لطالما فضل المغاربة اللوم ونسب الأذى إلى الغير، في كل شيء حتى المرض، الذي أصبح ربطه بالمأكولات المسوقة في المطاعم باختلاف تصنيفها، والعربات المرابضة في الشوارع ، مثل العلكة تلوكها الألسن طيلة ساعات اليوم. لا يكاد يشتكي فلان من ألم أو وجع، حتى يتقمص آخر دور الطبيب الناصح، ويفيده بتجنب "أكل الشارع". الخلاصة لا خير في أكل أو شرب لا يعد في المنزل، معلوم مصدره وطريقة تحضيره، إلا أن هذه الفكرة آخذت في الاندثار حاليا، لاعتبارات اجتماعية مرتبطة أساسا بعمل المرأة، وتغير سلوك الاستهلاك لدى المغاربة، إذ أصبحت المطاعم مطبخا بديلا، وفضاء للتجمع الأسري، خصوصا بالنسبة إلى الأطفال الذين تأثرت تنشئتهم الاجتماعية بهذا التغير.إدمان الأكلات السريعة وارتياد المطاعم على اختلاف تصنيفها استبد بالأسر، تحت ضغط ضيق الوقت وكثرة الأعباء. وخلال فترة الظهيرة ينشط في الدار البيضاء، بارومتر التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المغرب. جيش من الندل المسخرين لخدمة زبناء اغلبهم من الأطفال والمراهقين، الذين يلجؤون إلى المطاعم لسد غريزة الجوع، والأهم من ذلك تلبية غرور اجتماعي، إذ صارت زيارة مطاعم معينة واستهلاك مأكولات خاصة، علامات رقي وتمدن وإظهار للرتبة الاجتماعية للفرد، لكن الثابت يظل خطورة هذا السلوك الاستهلاكي على صحة الأسر، تحديدا الأطفال، الذين يمثلون ورقة ضغط عاطفي تستغلها شركات الوجبات السريعة "فاست فود" لتشجيع الاستهلاك.ملصقات ووصلات إشهارية عبر مختلف القنوات التواصلية، تثير في المستهلك، والطفل تحديدا، رغبة عارمة بالاستهلاك والشراء، والمغريات دائما، حلاوة الطعم وجمالية الفضاء والأجواء، ذلك أن شركات "الفاست فود" غالبا ما تضمن مطاعمها فضاءات مخصصة للعب الأطفال، وتستميل هذه الفئة من المستهلكين بأنواع معينة من الأطعمة، تحوي كميات مرتفعة من السكريات والنشويات والدهون المشبعة، ما يسقطها ضحية نمط غذائي تتوافر فيه خصائص الإدمان والتعود، إذ تصبح شهية الأطفال أكثر انفتاحا على الأطعمة سريعة التحضير، وما يترتب عن ذلك من أضرار على الصحة الجسمانية والنفسية.وتناسلت الدراسات حول التأثير السلبي للوجبات السريعة على صحة الأطفال والبالغين على حد سواء، إلا أن أقربها للموضوعية دراسة بريطانية- أمريكية في جامعة "مينيسوتا" استغرقت 15 سنة، وأظهرت الارتباط الوثيق بين تناول الوجبات السريعة من جهة، وبين زيادة الوزن ومقاومة الجسم للأنسولين من جهة أخرى، وتعتبر هذه الدراسة الأطول زمنيا في مجالها وشارك فيها ثلاثة آلاف و31 شخصا، إذ خلص الباحثون إلى أن الوجبات السريعة تزيد مخاطر الإصابة بالبدانة ومرض السكري غير المعتمد على الأنسولين. فمن بين الأفراد المشاركين في الدراسة، كان الذين يتناولون وجبات سريعة مرتين على الأقل أسبوعيا على مدى عقد ونصف، ذلك أنهم الأكثر عرضة لزيادة في الوزن مقدارها خمسة كيلوغرامات تقريبا.بدر الدين عتيقي