري متناقض وعصيّ عن الفهم و عن التنظيم. فإنسان هذا البلد مخلوق غريب في تجلياته وأطواره ونزعاته، تتجاذبه قوى متناقضة بشكل رهيب دون أن تردعه شريعة أو منهاج أو نظام أو يؤنّبه وخز من ضمير. فهو ممّن ينهى عن الفعل و يأتي مثله، ويحرصُ على الحضور مع الجماعة ولا يُضيره الغياب عن العمل، و يؤدّي اليمين علناً و يسرق باليمين و بالشّمال سرّا، يحكم بشرع اللّه و لا يُحكّمه، يكذبُ بصدق كبير، يرى بحدود بصره لا ببصيرته... هو خلقٌ مُستهجن ستُصادفه كظلّك في كلّ مكان، في المسجد و الحانة والجنازة و الملهى و الطريق والمعرض والمقهى والإدارة... بهذه الفئات الغريبة لن نبني وطنا مُتكاملا و مُعافى، و لن يُفيدنا استيراد أجود النّصوص المعلّبة و أحسن القواعد و المعايير العالمية لضبط ايقاع النّمو بفيالق بشرية تائهة لا تحفل لشيء و لا تنضبط لنظام مهما كانت سُبُل و وسائل الترهيب و الترغيب، فهي –لقصور تكوينها و تربيتها – لا تهتمّ إلاّ بما يندرج في حدود مصلحتها الخاصّة وكأنها غير معنية بهموم الوطن و لا بالمصالح العليا للجماعة التي تكتنفها. فلْتُعلن فينا يا ربّي قيام السّاعة ... ! فقد رأينا بأم أعيُننا حتى اكتفينا، و صِرنا كالمتفرّجين القابعين خلف شاشة الحياة الرّحبة، تقتلنا الغيرة على مرأى هذا الوضع المفلس المُلتبس الذي نُعايشه بصمت المكلوم الذي ينزف ببطء دون أن يبلغ الخاتمة. فلم يعُد- بَعدُ - ما يُغرينا على عيش هو في حقيقته أدنى إلى العبث منه إلى نِعَم الحياة، بطعمه الممزوج بنكهة البؤس و مرارة الشّقاء، و بنماذجه البشرية الهجينة التي فاقت الهمجية الحيوانية في غرائزها و مكرها وغِلظتها... !