أصبح من المستحيل الحصول على رخص التعمير إلا بسلوك مساطر سرية، داخل قنوات، مسيرة عن بعد، يتكفل بتنفيذها موظفون لا يترددون في القول للمرتفقين إنهم الملاذ الوحيد لقضاء مآربهم ويتكلفون بكل شيء، بما في ذلك الأعمال الموكولة قانونا للمهندسين المعماريين. ووصل نفوذ بعض رؤساء أقسام التعمير حد التحكم في جميع مكاتب العمالات، كما هو الحال في أحد أقاليم ضواحي البيضاء الذي أصبحت فيه مهندسة العمالة الحاكمة الفعلية، تتدخل في كل الصلاحيات وتعرقل كل المشاريع والاستثمار بداعي التشدد في احترام القانون، لكنها ذريعة تسقط عند أول لقاء مباشر بطالب الرخصة. إنها طريقة ملتوية يتبعها بعض المسؤولين لتركيع طالبي الرخص بوضع موظف مهمته البحث عن أي سبب، حتى لو كان وهميا، لرفض التراخيص ومواجهة أصحابها بوصفة المرور عبر مكتب "الباطرون الكبير"، أي المسؤول صاحب أعلى سلطة رئاسية بالإدارة الترابية. ومن سلبيات هذه الطريقة في تدبير التعمير أن أحكمت شبكات الرخص الحصار على إدارات ومصالح التعمير بعدد من الجماعات الترابية، وأصبحت تشكيلات مكونة من موظفين ومنتخبين ومهندسين معماريين تحتكر دليل الخروج من متاهة الرخص والتوقيعات. ووصلت فوضى التعمير حد قيام موظفي مصالح التعمير بأعمال الهندسة، ويتسلمون مقابلها أضعاف ما يتسلمه المزاولون قانونا للمهنة، إذ عادة ما يطلبون مبالغ جزافية تصل أحيانا إلى 40 ألف درهم، باحتساب أتعاب مكاتب هندسة وهمية لا تقوم إلا بوضع طابعها على التصاميم المنجزة أصلا، من قبل موظفين، الأمر الذي جعل الأصوات ترتفع من أجل التشدد في تطبيق المقتضيات القانونية، المتعلقة بالترخيص للأنشطة الاقتصادية والتجارية. وفي ظل هذه الوضعية المتسمة بالشطط، أصبحت الممارسة تفند خضوع الرخص لمسطرة خاصة حددها القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، ليس فقط في مجال التعمير بل كذلك في ما يتعلق بتنظيم الأنشطة التجارية والحرفية والصناعية غير المنظمة ومنح رخص استغلال المؤسسات المضرة أو المزعجة أو الخطيرة، التي تدخل في نطاق اختصاصاتها ومراقبتها. الأكيد أن المحفزات التي تضمنها ميثاق الاستثمار مازالت غائبة على أرض مساطر الرخص وكواليس الشبابيك الوحيدة، خاصة في مجال التعمير الذي أصبحت مصالحه المكلفة بالترخيص والمواكبة، توصف من قبل بعض الوافدين عليها بأنها غرف تعذيب يتفنن موظفوها في صناعة الأعذار، لخنق كل المبادرات الاستثمارية. ودون جدوى تخوض وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة حربا شرسة، من أجل ضمان شفافية قنوات رخص ووثائق التعمير، لأن بعض مديري الوكالات الحضرية يعتبرون فوق الوزيرة والعامل... والقانون. ياسين قطيب للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma