كأنما هب نسيم الغفران فجأة على الجماعات المحلية، فاختفت الاتهامات بالفساد، وتبخر سوء التسيير، وغابت لجان التفتيش، وتحولت مقراتها من ساحات للمواجهات والصراعات إلى صالونات ود ومحبة، فيها ما يكفي من القبلات والعناق لتصوير مسلسل رمضاني عنوانه: "عفا الله عما سلف". لكن الحقيقة ليست بهذا الصفاء، فالأمر لا يتعلق لا بالضمير المهني، ولا بانتصار الشفافية، بل فقط بقرب انتهاء الولاية الانتدابية، وهي فترة يعرفها المتتبعون جيدا: يتوقف فيها الصراخ، وتهدأ فيها المعارك، ليس حبا في الحكامة، بل رغبة في الحفاظ على "المقاعد" خلال الانتخابات المقبلة. لقد أصبح المشهد المحلي في العديد من الجماعات مسرحا لظاهرة موسمية أشبه بـ"الهجرة الجماعية" من المعارضة إلى المصالحة، حيث يختفي الخطاب النقدي، ويطوى ملف الحسابات، ويتحول "المناضلون" فجأة إلى وسطاء صلح بين الأغلبية والمعارضة، لكن الهدف الحقيقي واحد: التموضع من جديد في الخريطة الانتخابية، ولو اقتضى الأمر ابتلاع كل المواقف السابقة. وإذا كانت الشعارات قد ارتفعت في بداية الولاية تطالب بالشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن نهاية الولاية تعرف عادة "إغلاقا وديا" لملفات كانت إلى وقت قريب موضوع بيانات وبلاغات عاجلة، ففجأة، تصير كل الصفقات قانونية، وكل التعيينات مستوفية للشروط، وكل الاختلالات مجرد "سوء فهم" سيتم تجاوزه بـ"النية الحسنة". وفي المقابل، لا أحد يتحدث عن المواطنين الذين علقوا آمالهم على تدبير الاختلافات، ولا أحد يسأل عن تلك التطاحنات التي اختفت في صخب الخلافات الحزبية، ولا أحد يجرؤ على فتح ملفات التنمية المحلية المجهضة، أو الميزانيات. الغريب أن بعض الوجوه التي ملأت الفضاء العمومي بتصريحات نارية في بداية الولاية، صاروا اليوم دعاة سلم في الجماعة، ينظرون للتوافق وكأنهم خرجوا من دورة تدريبية في التنمية البشرية، وحتى "المعارضة" التي كانت تلوح بملفات خطيرة في كل دورة، دخلت الآن في حالة سبات انتخابي، تتحسس طريقها نحو تحالفات قد تعيدها إلى كرسي الرئاسة. ما يجري اليوم ليس سوى تمرين على "الفهلوة" السياسية، تمارس فيه النخبة المحلية لعبة "النسيان الانتقائي"، إذ لا أحد يتذكر أن الشكايات وملفات الفساد التي ملأت الصحف والمجالس كانت حقيقية، وكل ما في الأمر أن ساعة الحسم اقتربت، وبدأت مرحلة شد الحبال الانتخابية، لا حول البرامج والمشاريع، بل حول تحالفات مبنية على الغنيمة لا غير. والأخطر من كل هذا، أن الناخب صار يفهم اللعبة، لكنه لا يملك إلا الانتظار في مدرج المتفرجين، ليشاهد فصول مسرحية "فهلوة الجماعات" تعرض من جديد، بالممثلين أنفسهم، وربما بالنهايات نفسها. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma