الخطافة “يحكمون” جسر مديونة

يتسيد "الخطافة" الشطر الأخير من شارع محمد السادس (مديونة)، ويحكمون أطرافه بقوة الحديد والدراجات النارية والدراجات ثلاثية العجلات والسيارات المهترئة و"الهوندات" وسيارات النقل الجماعي (سطافيت)، التي تعيث فوضى أمام مرأى من الجميع. مجموعات من الشباب من الأحياء ودواوير مديونة، يحلون "أزمة" النقل العمومي، بهذه المنطقة، بـ"طريقتهم الخاصة" وبقوانين سير "مبتكرة"، لا تؤمن بعلامات التشوير وعلامات المرور وأعمدة الأضواء، ولا يقيمون حدا بين الاتجاه المعاكس، والآخر الذي يسمح فيه بالسير، ويعتبرون ممرات الراجلين وحافلات "باصواي" وجنبات القنطرة العملاقة ملكا لهم. من فوق جسر محمد السادس، الذي يمتد على مسافة كيلومتر، يمكن أن ترصد خارطة الفوضى، انطلاقا من نهاية شارع القدس، حيث تعبر حافلات باصواي، في اتجاه طريق مديونة، مرورا بمدار الطريق السيار، في اتجاه الدواوير والمناطق البعيدة، حيث يستسلم رجال الأمن والدرك الملكي إلى الأمر الواقع. منافسة شديدة مجموعات من الشباب، دون خوذات، يمتطون دراجات نارية من صنع صيني، يتصيدون الزبناء الذين يجدون صعوبة في الوصول إلى وجهاتهم، يتفاوضون على الثمن، ثم ينطلق العداد بسرعة فائقة، في سباق مع الوقت، حيث يطلق العنان إلى محركات تمخر عباب الريح، ولا تكثرت بحوادث السير وعيون رجال الأمن. ومنذ أشهر، دخلت الدراجات النارية في منافسة حقيقية مع السيارات المهترئة والقديمة المتخصصة في "الخطف" التي تحكم هذه المقطع الطرقي، وفشلت جميع المحاولات الأمنية لردعها، إذ يشجع الطلب المتزايد والنقص الحاد في وسائل النقل العمومية على انتشار كبير لهذه المركبات، التي لا تبذل أي مجهود في استقطاب عدد هائل من الزبناء، يرفعون شعار "اللهم الخطافة"، أو الانتظار ساعات طويلة في مكان "شبه مجهور" محفوف بكل المخاطر. واقع لا يرتفع الحقيقة، التي يعرفها الجميع، أنه لا يمكن الاستغناء عن "الخطافة" في هذا المقطع الطرقي بالبيضاء، بعد أن أضحى هؤلاء جزءا من منظومة النقل العمومي بمدينة فاضت أطرافها أكثر من اللازم، كما لا يمكن محاربتهم بالحجز ونزع الوثائق وتخريب السيارات، بسبب الخدمة الاجتماعية الحيوية التي يؤدونها، بدلا عن مسؤولين آخر ما يفكرون فيه توفير وسائل نقل بالعدد الكافي لجميع المواطنين. إن الطبيعة تكره الفراغ، فإذا لم تملأه المؤسسة، سيملؤه غيرها، وهو بالضبط ما يفعله العدد الكبير من أصحاب السيارات والدراجات النارية بشارع محمد السادس (مديونة سابقا)، الذين يشتغلون في إطار النقل السري. في مديونة لم يعد "الخطافة"، أشخاصا يعملون في السر، بل لهم أماكن وقوف معروفة يصلها الزبناء بكل سهولة، ولهم أيضا مساعدون و"كورتية"، يصيحون ملء الحناجر بأسماء الوجهات، وهي في الغالب دواوير نائية في إقليمي مديونة والنواصر لا أحد يستطيع الوصول إليها إلا عبر سيارات من مختلف الأشكال والأصناف بمحركات قوية تمخر عباب الحفر والأزقة الضيقة. دواوير نائية "الحلايبية"و"البقاقشة"و"مومنات" و"امزاب" و"لوزين" و"عين الحلـوف" و"اللوز"و"التقلية"و"لمكانسة"و"كازابيس"، وغيرها من الدواوير المنتشرة في ضواحي البيضاء التي يقطنها مواطنون كاملو "المواطنة" تفرض عليهم ظروف العمل التنقل يوميا إلى عين الشق وابن امسيك وسباتة ووسط المدينة، وأحيانا إلى البرنوصي وعين السبع. هؤلاء هم زبناء"الخطافة" الحصريون، ليس لأن سكان هذه الدواوير يعشقون النقل السري والسفر في ظروف غير إنسانية في سيارات مهترئة مكتظةوتحفها المخاطر (سيارات دون تأمين)، بل لأن المسؤولين عن المدينة والجهة، لم يفكروا في توفير وسائل آدمية بديلة وبالعدد الكافي، تنقلهم من أماكن سكنهم إلى مكان عملهم والعكس. في هذه المسارات الوعرة، لا يمكن لأي شركة حافلات أن تغامر برمي مركباتها باهظة الثمن في مسالك محفرة خاصمها "الكودرون"، كما لا يمكن لأصحاب سيارات الأجرة من الحجم الكبير أن يقطعوا هذه المسافة الخطرة من أجل 6 دراهم للزبون، يمكن أن يتقاضوا ضعفها في وضعيات أخرى أكثر أمنا. هذه المعادلة الصعبة، هي التي تنعش قطاع النقل السري ببعض مناطق البيضاء، وتجعل منه رقما لا يمكن تجاوزه، بل رقم ضروري، في بعض الأحيان، لحل مشكل النقل العمومي، ما يفهم من "عين ميكة" التي يلجأ إليها رجال الأمن والدرك الملكي في أوقات الذروة، لأن مطاردة "الخطافة" تعني بالضرورة الحكم على آلاف المواطنين بالمبيت في الشارع. تبريرات خطافة يقول صاحب سيارة من نوع "رونو 18" بلون رمادي، "حنا ماشي خطافة، حنا معاونين مع هاد الناس باش يباتو في ديورهم"، متسائلا "واش كتعرف، كون ماكنوش هاد الخطافة، كون حتى واحد مغادي يخدم في هاد الناس، ولا غادي يدخل خبزة على ولادو..حنا للي معولين علينا نوصلوهم للخدمة، ومللي يساليو نرجعوهم للديور ديالهم". كان الرجل واضحا، وهو يتحدث لـ"الصباح"، مؤكدا أن العملية برمتها تتم في إطار رابح-رابح "حنا رابحين الفلوس ومضورين الحركة، ومحاربين البطالة ومعيشين ولادنا، وهادوك الناس لاقين طوموبيلات باش يتنقلو، وحتى المسؤولين رابحين وموفرين عليهم مصاريف أخرى". في شارع محمد السادس، وعلى بعد خطوات من محطة توقف سيارات الأجرة المتجهة لبرشيد، وفي جنبات الجسر المعلق الجديد، ينتشر عدد من "الخطافة" الذين يقودون سياراتهم بطريقة لا تخطئها العين، إذ يبحثون عن زبائن جدد، في الوقت الذي ينتبهون إلى تحركات رجال الأمن، خوفا من الوقوع في قضبتهم. لهذا السبب، يشرعن هؤلاء كل أساليب الفوضى والسياقة في الاتجاه المعاكس، وتجاوز إشارات المرور، وعدم غلق الأبواب أثناء السير، والسياقة بسرعة قياسية في وضعيات ضيقة، وهي كلها أساليب تجعل من السفر مع "الخطافة" خطرا داهما، لكنه ضروري للوصول إلى الوجهة المطلوبة. جسر مديونة في ماي 2023، حين أعطى مسؤولو البيضاء انطلاق العمل بجسر محمد الخامس المعلق على مسافة كيلومتر من الإسمنت والدعامات الضخمة بفتحات على الأحياء والشوارع المجاورة، لم يكن في الحسبان، أن تتحول جنباته إلى مرتع لـ"الخطافة" بكل أنواعهم، الذين يزحفون على الممرات الخاصة للسيارات والأخرى المخصصة للحافلات عالية الخدمة. وأدرك عدد من المواطنين، المنبهرين بحجم الفوضى بهذا المكان، أن الأهم ليس تشييد بنيات تحتية ضخمة وطرق وترصيف ممرات، بل توفير وسائل نقل عمومية مندمجة ومتنوعة، تربط ضواحي المدينة وأطرافها بوسطها. وإلى حد الآن، يفشل الجسر، رغم الوظائف التي يؤديها، في تقديم خدمة ذات جودة لمستخدمي وسائل النقل العمومي، وضمان اتصال مثالي وآمن لمستخدمي وسائل النقل الموجودة والمخطط إطلاقها (الطرامواي، الباصواي، سيارات الأجرة الكبيرة، الحافلات) عن طريق تقليل عدد العربات التي تستخدم القسم السطحي وتقليل احتكاك العربات بالراجلين. وفي غياب رؤية لربط الضواحي بالمدينة وتشبيك البنيات التحتية والقضاء على دور الصفيح وتحسين الولوج إلى الخدمات العمومية، يظل "الخطافة" الحل الأمثل للتخفيف من أزمة تنقل المواطنين من وإلى وجهاتهم، وهو ما يدركه، ربما، المسؤولون في الأمن، الذين يتعاملون بأقل ما يمكن من الصرامة مع هذه الظاهرة، في انتظار اقتلاع أسبابها من الجذور. يوسف الساكت

الخطافة “يحكمون” جسر مديونة

عشرات الدراجات والسيارات المهترئة "تضبط" المجال وتحل أزمة النقل العمومي بسلاح الفوضى

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سياح مستاؤون من منتجع بالحسيمة

طعنات قاتلة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات