كلما اقتربت أشهر الشتاء، تطفو على السطح معضلة المشردين، كما هو الحال بالنسبة إلى كل الدول، بما فيها تلك التي تصنف في مقدمة سلم جودة الحياة في العالم، فرغم مجهودات نسيج جمعيات المجتمع المدني، فإن ذلك لا يمنع من حدوث كوارث، وربما تسجيل وفيات. والأكيد أن الاهتمام بمصير من لا مأوى لهم، أو (إ س. دي. إف)، كما يسمون في فرنسا، ذات النظام الاجتماعي المتقدم مقارنة بما لدينا، يعكس درجة عالية من نضج الآليات الاجتماعية، بالنظر إلى أن المتشردين غير مسجلين في عناوين قارة، وبالتالي لا وجود لهم في اللوائح الانتخابية، ولن تستفيد منهم الأحزاب الحاكمة في حصيلة الاستحقاقات الانتخابية. وحتى لا تبقى مأمورية إغاثة هذه الفئة، التي لا تخلو منها كل المدن المغربية، محصورة في بعض الأعمال التطوعية من قبل جمعيات تفتقر للإمكانيات المالية واللوجستيكية اللازمة، كان من الضروري أن تتحرك الحكومة عبر قطاعاتها المعنية وخاصة وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة. ورغم التأخر المسجل في الكثير من الأوراش الأساسية في مسار الدولة الاجتماعية، كما حددها جلالة الملك وبرمجتها الحكومة، فقد تسرب من الكواليس الوزارية قرب إطلاق مشروع اجتماعي غير مسبوق في المغرب تحت مسمى "المطاعم الشعبية"، سيقدم ثلاث وجبات في اليوم لحوالي 10 آلاف متشرد، منهم ألفان في البيضاء فقط. لكن مطلب الاستمرارية يفرض إيجاد قنوات للتمويل عوض اعتماد طريقة جمع التبرعات التي قد تخترقها الحسابات الحزبية الضيقة، خاصة أن الميزانية المرصودة لا تتجاوز مليارين، وهو مبلغ مقبول بالنظر إلى ما هو مسجل في بعض الميزانيات الجماعية والجهوية، من قبيل تخصيص ملايين الدراهم للهدايا والاستقبالات والسفريات. وتؤكد مثل هذه الإكراهات المخاوف المتعلقة بضمان الاستدامة لورش الحماية الاجتماعية الذي أطلقه المغرب، إذ يمكن أن تصل الكلفة الإجمالية إلى حوالي 51 مليار درهم سنويا، في ظل تساؤلات جوهرية حول مدى انخراط المغاربة في هذا المشروع الوطني، ومدى فعالية السياسات المتبعة لضمان مشاركة أوسع وشاملة، فضعف الإقبال يعكس غياب الثقة لدى فئات واسعة من المجتمع. لا بد من إطلاق إصلاحات مرافقة في مسار الدولة الاجتماعية تزيد من جاذبية الورش وعدالته، وهو ما لم تعالجه الحكومة بشكل كاف، إذ أن تحسين جاذبية هذا المشروع يتطلب إجراءات فعالة تسهم في تحسين التواصل حول فوائده وتعزيز العدالة الاجتماعية بين مختلف الفئات، مما يشجع المواطنين على الانخراط والمساهمة بشكل أكبر في هذا النظام. ياسين قطيب للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma