محطة معالجة وقناة تصريف بحرية لـ"ليدك" تنهي تلوث الشاطئ بين المحمدية وميناء البيضاء تمكنت البيضاء أخيرا، من بلوغ رهان معالجة 100 في المائة من مياهها العادمة قبل تصريفها في البحر، بتشغيل محطة في سيدي البرنوصي، سرعت الغضبة الملكية الشهيرة في البرلمان من إنجازها، ليصير ممكنا، منذ اليوم، السباحة في الشواطئ الممتدة من مسجد الحسن الثاني إلى المحمدية، دون التعرض لمخاطر التسمم في أفق تحويل الشريط إلى منتجع شاطئي. إنجاز: امحمد خيي، تصوير: (عبد الحق خليفة) "لقد خطت البيضاء مسافة كبيرة نحو استعادة ساحلها الشرقي، الممتد من مسجد الحسن الثاني إلى ميناء المحمدية"، هي خلاصة، الإعلان عن تشغيل "أوسيان"، محطة المعالجة القبلية للمياه العادمة للساحل الشرقي، المشيدة في منطقة البرنوصي."نؤكد لكم، أن السباحة في الشاطئ، الآن، لا تنطوي على أي مخاطر، لأن تحاليل المياه، التي أجريت أسابيع قليلة بعد التشغيل، انتقلت جودتها من الصنف ألف إلى الفئة سي"، يجزم حميد المصباحي، مدير المشاريع الكبرى بشركة "ليدك"، المفوض لها تدبير قطاع الماء والتطهير في البيضاء. ثمرة غضبة ملكيةلا يجد، جان باسكال داريي، مدير عام "ليدك"، حرجا في الاعتراف، أن المحطة الجديدة للمعالجة القبلية، خرجت إلى الوجود بسرعة قياسية، تبعا للخطاب الملكي أمام البرلمان، في أكتوبر 2013، والذي عبر فيه الملك محمد السادس، عن عدم رضاه، عن أحوال البيضاء.ويشير المتحدث تحديدا، إلى تشخيص جلالة الملك، في خطاب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان قبل سنتين، لاختلالات مجال التطهير في البيضاء، والذي تعكسه، "على الخصوص، نسبة تصفية المياه المستعملة، التي تبقى ضعيفة جدا، إذ لا تتجاوز 45 بالمائة بالدار البيضاء"، يقول جلالة الملك، في وقت "تم الإعلان عن التطهير الكامل لمدن الرباط وفاس ومراكش بنسبة بلغت 100 بالمائة".ومنذ ذلك، الحين، يكشف، مسؤولو "ليدك"، تقرر التركيز على إخراج المشروع، إلى الوجود، لبلوغ نسبة 100 في المائة في 2015، في وقت كان يشير فيه عقد التدبير المفوض للقطاع، الذي يربط بين الشركة ومجلس المدينة، أن يكون ذلك ما بين الفترة من 2012 إلى 2017.إن المشروع إذن، ثمرة الغضبة الملكية، بشكل أساسي، وبسببها، تجندت الشركة لتوفير حقيبة مالية من مليار درهم، ووفر صندوق التجهيز التابع للسلطة التي فوضت تدبير الماء والتطهير لـ"ليدك"، الباقي، ليكون مجموع الغلاف المخصص لإنجاز المشروع، مليارا و450 مليون درهم.وفي 13 ماي الماضي، قادت زيارة رسمية الملك محمد السادس، إلى الموقع، ليقوم بافتتاح المشروع، الذي تعتبره شركة "ليدك"، إنجازها الأضخم، طيلة مدة وجودها في البيضاء، والتي تبتدئ من 1997.وقبل افتتاح المحطة، التي جالت "الصباح" في أركانها أول أمس (الخميس)، كان الشريط الساحلي الغربي، الممتد من دار بوعزة إلى مسجد الحسن الثاني، وحده، تسلم مياهه من التلوث بالمياه العادمة، بفضل محطة المعالجة الموجودة في شاطئ العنق.أما الشريط الساحلي الشرقي، ويصل طوله إلى حوالي 30 كيلومترا، انطلاقا من ميناء البيضاء إلى المحمدية، وهي منطقة تتركز فيها الأنشطة الاقتصادية الأخطر على البيئة، فقد كانت المياه العادمة، تتدفق فيه مباشرة على مستوى تسع نقط، دون معالجتها من النفايات والزيوت والشحوم والرمال.لقد كان الوضع الموصوف، مستمرا لسنوات طويلة، فحرمت البيضاء وسكانها، من شاطئ ممتد، صار خرابا، تحيط به الأوساخ وتعد مياهه سامة، وفرت منه الأحياء البحرية، ويتنفس السائر فيه روائح كريهة جدا.وكان يحدث ذلك، في وقت لا يتطلب تفاديه، سوى محطة للمعالجة الميكانيكية للمياه العادمة، وقناة تقذف بالمياه المعالجة في قعر البحر، لتتولى التيارات البحرية والملوحة العالية، تعقيمها بيولوجيا كأنها لم تكن يوما عادمة. المعالجة القبلية"يجب أن تتغير الكيلومترات الـ24 التي تفصل المحمدية عن الدار البيضاء"، كان هو الهدف، وأول خطوة لتحقيقه، هي إنشاء "نظام محاربة تلوث الساحل الشرقي"، الذي "انطلق فيه العمل في 2011، لمعالجة 55 في المائة من المياه العادمة".ويحكي حميد المصباحي، مدير المشاريع الكبرى في "ليدك"، أن الإنجاز، تطلب مجهودا مضاعفا، واعترضته عثرات، أهمها المساطر الإدارية المعقدة قبل الحصول على الوعاء العقاري، زيادة على تحديات السلامة أثناء الأشغال، سيما بعد اكتشاف مرور قنوات للغاز في المنطقة، ووجود أنفاق سرية قديمة تحت الأرض، دون علم أحد."وللتغلب على ذلك، تم تقسيم المشروع إلى 10 أجزاء، ولكل جزء ورشه ومقاولاته، ليصل مجموع المتدخلين المباشرين إلى 28 مقاولة، ضمنها 19 مغربية، و100 مقاولة للمناولة، بشكل غير مباشر"، تشير وثائق خاصة بنظام محاربة التلوث بالساحل الشرقي.وخرجت المحطة إلى الوجود في ظرف 19 شهرا، بتعبئة التكنولوجيا الحديثة، ممثلة في آليات الحفر الدقيقة، التي تشكل الأنفاق والسراديب، تحت الطرق والسكك الحديدة بسرعة ودون التأثير على السير العادي للحياة ووسائل النقل. وفي النهاية، صار للبيضاء، نظام لمحاربة التلوث، يعمل على ثلاث مراحل، "يقوم بداية بالتقاط المياه العادمة عبر قنوات، الأولى تأتي بالمياه من المحمدية وعين حرودة وزناتة والمنصورية.والثانية من الميناء وعين السبع والصخور السوداء والحي المحمدي ومولاي رشيد، لتلتقي في محطة سيدي البرنوصي، حيث تجتمع مع مياه سيدي مومن وأهل الغلام وتيط مليل، ليشرع في معالجتها".وتبدأ تلك المعالجة، كما يشرح ذلك لـ"الصباح"، يوسف التازي، مدير المشروع، بتهدئة سرعة تدفق المياه العادمة، في سراديب تحت الأرض على مستوى المحطة، وعزل الهواء غير النقي منها.بعدها تتوجه المياه إلى حوض عزل النفايات الثقيلة، لتفرز عنها القناني والأثواب، وكل النفايات التي يبلغ قطرها 8 سنتمترات، ثم يقوم النظام بشفطها إلى الأعلى ليتم نقلها إلى المطرح العمومي.وتوجد غرف التهدئة وعزل النفايات الثقيلة وتصفية الهواء، على اليمين، عندما تلج إلى موقع المحطة، وتقابلها على اليسار، منشأة عزل الشحوم والزيوت والرمال، التي تصل إليها المياه العادمة، بعد أن تمر من حواجز عزل دقيقة من فئة 10 مليمترات، ليقوم النظام بعزلها عنها ويغسل الرمال، لتصل مرحلة الضخ نحو القناة البحرية. قناة نرويجيةبعد غسل الرمال، وتخليص المياه من النفايات الدقيقة التي لا يتجاوز حجمها 10 مليمترات، وتصفية الهواء من الروائح الكريهة عن طريق 36 محركا، وهي العمليات التي تتم في ظرف 13 دقيقة، تأتي مرحلة تصريفها."ويتم التصريف نحو البحر، على مسافة كيلومترين و200 متر من الشاطئ، عبر قناة بحرية، عبارة عن أنبوب طويل ممتد نحو البحر، حيث تتمكن التيارات المائية بشكل طبيعي من تشتيتها.ومجمل تلك العملية، يقوم به النظام عن طريق ست مضخات كبيرة، بصبيب 1.6 متر مكعب في الثانية لكل واحدة منها"، يشرح يوسف التازي، مدير المشروع.وتتكون القناة البحرية، من جزأين، واحد بالاسمنت المسلح، يغلف الثاني المصنوع من "البوليتيلين"، وتم صنعه لفائدة المحطة من قبل شركة في النرويج، وقطره 2.3 متر، وطوله 1153 مترا.وقبل أن يصل إلى المغرب، لتركيبه وتغليفه وتثبيته في عمق البحر، تم جره من تلك الدولة فوق سطح البحر بواسطة سفينة قاطرة، في رحلة استمرت 16 يوما.وتشير وثائق "ليدك"، إلى أن محطة سيدي البرنوصي، التي يعادل عمقها عمارة من ستة طوابق، استنفد إنجازها ما مجموعه 16 ألف طن من الخرسانة، وتطلبت الأشغال استخراج 100 ألف متر مكعب من الأتربة، وجرف 140 ألف متر مكعب من الرمال من عمق البحر. رواق "أوسيان" التربوي لا تقف مهام محطة "أوسيان"، عند التصفية القبلية للمياه العادمة وتصريفها في البحر، لكن أيضا، تعد منشأة بيداغوجية وتربوية خاصة بإنماء الوعي البيئي لدى الزوار والأجيال الصاعدة.ويأتي ذلك، عندما أقيم في الطابق الأول داخل محطة الاستغلال، ممر له نوافذ نحو غرف المعالجة، عبارة عن رواق اسمه "من قطرة الماء إلى المحيط".ويمنح الرواق معلومات عن طريق شاشات وبطائق ورسوم توضيحية، عن مسار قطرة المياه إلى معالجتها وتوزيعها ثم استعمالها فتصريفها في قنوات الصرف الصحي، انتهاء بمعالجتها من جديد قبل تصريفها في المحيط. العودة إلى البحر "انتهاء الأشغال وتشغيل النظام، يمس بشكل مباشر 2 مليون ونصف مليون من سكان البيضاء، الذين يعيشون بمنطقة الساحل الشرقي، لكن أبعاده، تحتكم إلى نظرة شمولية، لا تجعل منه مجرد منشآت فنية لمعالجة مياه عادمة مجموعها 250 ألف متر مكعب في اليوم".ذلك ما يقوله مسؤولو "ليدك"، على الأقل، حينما يشيرون في موسوعة خاصة حول المشروع، إلى أن "مشروع نظام محاربة تلوث الساحل الشرقي، يأخذ حجما أكثر، إذا تمت إعادة وضعه ضمن رؤية أكثر شمولية تقوم بمصالحة السكان مع بيئتهم".ويحدث ذلك، حينما يصبح الشاطئ "مكانا للحياة من جديد، بعد إحياء النظام البيئي الأرضي والبحري، وصار ممكنا التنزه فيه والاستجمام والسباحة"، وفي المستقبل القريب، سيتعزز ذلك بـ"بنيات تحتية للراحة والترفيه، حال تنفيذ مشروع تهيئة الطريق الشرقية الساحلية، لتتحول إلى شارع واسع مهيأ يتم تشجيره".ومن المؤكد، حسب أصحاب المشروع، أن النظام، خطوة كبيرة للبيضاء نحو إعادة تثمين ساحلها الشرقي، ليرفرف فيه اللواء الأزرق، وتزدهر فيه الأنشطة التجارية، المنعدمة الآن، لتبدو المسافة الممتدة من المحمدية إلى الميناء، منتجعا شاطئيا، ليبقى العنوان الكبير للمشروع: "كل ما كان يدير ظهره للبحر، سيقابله قريبا".