ارتسمت لدى المواطن صورة قاتمة عن المسؤولين الجماعيين، خصوصا رؤساء المقاطعات، الذين يتساقطون هذه الأيام كأوراق التوت، بعد قرارات التوقيف والعزل الصادرة عن العمال والمحاكم الإدارية. الصورة السوداء نفسها طالت الأحزاب السياسية لتضر في الأخير بالعمل السياسي برمته وتزيد من العزوف السياسي، كما تضر ببعض الكفاءات التي هجرت السياسة خوفا من أن ينطبق عليها المثل الدارج "اولاد عبد الواحد كاع واحد". لقد تحول توقيف وعزل رؤساء الجماعات ونوابهم إلى روتين يومي يمارسه العمال وقضاة المحاكم الإدارية، غير أنهم يبدون كمن يفرغ الماء في الرمل، فلا الفساد توقف ولا الردع المطلوب تحقق ولا الأموال المنهوبة استرجعت. ربط المسؤولية بالمحاسبة مطلب الجميع، والضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه هدر المال العام أو تبديده أو اختلاسه، لا يمكن أن يناقشه أحد، لكن توقيف عشرات المسؤولين الجماعيين دفعة واحدة ولأسابيع متتالية يكشف وجود خلل بنيوي، يقتضي مقاربة جديدة لعلاجه وإيقاف النزيف. النزيف بدأ من خلال الشروط التي وضعت من أجل أن يتحمل شخص ما مسؤولية رئاسة جماعة أو مقاطعة أو يكون مستشارا فيها، والحديث هنا عن المستوى الدراسي المطلوب، والذي لا يتعدى الشهادة الابتدائية التي لا تخرج حاملها من دائرة الأميين. فماذا ننتظر من جاهل سوى سوء التسيير والتدبير، والتلاعب في الميزانية وإبرام صفقات مشبوهة، وتوظيف المقربين والخليلات. والنزيف استمر حينما أغمض القائد والباشا والعامل أعينهم عن خروقات رئيس المقاطعة والمستشارين معه، مقابل تحقيق منافع شخصية، أو من أجل لعب هذه الورقة في كل المفاوضات المقبلة وجعل المسؤول الجماعي خاتما في يدي ممثل السلطة الترابية، يأتمر بأمره وينتهي بنهيه. والنزيف يصل قمته حينما تتحرك المفتشيات العامة لتراقب مقاطعات بعينها وتستثني أخرى غارقة في مشاكل سوء التسيير، وعرف رؤساؤها بسوء تدبيرهم على مر سنوات وعقود، لتصدر عقوبات التوقيف والعزل بعد ذلك في حق البعض، فيما يواصل آخرون عبثهم بالمال العام، دون حسيب ولا رقيب. عدد قرارات التوقيف والعزل يظهر بما لا يدع مجالا للشك، أن هناك خللا في المنظومة بأكملها، وأن الداخلية لن تنجح في تخليق العمل الجماعي حتى ولو أوقفت جميع رؤساء الجماعات والمقاطعات، لأن أغلب النخب التي تتقدم للانتخابات فاسدة وتهمها مصلحتها الشخصية، قبل مصلحة الوطن، لذا المطلوب مراقبة قبلية لعمل رؤساء الجماعات، من قبل رجال السلطة (قائد، باشا، عامل..)، على أن تطول المحاسبة بعض رجال الإدارة الترابية الذين يتهاونون في أداء مهامهم، والذين يستثنون اليوم من الحساب الذي يطول المنتخبين، رغم أن كل صغيرة وكبيرة في العمل الجماعي لا تتم دون اطلاعهم وموافقتهم. الصديق بوكزول للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma