“تعويم” الدرهم… تفاصيل الإصلاح

معطيات خاصة حول المتدخلين والعوامل المتحكمة في تحديد سعر الدرهم والانعكاسات المحتملة ما زال قرار الانتقال التدريجي من نظام الصرف الثابت للدرهم إلى نظام الصرف المرن يثير العديد من النقاشات حول جدوى هذا الإصلاح والانعكاسات المحتملة على الاقتصاد الوطني وعلى الأفراد. ويتيه المرء بين كثرة التحليلات والمصطلحات التقنية التي يتم تداولها، بالنظر إلى أن الأمر يتعلق بمجال تقني ظل مغيبا عن النقاش العام لسنوات. لكن النقاش الجاري، حاليا، جعل العديد من المواطنين يتبادلون أطراف الحديث حول نظام الصرف وتعويم الدرهم حتى أصبح الأمر موضوع تنكيت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. وتكاد أغلب التعليقات تجزم بأن تنفيذ الإصلاح ستكون له انعكاسات سلبية على القدرة الشرائية للمواطنين، باعتبار أن تحرير الدرهم سيؤدي، بشكل تلقائي، إلى انخفاض في قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية وسينتج عن ذلك ارتفاع في أسعار المواد المستوردة والمواد المصنعة محليا بمواد أولية مستوردة، كما سترتفع المديونية بالمغرب إلى مستويات مقلقة. وأصبحت هذه القناعة هي السائدة في وسائل الاتصال وتواجه كل الآراء المخالفة أو الداعمة إلى توجيه التحرير التدريجي للدرهم بالشك والريبة. والملاحظ، من خلال تتبع مختلف التعليقات، أن أغلب الآراء غير مبنية على معلومات دقيقة ودراية تامة بالمجال، بل مجرد انطباعات. لذا تحاول «الصباح» تقريب قرائها من هذا الميدان التقني، من خلال تبسيط مفاهيمه وآلياته وتسليط الضوء على طرق اشتغاله. يتوفر كل بلد على عملة وطنية تسك من أجل استخدامها في المعاملات التجارية والمبادلات الاقتصادية بين مختلف مواطني البلد. لكن عندما يتعلق الأمر بالمبادلات التجارية والاقتصادية الخارجية، فإن العملة الوطنية لا يمكن أن توظف وسيلة للأداء، لأن العملة أحد مكونات السيادة الوطنية، وكل بلد يفرض أداء التعاملات داخل رقعته الجغرافية بعملته الوطنية. لذا يكون من الضروري على أي بلد التوفر على مخزون من العملات الأجنبية للاستجابة إلى طلبات مواطنيه عليها الراغبين في إنجاز معاملات مع الخارج. لكن من أين يحصل البلد على العملات الأجنبية؟ كما أن هناك مغاربة يتعاملون مع الخارج، هناك أجانب تربطهم علاقات تجارية واقتصادية مع المغرب ويحتاجون إلى استيراد منتوجات أو خدمات شركات مغربية، ويؤدون مقابل ذلك بالعملات الأجنبية، وهناك مستثمرون أجانب يقررون الاستثمار في المغرب فيجلبون معهم العملات الأجنبية، كما أن هناك مغاربة مقيمين بالخارج يحولون مبالغ بالعملات الأجنبية نحو المغرب ويستقبل المغرب سنويا سياحا أجانب يجلبون العملات الأجنبية، إضافة إلى أن حكومة البلد تلجأ إلى السوق المالي الدولي للحصول على قروض بالعملات الأجنبية وهكذا يتشكل مخزون بالعملات الأجنبية، يظل جزء منه في البنوك، لكن القسط الأكبر يخزن بالبنك المركزي الممثل، في حالة المغرب، ببنك المغرب. بالمقابل، هناك مقاولات مغربية تستورد مواد أولية وتجهيزات ومواد نصف مصنعة لتغطية احتياجاتها لتصنيع منتوجاتها أو توفير خدماتها، فتطلب من بنكها توفير المبلغ، الذي يلجأ في حال نفاد مخزونه إلى بنك المغرب لتلبية طلب زبونه، وعلى غرار السياح الذين يفدون إلى المغرب، هناك مغاربة يرغبون في السفر إلى بلدان أجنبية إما للسياحة أو في زيارات أعمال أو يتوجهون لإتمام الشعائر الدينية بالمملكة العربية السعودية، فيحتاجون إلى العملات الأجنبية، كما أن المستثمرين الأجانب بالمغرب يرغبون في تحويل الأرباح الناتجة عن استثماراتهم إلى بلدانهم الأصلية فيضطرون إلى تحويل الدرهم إلى العملات الأجنبية. ويؤدي المغرب قيمة القروض التي استفاد منها من الخارج وفوائدها بالعملات الأجنبية. كل هذه العمليات تؤدي إلى خروج العملات الأجنبية من المغرب، مقلصة بذلك موجودات المغرب من العملات الأجنبية. المتدخلون كيف يتم تحديد سعر الدرهم مقابل العملات الأجنبية الذي على أساسه يتم تحويل العملات الأجنبية إلى الدرهم أو العكس؟ سؤال يطرحه الكثيرون. ويتعين، للإجابة عنه، معرفة الجهات التي تتدخل في مجال الصرف والعلاقات في ما بينها. هناك ثلاثة فاعلين أساسيين في تحديد سياسة الصرف وتنفيذها والتشريعات الخاصة بهذا المجال. ويتعلق الأمر بوزارة الاقتصاد والمالية المخول لها وحدها إقرار سياسة الصرف، التي تتضمن تحديد نظام الصرف (ثابت أو مرن) ومعدل الصرف، ويتولى بنك المغرب تنفيذ سياسة الحكومة وتتبع تطور العملات التي ترتبط بها العملة الوطنية من أجل تحديد سعر صرف الدرهم مقابل هذه العملات. ويتدخل مكتب الصرف في مجال تشريع الصرف، إذ يسهر على إعداد مجموع القوانين والدوريات التي تتعلق بالولوج إلى العملات الأجنبية، وكل ما يتعلق بالتدفقات المالية بين المغرب والخارج. كيف يتم تحديد سعر صرف الدرهم؟ تحدد الحكومة، ممثلة في وزارة الاقتصاد والمالية، نظام الصرف، وقد اختار المغرب العمل بنظام سعر الصرف الثابت مع ربط تحديد قيمة الدرهم بتطور قيمة العملات المرجعية المشكلة لسلة العملات المعتمدة، التي تتضمن، في حالة المغرب، عملتين أجنبيتين هما الدولار الأمريكي والأورو، العملة الأوربية الموحدة، وتتشكل هذه السلة من 60 % من العملة الأوربية الموحدة و 40 % من الدولار الأمريكي، ويتم تحديد هذه التناسبية بناء على المبادلات الخارجية للمغرب، إذ أن نسبة الأورو داخل هذه الثنائية النقدية كانت تصل في السابق إلى 80 % بفعل أن التعاملات المغربية كانت تتم بنسبة كبيرة مع البلدان الأوربية، قبل أن تنخفض هذه النسبة إلى 60 % بعد تنويع المغرب لتعاملاته الخارجية، لترتفع حصة الدولار الأمريكي إلى 40 %. وهكذا، إذا ارتفعت قيمة الدولار مقابل الأورو، فإن قيمة الدرهم المغربي تنخفض مقارنة مع الدولار، في حين ترتفع قيمته تجاه العملة الأوربية الموحدة. تتولى وزارة الاقتصاد والمالية، أيضا، تحديد معدل الصرف، أي سعر الدرهم بالعملات الأجنبية، لكن بتعاون وتنسيق مع بنك المغرب، الذي يتولى تنفيذ سياسة الصرف المحددة من قبل الحكومة. وإذا كان القانون يخول للحكومة تحديد سياسة الصرف، فإن بنك المغرب يلعب دور مستشارها في مجال الصرف باعتبار أنه يتابع بشكل يومي تغيرات أسعار الصرف في أسواق العملة العالمية. وهكذا يتابع بنك المغرب، بشكل يومي الأسواق، ويعمل على تحديد السعر المناسب للدرهم بناء على تطور العملات الأجنبية، خاصة الدولار والأورو. ويتم تحويل العملة الوطنية إلى عملات أجنبية بناء على السعر الذي يحدده بنك المغرب في إطار تنفيذ الأنظمة المعمول بها يقصد بنظام الصرف مجموع القواعد المعتمدة في بلد معين التي تحدد كيفية تدخل السلطات المالية لتحديد قيمة العملة المحلية والسلطات المخولة لها لضبط حركات التدفقات المالية بين بلد معين ومحيطه الخارجي. وتوجد عبر العالم نظم صرف متعددة يصنفها الخبراء الماليون في قسمين أساسيين، نظم ثابتة وأخرى معومة. ويصنف نظام الصرف على أنه ثابت عندما يكون تحديد قيمة العملة المحلية مبنيا على أساس تطور عملة أجنبية، أو سلة من العملات الأجنبية، إذ تحدد وزارة الاقتصاد والمالية، بعد أخذ رأي البنك المركزي، سعر صرف العملة الوطنية بهذه العملات، ويتدخل بنك المغرب، في إطار تنفيذ السياسة الحكومية في مجال الصرف، للحفاظ على هذه القيمة، إذ كلما ابتعد سعر صرف عن المستوى المحدد سلفا، يتدخل من خلال اقتناء العملة الوطنية إذا انخفضت قيمتها وبيعها إذا سجلت ارتفاعا مقارنة بسعر الصرف المحدد سلفا. بالمقابل، لا يكون هناك أي التزام من قبل البنك المركزي، في نظم الصرف المعومة، إذ أن سعر العملة الوطنية يحدد عن طريق العرض والطلب، فكلما زاد الطلب على العملة المحلية ترتفع قيمتها، وتنخفض إذا ارتفع الطلب على العملات الأجنبية، ولا يتدخل البنك المركزي في تحديد السعر، بل يظل سوق الصرف هو المحدد من خلال قانون العرض والطلب. ويتضمن القسمان عددا من النظم المتدرجة. يتميز نظام الصرف الثابت، المعمول به حاليا بالمغرب، بأنه يمثل آلية من الآليات الفعالة للحفاظ على معدل التضخم في مستويات دنيا، لكنه يجعل البنك المركزي ملزما بتوفير العملة الصعبة كلما ارتفع الطلب عليها والحفاظ على معدل الصرف المحدد سلفا. غير أن استمرارية هذا النظام تتطلب التوفر على احتياطي نقدي من العملة الصعبة في المستويات المطلوبة لمواجهة أي طلبات إضافية على العملات الأجنبية. التحرير التدريجي ومخاطر الصرف رغم أن المغرب يعتمد سعر الصرف الثابت، حاليا، فإن السلطات المسؤولة عن تنفيذ سياسة الصرف تسمح بتغير سعر صرف الدرهم داخل شريط في حدود 0.6 % من القيمة المحددة، أي يمكن أن يرتفع بنسبة 0.3 % أو ينخفض بالنسبة ذاتها. وهكذا، فإن المصدرين والمستوردين يظلون معرضين إلى مخاطر تقلب معدلات الصرف في هذه الحدود. لذا، فإن مكتب الصرف يتيح للبنوك تقديم منتوجات مالية للمصدرين والمستوردين من أجل تغطية مخاطر تقلبات الصرف، إذ يمكن لهذه الفئات التوجه إلى بنوكها وحجز مبلغ معين من العملات الأجنبية بسعر صرف قار على أن يتم استعمال هذه المبالغ لاحقا. وتلزم تشريعات الصرف أن تكون مرتبطة بعمليات تجارية أو مالية مع الخارج، إذ أن تشريعات الصرف تمنع المتاجرة بالعملات الأجنبية، وذك تفاديا لأي عمليات مضاربة. ويباشر مكتب الصرف وبنك المغرب مراقبة دقيقة للبنوك من أجل التأكد من أن عمليات تغطية مخاطر الصرف استخدمت في عمليات حقيقية مع الخارج. سترتفع مخاطر الصرف أكثر عند دخول إصلاح نظام الصرف حيز التنفيذ، إذ سيتم توسيع شريط تغير الدرهم إلى 5 %، بدل 0.6 %، حاليا، أي أن قيمة الدرهم يمكن أن ترتفع بنسبة 2.5 % عن السعر المحدد أو تنخفض بالنسبة ذاتها. وسيؤدي اتساع هامش تذبذب سعر صرف الدرهم إلى مخاطر أكبر بالنسبة إلى المصدرين والمستوردين. فإذا افترضنا أن مستوردا اتفق مع ممون أجنبي لتوريد بضائع بقيمة مليون درهم على أن يتم الأداء بعد ستة أشهر بالعملة الأوربية الموحدة الأورو، وانخفض الدرهم، في إطار نظام الصرف الحالي، بناقص 0.3 %، سيكون عليه أداء مبلغ إضافي بقيمة 3 آلاف درهم. لكنه سيدفع، في ظل النظام الجديد، مبلغا إضافيا بقيمة 25 ألف درهم. والأمر نفسه ينطبق على المصدر إذا ارتفع الدرهم مقابل الأورو. لكن سيظل بنك المغرب يتدخل، دائما، في إطار التحرير التدريجي لنظام الصرف، وذلك إلى غاية التحرير الكامل لسعر صرف الدرهم، عندها ستصبح قيمة الدرهم تحدد بناء على قانون العرض والطلب، أي إذا ارتفع الطلب على الدرهم، فإن قيمته سترتفع مقارنة مع العملات الأجنبية، وإذا انخفض، فإن قيمته ستنخفض. عبد الواحد كنفاوي

“تعويم” الدرهم… تفاصيل الإصلاح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مافيا العقار تفقد سلاح الوكالات

القبطان أديب يجر 13 صحافيا إلى التحقيق

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات