بقلم: ذ. صلاح الدين شنقيط اختار الرئيس الفرنسي عبارات رسالته إلى جلالة الملك بدقة كبيرة، وهو يعلن عن موقف غير مسبوق لفرنسا تجاه قضيتنا الوطنية. لقد دعمت فرنسا حقيقة مبادرة الحكم الذاتي، لكنها لم ترتب عنها الالتزامات ذاتها الواردة في رسالة ماكرون، التي نذكر منها الآتي: أ- أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، هو الإطار الذي يجب من خلاله حل قضية وحدتنا الوطنية، وهو ما يعني استبعاد كل الخيارات الأخرى، لا سيما تلك القائمة على الاستفتاء، أو المبادرة "المهزلة" التي تقدم بها خصوم وحدتنا الترابية، تكريسا لما تصفه به قرارات مجلس الأمن "بالجدية وذي المصداقية". ب- أن الحكم الذاتي يقدم خيار "الحل السياسي"، وهو ما يؤكد بالنسبة لفرنسا القطع مع كل المقترحات، التي ترمي إلى فرض "حل قانوني" مبني على توصيات وضعت إبان حركات التحرر الوطني وميلاد الدول الجديدة الخارجة من ربقة الاستعمار. ج- اعتراف فرنسا بأن "توافقا دوليا" يتسع نطاقه بخصوص هذه المسألة، وفي هذا، فإنها تحيل على التطورات الكبيرة التي وقعت في مواقف عدد من الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية. د- التزام فرنسا "باضطلاعها بدورها كاملا في جميع الهيآت المعنية"، وهو ما يؤسس لمنطور جديد للديبلوماسية الفرنسية، في التعاطي مع القضية الوطنية. وبالتالي، لا يتعلق الأمر بسقف الترحيب بمبادرة الحكم الذاتي، كما وقع سنة 2007، بل بتغيير في "عقيدة" الديبلوماسية الفرنسية والتزامها الدولي تجاه قضيتنا الوطنية، مما يجعل صفوف المدافعين عن المملكة وعن عدالة قضيتها يتعزز بفاعل كبير في حجم دولة عضو في مجلس الأمن. لهذا عبرت الرسالة الملكية السامية عن عُمق هذا التحول في الموقف الفرنسي، فوصفته "بالواضح والقوي"، وعن "تقدير" جلالته السامي "للدعم الواضح الذي تقدمه بلادكم لسيادة المغرب على هذا الجزء من أراضيه"، وأن هذا الموقف لا يستند على مزاج ظرفي أو رأي عابر، بل عن "اعتراف للمغرب بأسانيده القانونية وحقوقه التاريخية". كما يعيد جلالته التذكير بالالتزامات الجديدة لفرنسا، من خلال مؤسسة رئيس الجمهورية"... وعزمكم القوي على العمل، وفقا لذلك، على المستويين الداخلي والدولي، سيتمكن بلدانا من العمل معا من أجل التوصل إلى حل يحترم بالكامل، في إطار قرارات الأمم المتحدة، سيادة المغرب على صحرائه". تحول آخر في موقف دولة كبرى، ينضاف إلى مكاسب الديبلوماسية المغربية، التي يقودها جلالة الملك نصره الله، بحكمة وتبصر. وها نحن اليوم نجني ثمار الحزم الذي عبر به جلالة الملك، عن قيمة وحدتنا الترابية، وتأثير الموقف منها على الشركات الاقتصادية، فقد جاء في الخطاب الملكي السامي لـ 22 غشت 2022 "... أوجه رسالة واضحة للجميع: إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات". فقضية الصحراء هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى مختلف الفاعلين الدوليين، وبها يقيس صدقهم والتزامهم، وعلى أساسها يتم إبرام الشركات الاقتصادية ومختلف أشكال التعاون والتبادل. لقد ولى عهد "الكيل بمكيالين"، وفصل الاقتصاد عن السياسة، والشراكات الاقتصادية عن المواقف السياسية، لفائدة وحدة الموقف وانسجامه، فمن يريد المغرب شريكا فعليه أن يقر بأن الأقاليم الجنوبية جزء غال لا يتجزأ من المغرب الشريك.