أعين بعض الذين كانوا على متن القطار القادم من القنيطرة والمتوجه إلى البيضاء الميناء، تلاحقها. فضولهم جعلهم يمعنون فيها النظر، ويطرحون أسئلة كثيرة دون أن يجدوا لها أجوية. بعضهم همس "الله يستر"، فيما البعض الآخر قال بصوت خافت "الله يشافيها"، وفي كلتا الحالتين، كان التوتر يظهر عليها بشكل كبير. إنها بشرى شابة في الثلاثينات من عمرها، تتخبط في معاناة حقيقية بسبب المرض الذي تعانيه، والذي يسبب لها إحراجا كبيرا، ويجعلها تقوم بحركات لا إرادية، تثير الانتباه إليها. تحرك بشرى كتفها الأيمن، وتارة أخرى الأيسر، وطورا تلف رأسها في جميع الاتجاهات وتحك رقبتها. كل تلك الحركات فهي لا إرادية، ولا تعلم بشرى كيف تقوم بها، كما أنها لا تدرك في أحيان كثيرة أنها قامت بها في الأصل. تجلس في المقعد القريب من نافذة القطار، محاولة تجاهل الأعين التي تراقبها، وفجأة تخرج كتابا من حقيبتها تشرع في تصفحه، لكن سرعة حركاتها اللا إرادية، اشتدت بشكل ملفت، ولا تختفي حتى تغمض جفنيها في انتظار وصول القطار إلى المحطة. تعد بشرى واحدة من المرضى الذين يعانون "حركات اللزمات العصبية"، وهو المرض الذي يكلفها كثيرا، ويجعلها تعيش في عزلة، لم تخترها، إنما فرضت عليها. يلاحظ مستعملو القطار، الذي تقله بشرى يوميا من الرباط، بحكم اشتغالها بالبيضاء، أنها نادرا ما تتحدث مع أحد المسافرين، أو تبادلهم السلام، مشيرين إلى أنها تفضل البقاء بعيدا عن الأعين، وذلك، ربما بسب الحركات التي تقوم بها بشكل لا إرادي، والتي تسبب لها إحراجا كبيرا، يظهر عليها، كلما لاحظت أحدهم ينظر إليها. إنها معاناة كثيرة تتخبط فيها بشرى، سيما أن فئة عريضة من المجتمع لا تتفهم مرضها، ومن الناس من يصفها بـ" الحمقا". إيمان رضيف