ليس مجرد مغن يصعد إلى خشبة، ويقف أمام أضواء وجوق ومايسترو، ويؤدي مقاطع وألحانا وكلمات، ثم ينزل تحت التصفيقات، أو تحت الزعيق والصفير. وليس، فقط، مجرد "رابور" كما يمكن أن نتخيل وكفى، ونردد في أنفسنا، بكثير من الاطمئنان، إنه سيمر كما مر آخرون. إنه حالة ثقافية واجتماعية (بغينا أو كرهنا) يمكن قراءتها من زوايا مختلفة، لكن لا يمكن تجاهلها والاكتفاء بالقول إن الرجل تافه و"سلكوط"، ومن يستمع إليه، لا يختلف عنه كثيرا. هذا الشاب، من مواليد منتصف التسعينات، بشعره المصبوغ، وأسنانه الفضية الصقيلة، وأوشامه ولفافة حشيش في فمه، هو حالة ثقافية مريبة، شعرت بها أمهات وآباء، من الجيل القديم، اضطروا إلى اصطحاب أبنائهم وبناتهم إلى منصة السويسي بالرباط، والانتظار حتى تنتهي "الحفلة" في وقت متأخر من الليل. لا أحد يملك أجوبة لهذا الحج الخيالي لـ 350 ألف شاب وشابة إلى وجهة واحدة: الاستمتاع، مباشرة (دون بلاي باك) بأغاني شاب مثلهم، يقول كلمات ويؤلف ألحانا، تعبر عنهم وترسم أحلامهم، وتترجم ما يفكرون فيه، ويصرخون مع "نجم" عرف كيف يحول الوجع إلى مفردات، والتمرد إلى موسيقى، واللامبالاة إلى موقف. وحتى يثبت العكس، يمثل طه فحصي (اسمه الحقيقي) لسان حال جيل ضائع بين الدراسة والالتزام والاستلاب الثقافي، وبين سلطة الأسرة والمعلم، وطائر بلا بوصلة في سماوات الكون الافتراضي، وغارق، حتى الأذنين، في "فيسبوك" و"إنستغرام" و"تيكتوك"، وتقنيات الذكاء الاصطناعي. جيل من آلاف الشباب والمراهقين بين 13 سنة و28 من الجنسين ومن مختلف الأوساط الاجتماعية ومستويات التعليم، يتأرجح بين الداخل الغامض والخارج الأكثر غموضا، بين "قيم" الأب والأم ونصائح الخالة والعم، وتحديات عصر يركب عربة تلف في الضباب، مربوطة إلى عشرة خيول إنجليزية أصيلة، وتسبح في السماء. بأسلوب يمزج بين الدارجة والفرنسية والإنجليزية والإسبانية، صاغ "طوطو" قاموسا جديدا يعكس واقع ملايين الشباب الذين نشؤوا في الهامش، أو حتى في "المركز"، مكسرا القاعدة التي تقول إن "الراب" فن الفقراء والمقصيين والمعذبين. لا يقدم "طوطو" أجوبة جاهزة، بل ينوب عن ملايين الشباب المغربي في طرح الأسئلة، كما ينبغي أن تطرح، في زمن تتكسر فيه الأحلام الجماعية، وتستبدل بـ"الحريك" والمخدرات، وبالعزلة المريبة داخل الغرف الرقمية. وفي النهاية، لا تهم الأجوبة والأسئلة بالنسبة إلى "جيل" يقتفي أثر من يتكلم بلغته، في الواقع أو في الافتراض، ويبحث عن نفسه في موسيقى وتعبيرات و"فن" يعكس أرواحا معذبة. أما أنا، فلا أعرف "طوطو" آخر، غير صديقي مصطفى طوطو، المدير السابق لدار الشباب، الذي علمنا كيف ندندن على آلة عود، ونحن نغني: أحن إلى خبز أمي، وقهوة أمي. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma