نوع من الهروب السياسي

3 أسئلة <نحت «البيجيديون» مصطلح «التحكم» في المشهد الحزبي والمؤسساتي، هل يوجد رديف له بالعودة إلى العقود الماضية؟< عادة ما كان ينجح القادة السياسيون في خلق قاموس سياسي مناسب للمرحلة، إذ لا ننسى أن الزعيم الاستقلالي امحمد بوستة، تحدث عن «الحكومة المخدومة» والانتخابات «المخدومة» التي تمنح للبعض فوزا لا يستحقه على حساب آخرين يستحقونه، وكذا القائد الاتحادي محمد اليازغي، الذي نحت مصطلح «الحزب السري» المتحكم في الحياة الحزبية، والزعيم التاريخي عبد الرحمان اليوسفي، الذي شدد على وجود «جيوب مقاومة التغيير» المناهضة للإصلاحات التي أراد تطبيقها.ومنذ 2007 بدأت ملامح مصطلح التحكم تفرض نفسها، خصوصا بعد ورود هذا المفهوم وفق تسريبات «ويكيليكس» ضمن برقية للسفارة الأمريكية في 24 غشت في 2009 بشأن موضوع إصلاح القضاء المغربي.والمثير في مفهوم «التحكم» غموضه واستعمالاته المتعددة، فالتحكم أصبح بدون هوية، تستعمله الحكومة والمعارضة على حد سواء، واليساري والإسلامي، وأحزاب الحركة الوطنية، والأحزاب التي يطلق عليها الإدارية، المشاركة من داخل المؤسسات والمعارضة من خارجها.كما أصبحت للتحكم استعمالات متعددة، فهناك من يوظفه في الخطاب السياسي، لتوجيه رسائل غير مباشرة للدولة، وهو في هذه الحالة قريب من مصطلح «المخزن» الذي تم تداوله بشكل كبير خلال القرن الماضي. وهناك من يستعمل «التحكم» للتنفيس السياسي، جراء الضغوطات التي يتعرض لها الفاعلون السياسيون من جهات متعددة لدفعهم لاحترام قواعد اللعبة السياسية الظاهرة منها والمسكوت عنها.وهناك من وجد في مصطلح «التحكم» ورقة رابحة لتصدير معركة تنظيمية داخلية للعديد من القادة السياسيين الذين يلجؤون لهذا المصطلح السحري لإخماد وتصفية أي حركة تصحيحية في صفوف أحزابهم ونقابتهم، وجمعياتهم، لنزع الشرعية عن المنافسين أو المعارضين الداخليين. < تجاوز مصطلح التحكم المجال السياسي، وبدأنا نسمع التحكم الإعلامي والاقتصادي والبرلماني والتحكم الأمني، هل هذا يعني انسداد أفق التعبير، أم هروب من المواجهة؟< بطبيعة الحال، شكلت كثافة استعمال مصطلح «التحكم» نوعا من الهروب السياسي، وخلقت نوعا من الاستسهال في تحليل المواقف والسياسات العمومية، إذ بدل أن تدافع الحكومة عن سياساتها العمومية في جميع القطاعات التي تدبرها، أو تنتقد المعارضة السياسات الحكومية المطبقة، واقتراح البدائل، وجدت الأطراف في مفهوم التحكم مآربها السياسية الذي تغطي بها عجز أدائها. < لماذا لا يسمي الساسة الذين يتحدثون في كل شيء، الأشياء بمسمياتها ويحددون من يمارس التحكم؟< من خلال قراءة خطاب قادة الأحزاب، يصعب تحديد الأطراف والمصادر التي تمارس التحكم، فهو لا يعني بالضرورة الأجهزة التي تمتلك احتكار وسائل العنف المشروع مثل وزارة الداخلية، ولم يصل إلى حد المس بالرموز الدستورية. وبكل بساطة، ليست هناك جرأة لتسمية الأمور، وأصبح الحديث بالإشارات، وما توفره اللغة من استعارة مثل الحديث عن حزب التحكم، وحكومة التحكم. وهناك إمكانية لإنهاء مصطلح التحكم في القاموس السياسي، وتعويضه في المستقبل بمفاهيم جديدة تستجيب لسياقات سياسية أخرى، لكن من الصعب القضاء على مفاهيم التحكم، إذا كانت تعني الاستبداد، واستقلالية القرار الحزبي أو الحكومي، إذ أن مثل هذه القضايا ستبقى قائمة في الممارسة السياسية، حتى لو تغيرت الأطراف الموجودة.أجرى الحوار: أحمد الأرقام * خبير في العلوم السياسية والقانون الدستوري

نوع من الهروب السياسي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"بيجيدي" يستبيح حرمة "الشؤون الداخلية"

"لارام" تغير رحلة مشجعي الوداد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات