عبدي السلام: خود أسيدي قبطة من اليزير

اليزير، عشبة مغربية تستخدم في تحظير القهوة و تضفي على هذه الأخيرة طابع التقاليد و الأعراف. بينما في طريقي لاحتساء كوب قهوة صباحية في دربنا الشعبي، اعترضتني امرأة مسنة تشرف على أبواب الخمسين و كلها طاقة و حكرة، خد قبطة بدرهم واحد أسيدي. كنت أحمل حاسوبا محمولا أستعين به لتحظير مسائلي المهنية. كوني أمازيغي الأب لم أجد بدا في أن أتجاهل السيدة، أنا الآن يا سيدتي غير متوجه صوب منزلي لأحمل معي هذا اليزير. فتوجهت نحو سيدة بلباس عصري، و كلي لهف في أن أسمع حوارها مع المستهدفة الأخرى، لم تقم بالشراء، فأطلقت البائعة العنان لرجليها كي لا تضيع فرص الظهيرة، تأملتها لآخر مرة و هي منتعلة حذاء من البلاستيك و تحمل وراء ظهرها كمية لابأس بها من نبات اليزير بحيث رتبته في منديل صوفي و جمعت طرفيه بين صدرها. للوهلة الأولى يتبادر لك أنه مولود بظهرها. سرت نحو موعدي و كلي أسف لهذه السيدة، لم آسف لعدم الشراء من عندها بل لما تكبدته السيدة من عناء و مشقة لتصل المدينة، و قد قيمت نسبة مدخولها اليومي بثلاثين درهما. كونها تنتمي لمنطقة أمازيغية اسمها المودج، فمنذ فجر اليوم و هي تسير و تسير، تصادف اليزير في طريقها فتقطفه تارة هنا و تارة هناك، لم تخرج من المنزل و مخزون البيع في يدها، بل خرجت باسم الله مجراها و مرساها. فاطنة أ. اسمها، أم لثلاثة صبيان و الزوج يشتغل نواحي البيضاء في معمل للأحذية و فاطنة تنتعل حذاء من البلاستيك، مفارقة لا نستغرب لها نحن الملاليين. و هي في طريقها صوب المدينة قطعت ما يناهز ثماني كيلومترات جبلية، لتبيع يزيرها و تتجه صوب السوق الأسبوعي في المدينة لتتبضع بما جاد عليها به اليزير، و كلها شجاعة لتتوجه بعد ذلك صوب بيتها فكلما مرة تذهب تجد كلبها باسط ذراعيه أمام عتبة البيت، فزاده المضمون ربته فاطنة. تباذر الى ذهني ساعتها، رحلة قمنا بها سنة 2011 لجبل يسمى تاصميط يكسو سفحه الثلج في موسم الشتاء، كنا أربعة أصدقاء نزاول تكويننا المحاسباتي في القسم نفسه، فبينما نحن في سفح الجبل و الوقت ساعتها فجرا، أوقدنا النار في بعض مخلفات الأشجار لكي لا يتصلب دمنا بحكم البرد القاتل في منطقتنا، و بينما نتلطف بلهيب النار الموقودة، باغثنا كلب و كله رجاء و توسل لكي نمده بشيء من الزاد، اقتربت من الكلب و وضعت له خبزة كاملة لكوني رأفت به و بحاله هناك، أخذ هذا الأخير الخبزة و صعد بها نحو هضبة هناك، و ما كان مني الا أن قمت و تتبعته رفقة أصدقائي فاذا به يسير و الخبزة في فمه لم يقضم منها و لا قضمة، سار و سرنا، و نحن كذلك ما يقارب خمس عشرة دقيقة، اقترب من باب و وضع الخبزة أمامه فصار ينبح الى أن خرج صاحب المنزل فالتقط الخبزة من الأرض، أماط ما بها من غبار بيديه و قضم شيء منها رماه الى الكلب، فسعد الكلب و ربه، و سعدنا بدورنا كون الكلب مرر لنا درسا ما مرره أسياد زماننا. فها الكلب مدرسنا الوفاء و التشارك، و ها المسنة مدرستنا الشجاعة و الطموح و العزيمة.

عبدي السلام: خود أسيدي قبطة من اليزير

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أمن البيضاء يعتقل ثمانية أشخاص منهم قاصرين بعد مواجهات دامية

معرض الشارقة يحتفي بزايد

مقالات ذات صلة