التربيـة الجنسيـة … إلحـاح ومقاومـة

دعوات أساتذة إلى طي صفحة ״حشومة في التعليم״ يقابلها تردد باسم القيم طفا نقاش إدراج التربية الجنسية في التعليم بالمغرب على السطح في الآونة الأخيرة، بعد النتائج المفاجئة التي كشفتها دراسة ميدانية أجرتها يومية "ليكونوميست" ومكتب "سونرجيا" للدراسات، التي أظهرت أن 55 بالمائة من المغاربة يؤيدون تدريس التربية الجنسية بالمدارس. ولعل الأطر التعليمية الحلقة الأبرز في هذه العملية، إذ في الوقت الذي أيد فيه أغلب المستجوبين إدراجها بالمنظومة التربوية، ما يزال التجاذب قائما بين جمعيات الأطر التربوية، بين من يعتبر التربية الجنسية ضرورة ملحة وجب تدريسها، وبين من يرى أن المناهج الدراسية الحالية، كافية لتلقين التلاميذ مبادئ الثقافة الجنسية، بالإضافة إلى أن مضامين هذه المادة ستسيء إلى الدين وقيم المجتمع. لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن 55 بالمائة من مجموع المستجوبين سيؤيدون إدراج التربية الجنسية بالتعليم، وبينت الدراسة التي أجرتها يومية "ليكونوميست" بشراكة مع مكتب "سونرجيا" للدراسات، أن 60 بالمائة من المستجوبات أعربن عن موافقتهن على تدريس التربية الجنسية، وأنه كلما كان المستوى التعليمي للمستجوب عاليا كلما كانت الإجابة في صف المؤيدين، كما أن الشباب كانوا أكثر الفئات مساندة للفكرة، إذ كشفت الدراسة أن 6 شباب من أصل 15، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 عاما يؤكدون على ضرورة إدماج مادة التربية الجنسية بالمدارس. وأظهرت الدراسة أيضا أن آراء المستجوبين تختلف حسب المناطق الجغرافية، إذ يبدو سكان البيضاء والرباط أكثر انفتاحا بنسب تراوحت بين 62 و68 بالمائة، فيما حلت جهة بني ملال خنيفرة في الرتبة الثانية بنسبة 59 بالمائة، في حين أبدى سكان المناطق الجنوبية اعتراضهم، إذ وافق 24 بالمائة منهم فقط على تعميم التربية الجنسية بالمدارس. صناعة الجنس تقول مليكة بوناجي، رئيسة جمعية أساتذة اللغة الفرنسية بالمغرب، إنه من الضروري إدخال التربية الجنسية إلى أقسام الدراسة، لأن التلاميذ أصبحوا يتوفرون على فرصة الولوج المباشر إلى المواقع الإباحية على الأنترنت، ما يخلق لديهم تصورات خاطئة حول العملية الجنسية، وهي نوع من الجنسانية المصنعة، موضحة أنه أمام هذا الوضع غير الطبيعي، "نقول نحن رجال التعليم إنه من الأفضل وقف هذا النزيف من الأفكار المشوهة، من خلال تلقين التلاميذ ماهية التربية الجنسية، والجنس في حد ذاته، والممارسات الجنسية الصحيحة، عوض تركهم في مواجهة تلك الأفلام الافتراضية غير العادية". وأضافت المتحدثة ذاتها، أن تلك الأفلام يمكن أن ترسم صورة سلبية لدى الذكور حول الإناث، لدرجة أن الطفل حينما يصبح راشدا مقبلا على الزواج، يطلب من زوجته ممارسات جنسية غير طبيعية. وأبرزت بوناجي، أن التأكيد على أهمية التربية الجنسية، نابع من وجود مجموعة من الفتيات اللائي ولدن في أوساط تغيب فيها الثقافة الجنسية، ويقعن في الحمل دون علمهن، متسائلة "لماذا لا ندرس تلاميذنا تلك المفاهيم والمراحل المتعلقة بالحياة الجنسية، عوض الوقوع في المشاكل؟". وتابعت، رئيسة جمعية أساتذة تعليم اللغة الفرنسية، تصريحها لـ "الصباح" قائلة "حينما كنت أشتغل في المعهد الفرنسي، شاركت في بعض البرامج التربوية داخل السجن، والتقيت فتيات وقعن في حمل دون إرادتهن، حتى أن إحداهن قالت لي إنها لم تكن تعلم أن المرأة يمكن أن تحمل من الممارسات الجنسية الأولى". وشددت على أن بعض الأمهات لا يشرحن لبناتهن حتى العادة الشهرية. وخلصت بوناجي، إلى أنه إذا أراد المغاربة إنقاذ أطفالهم من المواقع الإباحية والتصورات الخاطئة، فإن التربية الجنسية هي السبيل الوحيد. مقاومة إذ كانت نتائج الاستطلاع في صالح مؤيدي إدراج الثقافة الجنسية بالتعليم، إلا أن فئة لا يستهان بها تقاوم هذه الفكرة، وتعتبر أنها ماسة بالقيم والمبادئ الإسلامية للدولة والمواطنين، كما أنها لا تمت بصلة إلى التقاليد التي تربى عليها المغاربة، وفي السياق ذاته، يقول أحمد مصمودي، رئيس جمعية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، "إنه لا حاجة إلى إدخال مادة التربية الجنسية إلى التعليم"، مضيفا "باعتباري أستاذا للعلوم الطبيعية أقول إن هناك دروسا عن الأجهزة التناسلية في المستوى السادس، وفي الثالثة إعدادي"، مشددا على أنه لا يجب أن تخرج الدروس عن القيم والمبادئ التي تربى عليها المغاربة، مبرزا "لا ننس أننا في مجتمع مغربي محافظ وأن الطفل المغربي مسلم ويعيش في دولة إسلامية". دروس محتشمة يلح عبد الرحيم النملي، رئيس الجمعية الوطنية لمديري التعليم الابتدائي، على ضرورة إدماج التربية الجنسية في المنظومة التربوية. متسائلا " كيف أننا في القرن 21 ومازلنا نتحدث عن الطابوهات؟"، مشددا على أن الدروس المدرجة في المقررات المدرسية، التي لها علاقة بالتربية الجنسية، محتشمة جدا ولا ترقى إلى المستوى المطلوب، سواء تعلق الأمر بالابتدائي أم الإعدادي أم الثانوي، داعيا إلى تكليف اختصاصيين في المجال من أجل إعدادا مقررات دراسية خاصة بالتربية الجنسية، لا أن يتم إدراجها في مواد أخرى، مثل العلوم الطبيعية أو غيرها. وأشار النملي، إلى أنه يجب تدرس التربية الجنسية على مراحل، لأنه لا يمكن أن ندرس لتلاميذ الابتدائي مواضيع متعلقة بالبلوغ أو كيفية القيام بعلاقة جنسية سليمة، لأن كل مرحلة عمرية لها احتياجاتها. وتابع النملي، في تصريح لـ "الصباح"، "مكاينش حشومة فالمدرسة"، مضيفا "نقول في ثقافتنا الشعبية أن حشومة كتولد الحرامي، بمعنى أنه إذ بقينا نتحاشى الحديث في أمور تجلب النفع للمجتمع، سنساهم بشكل من الأشكال في إعاقة التقدم والتطور الذي تطمح إليه البلاد". عصام الناصيري

التربيـة الجنسيـة … إلحـاح ومقاومـة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

انتحـار خادمـة بسيدي سليمـان

الداخلية تطارد "وداديات" الرؤساء

مقالات ذات صلة