قبضـة حديديـة كسـرت الطاولـة

لم ينتبه أحد، منتصف شتنبر الماضي، إلى «المنشورات الصغيرة» التي كان يتداولها طلبة اجتازوا بنجاح امتحانات الولوج إلى المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، تضع تحت المجهر مرسومين اثنين صادقت عليهما الحكومة أياما قبل العطلة الصيفية الماضية، كما لم يعتقد الأساتذة أنفسهم، أن مجرد «هاشتاك» على مواقع التواصل الإجتماعي تحت اسم «لا للمرسومين المشؤومين» يمكن أن يحدث الحدث الوطني والدولي، بعد ثلاثة أشهر من إطلاقه.في هذا الوقت، كانت الحكومة منهمكة في إيجاد حلول سريعة لعودة آلاف الطلبة الأطباء إلى مدرجاتهم بعد مقاطعة للدروس والتداريب الاستشفائية والسريرية دامت زهاء أربعين يوما، كما كانت تستعد إلى معركة الأطباء الداخليين والمقيمين الذين ضموا أصواتهم إلى زملائهم الطلبة لإسقاط مشروع الخدمة المدنية الإجبارية.واعتقدت الحكومة ووزارة التربية الوطنية أن تنظيم وقفات احتجاجية داخل المراكز الجهوية للتكوين والتربية مجرد "نسخة مقلدة" لاحتجاجات الطلبة الأطباء سرعان ما ستخبو بتسوية ملف الخدمة المدنية، فتعالت عليها، وتعاملت معها بكثير من الاستخفاف، ولم يستفق المسؤولون المركزيون من غفوتهم، حتى سمعوا أصداء الشعارات تخترق شوارع العاصمة في 12 نونبر الماضي، في مسيرة عارمة شارك فيها أزيد من 9 آلاف أستاذ وعائلاتهم طالبوا بالإسقاط الفوري للمرسومين.وانتظرت الحكومة انعقاد مجلسها الحكومي بتاريخ 19 نونبر الماضي، لتخرج عن صمتها رسميا مؤكدة أن "الطلبة المتدربين"، كما تسميهم، الذين يتابعون دراستهم حاليا بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين، اجتازوا مباراة ولوج المراكز "وهم على علم مسبق بكل التعديلات التي طرأت على الإجراءات والمساطر والمقتضيات القانونية التي تؤطر التكوين والولوج للوظيفة العمومية بالنسبة للأساتذة مع الفصل بين التكوين والتوظيف". وحاول فريق بنكيران، الذي تفاجأ بحجم المشاركة في المسيرات الاحتجاجية، إقناع المغاربة أن معركة الأساتذة فارغة وغير ذات معنى، باعتبار أن الوزارة الوصية أصدرت بلاغا رسميا بتاريخ 25 يوليوز 2015 أخبرت بواسطته عامة المواطنين بفحوى هاذين المرسومين، وذلك فور المصادقة على تعديل المرسومين من قبل مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 23 يوليوز 2015.وزادت الحكومة أن المترشحين الناجحين وقعوا محاضر الالتحاق بمراكز التكوين بصفة "طالب متدرب" وليس بصفة أستاذ متدرب المعتمدة سابقا، وانطلقت الدراسة بصفة فعلية يوم 12 أكتوبر 2015، مذكرة في الوقت نفسه رفضها لكل تجاوز للضوابط القانونية التي تنظم سير المرافق العمومية، ودعت الطلبة إلى التحلي بروح الموضوعية والمسؤولية والعودة إلى مراكز التكوين لمواصلة تكوينهم للحصول على شهادة التأهيل التي ستتيح لهم إمكانية اجتياز مباراة التوظيف التي تعتبر الآلية الوحيدة للإدماج داخل أسلاك الوظيفة العمومية.هذا الموقف الحكومي، الذي ظل بنكيران والخلفي وبلمختار يرددونه في جميع المناسبات، لم يزد الوقفات الاحتجاجية للأساتذة الطلبة إلا توهجا، إذ دعا هؤلاء إلى اجتماعات عاجلة لمجالس التنسيق في المراكز الجهوية بمجموع أكاديميات ونيابات المملكة، وسطروا برنامجا تصعيديا بعدد من المحاور، كما كثفوا نشاطهم بمواقع التواصل الاجتماعي لاستقطاب أكبر عدد من المتعاطفين مع قضيتهم، بإلغاء المرسومين الوزاريين شرطا وحيدا للعودة إلى مدرجات التكوين.في منتصف دجنبر الماضي، أحست الحكومة أن زمام الأمور بدأت تفلت منها بالفعل، بعد توالي الوقفات والمسيرات الغاضبة لأساتذة الغد، فواجهتهم، في عدد من المحطات، بقسوة كبيرة، عبر تدخلات أمنية متحكم فيها، كانت تهدف إلى إحداث "ألم" في منطقة معينة لثني الطلبة عن الاحتجاج والعودة إلى جادة الصواب.في لحظة التشنج الكبرى، والإحساس ب "الحكرة"، كان "طبيعيا" أن تتدخل أطراف أخرى لملء الفراغ وضم الأساتذة المتدربين إلى الأحضان، بحنان منقطع النظير، دون أن يدرك هؤلاء أن معركتهم النضالية مع الحكومة يمكن أن تتحول في أي لحظة إلى جبهة صراع سياسي يلعبون فيها دور "الحطب" فقط كما وقع خلال الخميس الأسود بالدار البيضاء وإنزكان.يوسف الساكت

قبضـة حديديـة كسـرت الطاولـة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الرميد يعد بفتح تحقيق في أحداث إنزكان

الأساتذة المتدربون... أحصنة طروادة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات