هل حضرت يوما حفلة تكريم؟ بالطبع نعم! إذ يستحيل أن تجد شخصا لم يحضر أو يشارك أو يدعم حفلة تكريم ما، فالمشهد اليومي لأنشطة الجمعيات أصبح يتلخص في "جبر ضرر" المقربين ومهووسين باعتلاء منصة التكريم. يحكي أحدهم أن شخصا، من كثرة حفلات التكريم التي حظي بها، امتلأت خزانة منزله بلوحات "بورتريهات" والتماثيل غريبة الشكل، وتذكارات فاق عددها كؤوس الشاي بمطبخ منزله، وحين مل من رؤيتها وهبها مجانا لـ "مول النخالة"، الذي طاف بها كل أحياء البيضاء، دون بيع ولو تذكار واحد منها. أصبحت حفلات التكريم النشاط الوحيد الذي تتقنه أغلب الجمعيات، إذ تعتقد أن مفهوم "العمل الجمعوي" يختزل في شراء شهادات تقديرية لامعة، وباقات ورد يعلوها الغبار من كثرة التكرار، وتنظيم حفل موسيقي لتكريم شخص ما، ولو كان مارا من قرب مركب ثقافي أو مقر لدار الشباب. تأسست الجمعيات، في الأصل، لتغيير الواقع وإحداث فرق في حياة الأفراد، في المجالات الاجتماعية والثقافية والفنية، قبل أن تنجح في جعل أعضائها خبراء في تنظيم حفلات التكريم، وكأن "التكريم" صار هدفا أسمى من الفعل الحقيقي، بدل المبادرات التي تحل مشاكل المجتمع، فغالبا ما نجد قاعات مزينة ومكبرات صوت تنادي "نكرم الأستاذ الفاضل، رغم أن جميع الحاضرين لا يعرفون ماذا فعل تحديدا". يتكرر السيناريو في كل مرة، منصة أنيقة (نوعا ما)، وديكور شبيه بزينة عيد ميلاد لطفل في السابعة، وكلمات رنانة تبدأ بـ"لا أستطيع أن أصف مشاعري..."، وتنتهي بجملة مكررة "هذا شرف لي ولأفراد عائلتي"، ولا ننسى طبعا تلك الوجبة الخفيفة، إن وجدت، التي تكون في الغالب عبارة عن قطع حلوى جافة وأكواب شاي بارد، أو عصير "لافوكا" المغشوش. أين إبداع الجمعيات؟ أين المبادرات المبتكرة؟ لماذا نرى جمعيات تدعي اهتمامها بالشباب والبيئة والتعليم، ولا نرى لها أثرا، إلا في حفلات مليئة بالتصفيق البارد؟ ربما حان الوقت لنطلق مبادرة تكريم الإبداع المفقود لدى الجمعيات نفسها، إذ يمكن تصميم شهادة رمزية لرؤساء هذه الجمعيات مكتوب عليها: "نكرمكم على براعتكم في إضاعة الوقت والمال العام"، دون أن يعني ذلك التقليل من قيمة الاعتراف بالجهود، ولكن هدف العمل الجمعوي إحداث الفارق، لا مجرد كلمات منمقة وصور تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وابتكار أنشطة جديدة، وليس اجترار حفلات رتيبة، فحفلات التكريم ليست إنجازا. ملحوظة: ما تخفيه الجمعيات نفسها، أن حفلات التكريم، عبارة عن "تبادل المصالح تحت الأضواء". للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma