اوبلخير: في بلادي ظلموني … مضامين جودة حياة أم صخب مدرجات

لا يختلف اثنان حول الصخب الذي ولّدته أنشودة أو أغنية جمهور الرجاء البيضاوي " في بلادي ظلموني " داخل وخارج الوطن ،حيث ارتأى الأمر إلى بروز عدة تظاهرات نضالية متسمة بالشكوى والمعارضة والاحتجاج على مطالب متباينة ،حضر فيها شعار في بلادي ظلموني حضورا وازنا ،كما تغنت به مختلف الفئات العمرية. ومن المعلوم أنه كان خطابا شديد اللهجة يحمل في طياته عبارات الاستنكار والاستياء من الوضع الاجتماعي الراهن ،وتوقفا عند بعضها ف (ظلموني) التي لخصت المحتوى وأضحت عنوان الجدل هي بالفعل كلمة تفيد حضور الاستبداد والاضطهاد في ظل غياب العدل والإنصاف ،(لمن نشكي حالي) بلا ريب تحيل على غياب مستمع ومستفهم أو متفهم لمتطلبات هذه الفئة ،والعديد من الكلمات الأخرى التي تدل على القهر والعسر ،في حين أن أقسى القول ما جاء في قالب سياسي مباشر نذكر (مواهب ضيعتوها بالدوخة هرستوها) (فلوس البلاد كاع كليتوها للبراني عطيتوها) تهكما على العمل الحكومي الجاري المغضوب عليه استنادا على ثلة من الملفات الشائكة التي لم يفلح في تسويتها ،بالإضافة إلى أن الخطاب ليس خال من بعض المدلولات التي تهم قضايا المدرجات ،مع العلم أن الأغنية تهم الجانب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أكثر من الجانب الرياضي الجماهيري. وتداولها عبر مختلف المنابر الاعلامية الوطنية والعالمية وحتى ترجمتها لعدة لغات دليل قاطع على ثقل حمولتها العاطفية والاجتماعية ،ومن الخطير جدا وجود مشاعر التهكم والتذمر لدى الفئة الفتية في المجتمع باعتبارها الطاغية من حيث ارتياد الملاعب مقارنة بمختلف الفئات العمرية الأخرى ،والتي تمثل رجالات الغد والأمل في مغرب أكثر تنمية وحضارة ،ونلفت النظر كذلك إلى ظهور بعض الساسة على المنابر الاعلامية العديدة تنديدا على هذه الأغنية ،والحال ما زادوها سوى شهرة وانتشارا وأكدوا وقعها في تشويه وتعرية الواقع الحكومي الذي لم يوفق بعد في ايجاد حل للملفات المجتمعية. وعيننا على الخطاب نجده ينضوي تحت لواء مضامين الحياة المعيشية ،مما يطرحه من وصف للأوضاع المجتمعية المزرية ،التي تضعنا تحت ضوء البعد الاجتماعي المتمثل في ثلة من التحديات المواكبة لسياق بروز الأغنية ،والذي شهد ركود اجتماعي جلي في العديد من القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم ،دون أن ننسى قضية الهجرة السرية التي عرفت منعرجا خطيرا في الآونة الأخيرة ،وساهمت بشكل كبير في انتشار صيت في بلادي ظلموني ،وذلك جلي في العديد من مقاطع الفيديو التي تناولت مسألة الهجرة السرية ،ولا شك أن البعد النفسي هو الآخر حاضر بقوة والمتمثل في محتوى الخطاب الحامل لمفاهيم تعكس البنية النفسية الهشة لهذه الفئة ،والاستجابات العاطفية الانفعالية مع مضامينه المتجسدة في الصراخ والبكاء والحركات العنيفة التي شاهدها الكل في مختلف شرائط الفيديو ،سواء تعلق الأمر بالمدرجات أو بالتظاهرات الاحتجاجية التي تغنت ببلادي ظلموني. وكل هذا يطرح افتراضا جوهريا يضمر خلخلة ساس المجتمع المبني على الأسرة كنواة أولى اتسمت بالانحلال والتفكك ،وعرفت تغيرات جذرية لم تخدم مصلحة الأفراد بشكل أو بآخر ،كما نفس الشيء مع المدرسة التي طالها طابع العنف والمادية وانعدام التواصل ،ولا يمكن أن نعمم الأمر على جل المؤسسات التعليمية ،لكن أغلبها تتميز بمواصفات من هذا القبيل ،كما أنها تركز على منظومة أيديولوجية بخسة تعير اهتماما ملحوظا للقدرات الذهنية وتهمش اللياقة النفسية والاجتماعية للفرد ،بالحكم أنه لن يتحقق المراد دون وجود مقاربة نسقية معقلنة ترمي لإمعان النظر في جميع المناحي ،وفي هذا السياق نستحضر جوستاف لوبون الطبيب والمؤرخ الفرنسي الذي اشتغل على دينامية الجماهير في مؤلفه القيم °سيكولوجية الجماهير° والذي أكد فيه أن عصرنا هو بالفعل عصر الجماهير ،كما تصدر الاشارة إلى أن لفظ الجماهير لا يحيل فقط على مهووسي كرة القدم بل يقصد به أي تجمهر بشكل عام باختلاف النوعية وسياق البروز. وأكد لوبون أن قوة وجبروت الجماهير لا يستطيع أي شيء تهديدها ،ليتنبأ بكون المجتمعات الحالية واللاحقة ستعرف تحولات جذرية ،وأضاف إلى أن معرفة التعامل معها وفهم متطلباتها كفيل بتهدئتها وقيادتها ، وبالرغم من كل المتطلبات والادعاءات التي نادت واحتجت حولها الجماهير ،إلا أنها لا تعيها ولا تنخرط فيها بشكل واعي وبفكر موضوعي على حد قول لوبون ،وواقع الأمر أن الخطاب المطروح والهم المشترك الذي لا يمس الجماهير الرجاوية فقط ،بل تعدى الأمر حتى أصبح على لسان شريحة عريضة داخل المجتمع وخارجه ،واعتبره الغالبية خطابا واعيا ومضمونا متجسدا في مختلف الجوانب ،والحل حسب جون راولز فالمجتمع يعتبر كبنية تعتمد نظاما توزيعيا واسعا يمنح للأفراد حصصا من الموارد الأولية ،التي لا تكون بالضرورة مادية اذ تتمثل أيضا في الاحترام والتقدير والاعتبار ،لذا فالباحث يؤكد على صياغة مقترح يكفل تنظيم وتوزيع الموارد بين مختلف الفئات التي ترفع مطالب متنافسة. وصفوة القول إن في بلادي ظلموني لم تكن سوى علامة فارقة في ظل غياب حوار اجتماعي يرتضيه المجتمع في ضوء كل هذه المشاكل الراهنة المستعصية عن الحل ،ليبقى الجدل متواصل في انتظار الخطوات الحكومية القادمة لمسايرة هذا التخبط. مراجع معتمدة : يوسف ميخائيل أسعد,الشباب والتوتر النفسي.135. محمد الصغير جنجار,ما هي طبيعة المجتمع العادل؟.مجلة مقدمات.ص 86-93.عدد20.(2000). منتصر حمادة,سيكولوجية الجماهير لغوستاف لوبون.مجلة مقدمات.ص 8-18.عدد20.(2000).

اوبلخير: في بلادي ظلموني … مضامين جودة حياة أم صخب مدرجات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

رسالة تهنئة من الملك إلى عاهل ماليزيا

نعمان عبد الغني: سمات القائد الرياضي

مقالات ذات صلة