الناشط الحقوقي عصيد قال إن الفن يدخل ضمن القيم الجمالية وليس الأخلاقية قال أحمد عصيد إن التيار الإسلامي له حساسية كبيرة ضد سلطة الاستقطاب والتعبئة التي توفرها المهرجانات الفنية ومنها "موازين"، فهو (أي التيار) لا يقبل أن تكون هناك سلطة أخرى غير سلطة الدين مسيطرة على الجماهير ومستقطبة للجموع، وأضاف الكاتب والناشط الحقوقي أن الفن لا يمكن قياسه أو تقييمه بمعيار الأخلاق والزجر، لأن الفن مبني أساسا على الحرية وليس على الرقابة والوصاية. في كل سنة وبالتزامن مع مهرجان "موازين" يتجدد النقاش حول مشروعية استمرار هذا المهرجان، ومعه العديد من التظاهرات الفنية، من عدمه، في نظرك هل توجد خلفية إيديولوجية تتحكم في تجديد هذا النقاش؟ توجد خلفيات إيديولوجية مختلفة منها ما هو يساري، ومنها ما له علاقة بالتيار الإسلامي المحافظ، ومنها ما يتصل بالشباب العاطل والمستاء، فالتيار اليساري الراديكالي يعتبر المهرجانات سياسة رسمية هدفها إلهاء الجماهير عن الأزمات الداخلية، خاصة منها الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بخلق مناخ من المرح يعتبرونه مصطنعا وغير طبيعي، بينما ينحاز الإسلاميون إلى المقاربة الأخلاقوية المعتادة التي تعتبر المهرجانات فضاءات لارتكاب "الفواحش" والاختلاط بين الجنسين، وبالمقابل يركز العاطلون على فكرة "هدر المال العام"، معتبرين أن إنفاق الأموال الطائلة على فنانين أجانب في وقت تعرف فيه البلاد أزمة بطالة حادة وضعف فرص الشغل والاستثمار خيارا غير مقبول. وهو ما تردّ عليه السلطة بالقول إن ميزانية المهرجانات إنما تقوم بنسبة كبيرة على "السبونسورينغ" وتمويل الخواص. هل يتعلق الأمر بتقابل بين توجهين أحدهما أصولي محافظ والثاني حداثي منتصر للحياة والفن، أم أن الأمر أعمق من ذلك؟ في الواقع يوجد هذا التقابل بشكل من الأشكال، خاصة أن التيار الإسلامي له حساسية كبيرة ضد سلطة الاستقطاب والتعبئة، فهو لا يقبل أن تكون هناك سلطة أخرى غير سلطة الدين مسيطرة على الجماهير ومستقطبة للجموع، وهذا ما يفسر تركيزهم على المساجد، لكن الفن يمثل عبر العصور أحد أكبر آليات الاستقطاب لما يتضمنه من قوة التأثير الجمالي على النفوس خاصة الموسيقى والغناء، وهذا ما جعل الكثير من الفقهاء يحمون هذا الفن بسبب شعورهم بتأثيره الكبير، في الوقت الذي يسعون فيه إلى الاستفراد بقوة التأثير في الجمهور باستعمال العاطفة الدينية، ولهذا تواجه التيارات المتشددة مختلف الظواهر الفنية بعداء كبير. وفي الجانب الآخر يعتبر التيار الحداثي الفنون ومنها الغناء عامل تحرير للذهنيات وللنفوس، حيث تعتبر النغمة والإيقاع والكلمة الشعرية عناصر باعثة على تحرير الجسد وعلى تنمية عواطف التسامح بين البشر وطنيا ودوليا، ولهذا يعتبر هذا التيار الفن أداة هامة لمواجهة التطرف. هل يمكن أن نتحدث عن ازدواجية في تعامل الإسلاميين مع هذه التظاهرة؟ هو في الحقيقة توزيع أدوار وليس ازدواجية، فوزراء "بيجيدي" مضطرون إلى احترام واجب التحفظ الذي يفرضه عليهم المقام، وكذا وجود أحزاب أخرى مشاركة لهم في الحكومة بعيدة كل البعد عن أهداف التيار الإخواني وعن مساعي التشدد الديني، أما التيار الدعوي فهو ليس ملزما بالتحفظات التي يلزم بها الوزراء، ولهذا يترك أعضاء الحكومة من الإسلاميين مهمة معاكسة المظاهر الحداثية في الدولة للتيار الدعوي، بينما يتولون هم البحث عن منافذ إلى القوانين ليقحموا فيها مواقفهم السياسية التي تتميز برجعيتها وعدم مواكبتها للتحولات والمكتسبات الوطنية. وهذا لا يعني أن هؤلاء الوزراء لا يقعون في أخطاء تظهر من خلالها نواياهم الحقيقية، مثل حديث بنكيران عن النساء "الثريات" اللواتي يضئن البيوت، وحديث الرميد عن مراكش والسياح الذين يأتون لينشدوا "البعد عن الله"، وانتفاضة الشوباني ضد لباس إحدى الصحافيات، وتصريح بوليف بصدد الخطوط الحمراء التي ينبغي وضعها للإبداعات الفنية وغيرها.< ما رأيك في المسوغات والتبريرات التي تساق من أجل معارضة التظاهرات الفنية بالمغرب من قبيل "استهداف ثوابت الأمة" ومس الأخلاق أو إلهاء الشباب عن دراستهم خاصة أنها تتزامن مع موعد الامتحانات؟ من الأساليب المغالطة للإسلاميين حديثهم عن "ثوابت الأمة" كلما تعلق الأمر بالفن والأدب أو الفكر، وهم في الحقيقة إنما يقومون بتسييج مناطق نفوذهم، إذ يتحدثون في الواقع عن نمط التدين الإخواني المصري المستورد، بينما الحقيقة أن الفنون المغربية من تعدّ من ثوابت الأمة، وكذا الحق في الاستمتاع بالفنون وبالآداب وبالإبداعات الجمالية من كل نوع، والذي يدخل ضمن الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات، ولا يمكن هدر هذا الحق باستعمال عبارة "ثوابت الأمة"، أو تقاليد الجماعة أو غير ذلك من آليات الاستبداد التي استعملت في الدولة الدينية قرونا قبل الأزمنة الحديثة. ومن جانب آخر من الخطأ الحديث عن الفن بمعيار أخلاقي مثل استنكار مجيء فنان إلى المغرب لأنه "مثلي"، فالحياة الخاصة للفنانين ليست هي بالضرورة إبداعاتهم، وهذا ما غاب عن هؤلاء الإسلاميين فلم يفهموا مثلا لماذا حجّ عشرات الآلاف من المغاربة إلى إحدى الساحات بالرباط للاستماع إلى "إلتون جون". أما عن الفن والأخلاق فتلك نقطة ضعف كبيرة في خطاب الإسلاميين، فالفن يدخل ضمن القيم الجمالية، وليس الأخلاقية، ولا يمكن قياسه، أو تقييمه بمعيار الأخلاق والزجر، لأن الفن مبني أساسا على الحرية وليس على الرقابة والوصاية. الإسلاميون يخشون حرية الاختيار من المفارقات التي تتعلق بالحملة الموجهة ضد مهرجان "موازين" أن الجهات التي كانت تحركها في الغالب محسوبة على العدالة والتنمية وذراعها الدعوي قبل أن يجد هذا الحزب نفسه في قلب تدبير الشأن الحكومي؟ حزب العدالة والتنمية مثله مثل باقي التيارات الإسلامية، هدفه الوصول إلى الحكم من أجل الاستيلاء على المؤسسات وسنّ قوانين تفرض نمط التدين الإخواني في المجال العام، ولهذا لا يرتاحون إلى أنماط التدين الأخرى كالتدين الشعبي والتدين الصوفي، وفي الوقت نفسه يستعمل الحزب تياره الدعوي من أجل خلق تيار في المجتمع يسند فكرته ويوفر لها امتدادا شعبيا، والمهمة الرئيسية للتيار الدعوي هي السعي إلى تكريس ممارسة الوصاية على المجتمع باستعمال العاطفة الدينية، أقول العاطفة لأن هذا التيار مستعد لاستعمال جميع الطرق غير الشريفة، كالإشاعة الكاذبة مثلا من أجل العزف على وتر الدين وتهييج الجمهور ضدّ كل العناصر التي من شأنها أن تحرر من الوصاية، ومن هنا نفهم سبب تحامل هذا التيار على النساء وعلى الحركة الأمازيغية وعلى الفنانين والمهرجانات، فالنساء يسعين إلى المساواة ويحرّرن من السلطة الباطرياركية في الأسرة والمجتمع، والقضية الأمازيغية تحرر من النزعة الأحادية والفكر الأوحد والمفاهيم المطلقة لأنها تدعو إلى التعدد والاختلاف الثقافي واللغوي، والفنانون يحظون بالنجومية ويتوفرون على موهبة استقطاب الجمهور، وهي كلها عوامل تمضي في الاتجاه المعاكس لما يريده الإسلاميون، الذي يحملون مشروعا استبداديا يقوم على الأبوية وسلطة الرجل وعلى التأحيد وخلق التجانس المطلق والتنميط على أساس العقيدة، وعلى استعمال الدين والأخلاق للهيمنة وممارسة الوصاية، فكل هذه العناصر (المرأة، الفن، التعدّد اللغوي والثقافي) تمكن الفرد من أن يشعر بفرادته وبحقه في الاختيار، خاصة الحق في اختيار نمط الحياة، وهو ما يخشاه المحافظون، لأن استقلالية الذات الفردية تجعل من الصعب احتواء الأشخاص وإخضاعهم للوصاية الدينية أو وصاية التقاليد والعادات الجماعية، هذه الأخيرة التي يعتبرها الإسلاميون وسيلة لتطعيم آليتهم الانتخابية. في سطور - كاتب، وشاعر، وباحث أمازيغي، وناشط حقوقي علماني، ولد بـ إقليم تارودانت (المغرب) بتاريخ 14 يوليوز 1961.- حاصل على الإجازة في الفلسفة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سنة 1984.- حاصل على شهادة التخرج من كلية علوم التربية سنة 1988.- اشتغل أستاذا بالتعليم الثانوي.ويعمل حاليا باحثا بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.- من مؤلفاته: "الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي".1998- "أسئلة الثقافة والهوية في المغرب المعاصر" (2002).- "سياسة تدبير الشأن الامازيغي بالمغرب بين التعاقد السياسي وسياسة الاستيعاب" (2009).- "رسائل إلى النخبة المغربية" 2010.- "حمو أونامير"(قصص شعبية).- "الرايس محمد الدمسيري: قصائد أمازيغية مختارة" أجرى الحوار: عزيز المجدوب
