التأمين الصحي… التعويض مقابل كشف “العورة”

شركات تطالب بنتائج التحليلات الطبية لصرف تكاليف العلاج وجمعيات حماية المستهلك تتهمها بخرق القانون أصبح المغاربة أكثر وعيا بأهمية التأمين على المخاطر، رغم أن المنتوجات الإجبارية تظل هي المسيطرة على نشاط شركات التأمينات. لكن لوحظ، خلال السنوات الأخيرة توسيع لائحة العروض الاختيارية التي يتم تسويقها، مثل التأمين متعدد المخاطر والتأمين الصحي. وساهمت عمليات إعادة هيكلة القطاع والاندماج بين الشركات في رفع مستوى المنافسة بين الفاعلين في القطاع، إذ أصبحوا أكثر مهنية من السابق، وذلك بفعل كثرة العروض المتنافسة وسعي مختلف الشركات إلى إرضاء الزبناء من أجل رفع حصتها من السوق. وسجل وعي متنامي بأهمية التأمين في حياتنا، ما ساهم في انتشار مختلف منتوجات التأمين، بما في ذلك تلك التي ليس لها طابع الإجبارية. لكن مع توسع قاعدة المؤمنين، فإن شركات تعمد إلى تشديد شروط التعويض وتمدد لائحة الوثائق المطلوب الإدلاء بها، بما في ذلك تلك التي تتضمن معطيات شخصية، خاصة في مجال التأمين الصحي. يتفاجأ عدد من المؤمنين، خلال تقديمهم لملفاتهم الطبية من أجل التعويض، بأن شركات التأمين تطالب المنخرطين في خدماتها بعدد من الوثائق التي تدخل، في بعض الأحيان، في إطار المعطيات الشخصية، مثل المطالبة بتقديم تقرير النتائج المخبرية، التي لا يمكن أن يطلع عليها إلا الطبيب المعالج الذي لا يمكن أن يكشف عن محتوياتها إلا للمعني بالأمر تحت طائلة إفشاء أسرار مهنية. لكن شركات التأمين تطالب بهذه النتائج وتمتنع عن أداء التعويض إلا عندما تتوصل بهذه النتائج، وذلك دون أي احتياطات من أجل ضمان السر المهني المفروض من قبل القانون في مثل هذه الحالات. ورغم أن عددا من المتضررين ممن رفضت شركات تأمينهم تعويضهم بدعوى عدم توصلها بالنتائج المخبرية تقدموا بشكايات لتمكينهم من تعويضاتهم، إلا أن الشركات تتشبث بمطالبها وشروطها. وخصص قانون حماية المعطيات الشخصية بابا للمقتضيات الزجرية، التي تتوزع بين الإجراءات ذات الطابع الإداري وأخرى تتخذ طابعا جنائيا، حسب خطورة المخالفات، إذ يمكن أن تصل العقوبات إلى سنتين حبسا وغرامة بقيمة 300 ألف درهم، بالنسبة إلى الجهة التي تعالج المعطيات الشخصية دون الموافقة الصريحة للأشخاص المعنيين. وتضع هذه المقتضيات القانونية شركات التأمين أمام المساءلة، خاصة أنها تصر على معالجة معطيات شخصية دون رغبة وتصريح مكتوب من قبل المعنيين بها، خاصة إذا كانت هذه المعطيات تتعلق بمعلومات عن صحتهم أو أصولهم العرقية أو الإثنية، أو آرائهم السياسية أو الفلسفية أو الدينية، أو انتماءاتهم النقابية. وهكذا، فإن ربط شركات التأمين تعويض أداء المؤمنين بموافاتها بنتائج التحليلات الطبية، إذا كان ملف الطلب يتضمن تكاليف تحليلات طبية، يدخل في هذا المنع، ما دام المؤمنون يرفضون أن يطلع على فحوصاتهم أشخاص آخرون غير الطبيب المعالج. ويتساءل أحد المتضررين لماذا الإصرار على تضمين الملف نتائج التحاليل المخبرية، ما دام المؤمن يقدم كل الفواتير المتعلقة بتكاليف العلاج؟ فالأمر يتعلق بالتحقق من أن المؤمن قد أدى بالفعل المبالغ وأن العلاجات والخدمات الصحية المتضمنة في الملف حقيقية. وتعتبر الفاتورة التي يقدمها المختبر كافية لإثبات أن المؤمن قد أجرى التحاليل المتضمنة في الملف. والغريب في الأمر أن الشركة لا تقدم أي ضمانة أن المعلومات المتضمنة في نتائج التحليلات الطبية لن يطلع عليها الأغيار. اعتبر رئيس جمعية لحماية حقوق المستهلك، أن المطالبة بنتائج التحليلات المختبرية تدخل في إطار المعطيات ذات الطابع الشخصي، وأن أي استعمال لها يتعين أن يكون مؤطرا بمقتضى القانون، وأن يخضع للضوابط القانونية المعمول بها في هذا المجال. وأشار إلى أنه يتعين أن تكون شركات التأمين متوفرة على رخصة لذلك ومتقدمة بتصريح اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، وذلك وفق القانون رقم 09-08، المتعلق بحماية المعطيات الشخصية. لكن شركات التأمين لا تولي الأمر أهمية كبرى وتتشبث بمطالبها وتحرم كل المؤمنين الذين يرفضون تقديم المعطيات المطلوبة من التعويضات المستحقة لهم. وأوصى رئيس الجمعية المتضررين باللجوء إلى هيأة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، إذا أصرت شركات التأمين على المطالبة بنتائج التحليلات المختبرية، لأنه لا يمكن أن يطلع عليها سوى الطبيب المعالج الذي يظل محكوما بإجبارية السر المهني وعدم الإفصاح عن محتويات الوثائق الطبية للمريض للأغيار. كما أنه يمكن اللجوء إلى اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية للتأكد من أحقية هذه الشركات في معالجة هذا الصنف من المعطيات. واستبعد المسؤول بجمعية حماية المستهلك أن تكون الشركات حاصلة على ترخيص من اللجنة، لأن طلبها لا يهم معالجة المعطيات، بل يتعلق بإثبات المصاريف، علما أن هناك وسائل أخرى للإثبات. شكايات أفادت مصادر "الصباح" أن اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية استقبلت 1437 شكاية تهم عدم احترام مقتضيات حماية المعطيات الشخصية، منها 415 شكاية تم التوصل بها، خلال السنة الماضية، وتم وضع 73 شكاية عن طريق عون قضائي. وأرسلت اللجنة 52 إشعارا للجهات المخلة بقانون حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، وعمدت إلى حجز أجهزة معلوماتية تستعمل في جمع ومعالجة المعطيات الشخصية، بعدما تبين أن المؤسسة المعنية لا تحترم الضوابط المعمول بها في هذا المجال. وأكد العديد من الخبراء أن المطالبة بوثائق تهم الحالة الصحية للمؤمنين تعد مسا بالحياة الخاصة للمواطنين، إلا إذا كان هناك ترخيص لذلك، ويضمن القانون الحق للمعني بهذه الوثائق الاطلاع على كيفية معالجتها والتدخل لمعرفة مصير معطياته الشخصية. عبد الواحد كنفاوي

التأمين الصحي… التعويض مقابل كشف “العورة”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جامعة المستهلك تحذر من عواقب الغلاء

اختلالات تهدد السوق الأسبوعي بسيدي بنور

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات