مقاه ومحلات تجارية بالبيضاء استولت على أرصفة الراجلين في تحد صارخ للقانون كان عالم الاجتماع السويدي «غونار ميردال» أول من أطلق مصطلح الدولة الرخوة في تحليله لنظم الحكم في الدول المتخلفة، وأوضح أن الدولة الرخوة ليست تلك التي لا توجد بها القوانين أو قوانينها متخلفة، بل تتميز بأنها تتوفر على القوانين لكنها عاجزة عن تفعيلها وفرض احترامها على الجميع. واعتبر أنها سبب أساسي لاستمرار الفقر والتخلف. والدولة الرخوة ، في نظر "ميردال"، تساعد على أن ينتشر الفساد في مؤسسات هي بطبيعة وجودها جدار عازل ضد الفساد، لأن حكوماتها تصدر القوانين، لكنها في الغالب لا تطبقها. وينطبق هذا التوصيف بشكل كبير على حالة التسيب التي يعرفها الفضاء العمومي، إذ أن العديد من المقاهي والمحلات التجارية تستولي على الأرصفة المخصصة للراجلين، ما يضطرهم في كثير من الأحيان إلى السير على الطرقات المخصصة للمركبات، ويمكن أن يتسبب في حوادث مميتة في بعض الأحيان. إنجاز: عبد الواحد كنفاوي عادت ظاهرة احتلال الملك العمومي لتستفحل بالعاصمة الاقتصادية البيضاء، ولا تستثني أي منطقة، ولا يقتصر الأمر على الباعة المتجولين، الذين أصبحوا يعتبرون أن الأماكن التي يحتلونها حقا مكتسبا لا يمكن التخلي عنه، ولم تعد هذه الأنشطة ظاهرة مرحلية أو محدودة في المكان والزمان، بل أصبحت تشكل قطاعا قائما ويزيد انتشارا مع توالي السنوات، ليمتد في بعض المناطق إلى الطرق المخصصة لحركة السير والجولان، ما يتسبب في اختناق حركة المرور على غرار شارع محمد السادس، خاصة في النقطة السوداء "كاراج علال"، إذ يتحول المرور من هذه النقطة إلى عذاب يومي بالنسبة إلى أصحاب السيارات، وكل ذلك تحت مرأى ومسمع السلطات المسؤولة التي أشهرت الراية البيضاء أمام محتلي الملك العمومي.وإذا كانت السلطات العمومية تبرر تقاعسها عن محاربة الباعة المتجولين بدواع اجتماعية، إذ تغض الطرف عن هذه الفئات بدعوى أنها تعتبر من الشرائح الفقيرة التي لا تتوفر على مصدر رزق، وأن هذه الأنشطة توفر لهم مدخولا لتأمين حاجيات أسرها، فإنها لا تستطيع تبرير عجزها عن إجبار أصحاب المحلات التجارية والمقاهي على احترام القانون، فيكفي التجول بشارع المسيرة، الذي يعتبر من أهم الشوارع بالبيضاء، لتلاحظ أن بعض المقاهي احتلت أرصفة الراجلين، الذين يجدون أنفسهم مضطرين إلى استخدام الشوارع المخصصة للمركبات. ويزيد الأمر استفحالا في الأحياء الشعبية والجديدة، على غرار بعض المناطق في عمالة عين الشق، إذ عمد أحد المحظوظين صاحب محل لبيع الأثاث المنزلية إلى احتلال رصيف المارة لعرض أثاثه، مجبرا الراجلين على استعمال الطرقات المخصصة للسير والجولان، وتسبب ذلك في عدد من الحوادث ولم تحرك السلطات ساكنا، الأدهى من ذلك أن المحل يوجد بجوار الملحقة الإدارية بحي الصفا الموجود قرب شارع القدس، ورغم تقديم السكان للعديد من الشكايات والتظلمات، لكنها لم تلق الاهتمام المطلوب، حتى أن البعض منهم أصبح يتساءل عن مصدر قوة صاحب المحل وأسباب غض السلطات الطرف عنه. معاناة السكانفي بعض المناطق بذلت السلطات مجهودات من أجل تحرير الملك العمومي من الباعة المتجولين، وتمكنت، بالفعل، في مهمتها، ما لا قى استحسانا لدى السكان، لكن سرعان ما استغل بعض أصحاب المحلات التجارية الفرصة من أجل التوسع، إذ أصبحوا يحتلون الأرصفة لعرض منتوجاتهم، إذ يصففون عشرات الصناديق الخشبية المملوءة بالخضر والفواكه، ويستغلون غياب الباعة المتجولين لفرض أسعار مبالغ فيها على سكان الحي، كما هو الحال بالحي المقابل للتجمع السكاني الفردوس على يمين شارع أم الربيع في اتجاه حي الألفة. وأصبح السكان يعانون ليس فقط بسبب احتلال الملك العمومي ولكن أيضا من الأسعار المرتفعة التي يسوق بها هؤلاء التجار منتوجاتهم.والغريب في الأمر أن جل المحتلين للملك العمومي لا يمتلكون سندا قانونيا، خاصة أن العديد من حالة الاحتلال تتم على حساب ممرات الراجلين المؤطرة بمقتضى الظهير الصادر في 19 يناير 1953 المتعلق بالمحافظة على الطرق العمومية وشرطة السير والجولان، إذ نص الظهير على ضرورة تجهيز الطرقات بأرصفة أو ممرات خاصة باستعمال الراجلين، التي يتعين على هؤلاء استعمالها، يدخل ذلك في إطار حرية استعمال الطرق العمومية، إذ اعتبر القانون أن حرية التجول على الأرجل تدخل في إطار ممارسة حرية عامة أساسية لا يمكن الحد منها بصفة مطلقة، ولكن يمكن تنظيمها بهدف حماية المستعملين، ولهذا الغرض خصصت للراجلين داخل المدن ممرات خاصة للسير والجولان. لكن السلطات المحلية تتقاعس عن فرض احترام هذا الحق، بل في بعض الأحيان ترخص باحتلال الملك العمومي، رغم أن هذا الاحتلال يمكن أن يشكل خطرا على سلامة المواطنين. عودة الاحتلال كان إدريس بنهيمة أول وال يجعل من تحرير الملك العمومي إحدى أولوياته، إذ شن حربا بدون هوادة على محتلي الملك العام، خلال 2002، وتمكن من تحرير العديد من المناطق وأرجع بعض المقاهي إلى احترام الملك العمومي والاكتفاء بالحيز المخصص لها. ولاقت حملة الوالي استحسانا من المواطنين وسخطا من قبل المنتفعين، واستمر في مطاردة المخالفين للقانون إلى أن غادر منصبه. وسرعان ما عادت الأمور إلى وضعها السابق تدريجيا، خاصة أن الوالي محمد الظريف، الذي خلفه لم يواصل المجهودات التي بذلها سلفه، ولم يكن هذا الورش من ضمن أولوياته. معيقات احترام القانون إن النظام القانوني للأملاك المخصصة للاستعمال المباشر يعاني عددا من المعيقات، من أهمها عدم التحديد الدقيق لطريقة ومحددات الاستعمال، وقدم النصوص المنظمة للملك العام، إضافة إلى تعدد المتدخلين، حاليا، في تسيير وتدبير الملك العام، إذ تتداخل في هذا المجال اختصاصات الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، ما يفرض إعادة النظر في الإطار القانوني المنظم للملك العمومي.وفي انتظار تحقيق هذا الورش، فإن السلطات كل من منطلق اختصاصاتها، مطالبة بفرض احترام النصوص القانونية الموجودة حاليا، والعمل على تحرير الأرصفة، على الأقل، من محتليها، لإتاحة الفرصة للراجلين للسير باطمئنان، وحرصا على سلامتهم الجسدية.