تسبب في تراجع قطاع الحبوب والحليب واللحوم الحمراء والشمندر السكري لم يعد سهل دكالة يانعا، أخضر كما كان منذ سنوات، بل أصبح مصفرا، جذبا وقاحلا بسبب توالي سنوات الجفاف، التي أتت على الأخضر واليابس. جف الضرع ويبس الزرع، وتراجعت المراعي وتقلص قطيع البهائم، مما ينذر بواقع صعب على جميع المستويات، إن تعلق الأمر بالحبوب أو القطاني أو اللحوم الحمراء والحليب وزراعة الشمندر التي فقدت الكثير من جاذبيتها. إنجاز: أحمد ذو الرشاد (سيدي بنور) تعددت الأسباب التي ساهمت في تراجع الزراعة وتربية المواشي بمنطقة دكالة، التي تضم جغرافيا، إقليمي الجديدة وسيدي بنور، والتي تتوفر على أراض صالحة للزراعة، تميزت بتجهيز مساحات مهمة منها بوسائل الري (السقي الموضعي والسقي بالتنقيط)، قبل أن تتراجع التساقطات المطرية طيلة ست سنوات متتالية، مما أثر سلبا على الفرشة المائية وأدى إلى نضوبها. بوار الأرض تتنوع تربة منطقة دكالة التي تتوزع ما بين التيرس والحمري والرمل وتتميز بانبساطها، إذ تقدر مساحتها بـ 1.018.000 هكتار موزعة على317.700 هكتار بإقليم الجديدة و700.300 هكتار بإقليم سيدي بنور ويصل عدد سكان دكالة إلى 1.239.164 نسمة، مقسمة على 716 786 نسمة بالجديدة و452.448 نسمة بسيدي بنور، ويمتهن أغلبهم الزراعة. وتتوفر منطقة دكالة (الجديدة وسيدي بنور) على مساحة صالحة للزراعة تقدر بـ 325.100 هكتار منها 96 ألفا موجهة للسقي الكبير. وظلت منطقة دكالة منذ القديم، الممول الأول والرئيسي لجهة البيضاء سطات باللحوم الحمراء والحبوب والحليب والشمندر والخضر، لكنها اليوم تعاني بسبب تراجع مياه السقي عقب تراجع حقينة سدي المسيرة والحنصالي اللذين يغذيانها عبر قنوات جر المياه. وتضررت المنطقة كثيرا بسبب التغييرات المناخية، إذ تأثرت الفرشة المائية وزاد عمقها كثيرا بسبب الضغط الحاصل عليها. يقول إسماعيل خياطي، خبير في الموارد المائية، "إن المنطقة، عانت منذ 6 سنوات بسبب تعاقب مواسم الجفاف، خاصة في الموسم الحالي، بعد وقف إمدادها بالموارد المائية المخصصة للسقي انطلاقا من سد إيمفوت، في إطار مشروع الإعداد الهيدروفلاحي لقطاع دكالة المسقي، الذي كانت تخصص له ما بين 500 مليون متر مكعب و800 مليون من مياه الري، إذ لم يعد في الإمكان توفيرها، نظرا لتعاقب فترات الجفاف والعجز الحاصل في حجم الواردات المائية على مستوى السدود الموجودة على أم الربيع (2,5 في المائة)، إضافة إلى نضوب مياه الفرشة الجوفية". ودعا خياطي إلى ضرورة التكيف مع التغييرات المناخية، التي يبدو أنها ستستمر في السنوات المقبلة، بضرورة الاقتصاد في المياه المتوفرة والبحث عن طرق بديلة، مثل تغيير أساليب الزراعة بالاعتماد على زراعات تتأقلم والشح في التساقطات المطرية وتعبئة مياه الأمطار في خزانات تحت أرضية. قطاع الحبوب فرض التراجع الخطير في مجال إنتاج الحبوب على الدولة مواصلة سياسة البحث عن أسواق جديدة لتغطية الخصاص، وأكدت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، تراجع الإنتاج الوطني للحبوب بحوالي 43 في المائة مقارنة مع السنة الماضية، وقدرت الإنتاج النهائي في 31.2 مليون قنطار فقط. وإذا كانت منطقة دكالة، ظلت لسنوات أحد أهم معاقل إنتاج الحبوب (القمح بنوعيه الصلب والرطب والشعير)، إلى جانب الشاوية وعبدة، فإنها عرفت بدورها خلال الموسم الفلاحي الجاري، تراجعا كبيرا بسبب قلة التساقطات المطرية وغير المنتظمة، ومنع الفلاحين من مياه السقي. وإذا كانت المديرية الجهوية للفلاحة بجهة البيضاء سطات، أعلنت، أن حجم الإنتاج من الحبوب بدكالة وصل خلال الموسم الفلاحي 2020 / 2021 إلى حوالي 9 ملايين قنطار، رغم توالي سنوات الجفاف، أي ما يمثل 35 في المائة من المنتوج السنوي بجهة البيضاء سطات، فإنها اليوم، عجزت عن التصريح بالأرقام الحقيقية، التي تشير إلى تراجع كبير. ونزلت أرقام هذه السنة عن أرقام السنة الماضية التي تم خلالها زرع 250 ألف هكتار بالنسبة إلى الزراعات الخريفية، بالاعتماد على مياه الأمطار والمياه الجوفية فقط. ولم تتجاوز الحصيلة 3 ملايين قنطار من الحبوب بالمنطقة، بمعدل 13 قنطارا في الهكتار وهي نتيجة أفضل من حصيلة السنوات الثلاث السابقة، لكن حصيلة الموسم الجاري تبقى أقل بكثير. اللحوم الحمراء لم ينجح برنامج المخطط الأخضر في مسعاه الرامي إلى ضمان الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء، إذ رغم تخصيصه لدعم مالي مهم، وجه لقطاع التسمين قصد تجديد وتمتين قطاع العجول الموجهة للذبح، فإن وزارة الفلاحة اليوم، وجدت نفسها مضطرة للسماح باستيراد هذه النوعية من البهائم بغية تغطية الخصاص الناتج عن تراجع القطيع المحلي. ورغم أنها فتحت باب الاستيراد من جديد، وتخصيص دعم مادي للمستوردين للحفاظ على استقرار سعر اللحوم الحمراء، إلا أنها على العكس من ذلك، شهدت ارتفاعا كبيرا داخل مختلف الأسواق المغربية، حيث يصل سعر لحوم الأبقار إلى 90 درهما و100 درهم، في حين يصل سعر الأغنام إلى 120 درهما و140، دون الحديث عن سعر الكبد الذي ارتفع إلى 150 درهما و170. ودفع ارتفاع الأسعار المواطن المغربي البسيط إلى طرح العديد من التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا الارتفاع، وهل يمكن أن تتراجع هذه الأسعار في الأيام المقبلة؟ ويثير المواطنون عدة تساؤلات حول الجدوى من مواصلة استيراد الأبقار، وهي عملية تؤثر سلبا على القطيع المحلي والجهوي، واقترح عدد من المنتجين والعاملين في قطاع التسمين، مقترحات تبدو واقعية، منها تقديم الدعم للفلاحين وتشجيعهم على الاهتمام بالتسمين بدعم والرفع من المواد العلفية المركبة. ويرى عبد الفتاح عمار، الذي يشتغل في مجال الجزارة ويملك أكبر مجزرة في دكالة، أن الحكومة سمحت باستيراد الأبقار والأغنام بغية الحفاظ على سعر بيع اللحوم الحمراء. وبخصوص استيراد الأغنام، أكد أن الحكومة، خصصت دعما ماليا للموردين لتغطية جانب من تكاليف الاستيراد، والإبقاء على توازن الأسواق، خاصة في ما يهم أكباش عيد الأضحى. وأضاف أن الرهان مطروح على ما بعد العيد، الذي يتزامن مع حلول الصيف الذي تكثر فيه المناسبات الوطنية والدينية والشخصية (عودة الحجاج والأعراس والسياحة والزيارات)، وهو ما يفرض توفير الحاجيات الضرورية من اللحوم الحمراء. إنتاج الحليب ما قيل حول موضوع اللحوم الحمراء، ينطبق على قطاع الحليب الذي كانت دكالة رائدة فيه، إذ عرف بدوره تراجعا كبيرا جراء تخلص الفلاحين و"الكسابة" من قطعانهم بسبب ارتفاع سعر الأعلاف وركود سعر اقتناء الحليب من قبل الوحدات المنتجة. وتشير إحصائيات صادرة عن المديرية الجهوية للفلاحة، إلى أن منطقة دكالة، كانت تعتبر من أهم المناطق الفلاحية بالمغرب، عامة، وجهة البيضاء سطات خاصة، إذ كانت تساهم بكمية مهمة من مادة الحليب، تقدر بـ 58 في المائة على صعيد الجهة، و18 في المائة على الصعيد الوطني بما يناهز 400 مليون لتر سنويا. وعزا مهني أسباب تراجع المنتوج الحليبي إلى الظروف التي عاشها المنتجون جراء ارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة والمحلية التي تدخل في تربية وعلف الأبقار الحلوب، تزامنا مع توالي سنوات الجفاف (ست سنوات متتالية) والتخلي عن الدعم المادي المخصص لتربية العجلات، وتشجيع تنمية القطيع في أفق ضمان الاكتفاء الذاتي، إضافة إلى الفوضى التي عاشتها بعض الوحدات الصناعية، التي لم تحسن التعامل مع مربي الأبقار ومنتجي مادة الحليب. وأضاف المصدر ذاته، أن الفلاحين ومربي المواشي، وجدوا أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما مواصلة التشبث بالقطيع وإنتاج الحليب، رغم أن التكلفة أكبر من المردود المالي، وأن المستفيد هو الوحدات التحويلية، (اجري يالتاعس في خدمة الناعس)، أو التفريط في الأبقار الحلوب ببيعها للجزارين، وهذا ما فعله أغلب "الكسابة". ونتج عن ذلك نقص في مادة الحليب فاقت سقف 50 في المائة، واضطرت الوحدات الصناعية العاملة في قطاع الحليب إلى تقليص حجم الحليب المجمع بنسبة كبيرة، وأدى ذلك إلى إغلاق العديد من التعاونيات ومراكز تجميع الحليب. الشمندر السكري عرفت المواسم الخمسة الماضية تراجعا من حيث المساحة المخصصة لزراعة الشمندر السكري بدكالة وعبدة. ويرجع السبب في ذلك إلى منع الفلاحين من استعمال مياه السقي بسبب تراجع حقينة سد المسيرة، إذ تم تخصيص المياه الموجودة به من أجل تأمين مياه الشرب، سيما أن مخزون المياه في السد ذاته لا يتعدى اليوم 3 في المائة. وعرفت دكالة خلال السنوات نفسها فترات صعبة جراء تراجع التساقطات المطرية وتأثير الجفاف والإجهاد المائي الذي أصبح معطى هيكليا بجهة البيضاء سطات. ودفع ذلك إدارة "كوسومار" إلى تقليص المساحة من 22 ألف هكتار في 2018 إلى 6600 هكتار خلال الموسم الجاري، اعتمدت فيها على مياه الآبار التي تأثرت بدورها جراء موجة الجفاف التي ضربت المغرب بشكل عام منذ ست سنوات من جهة وكثرة الضخ من جهة ثانية. وسمحت اللجنة التقنية الفلاحية المختلطة خلال الموسم الماضي للفلاحين الذين يتوفرون على آبار للسقي، بزراعة 11.500 هكتار من الشمندر، وناهز المنتوج السنوي 800 ألف طن، أي ما يعادل 50 في المائة من الطاقة التحولية لمعمل السكر بسيدي بنور، في حين تم إنتاج حوالي 100 ألف طن من السكر الأبيض. وحرصت اللجنة الفلاحية المختلطة، على ضمان العديد من الإجراءات القبلية منها اعتماد البذور المختارة ذات مردودية عالية ومقاومة للأمراض ومقاومة أيضا لشح المياه، وعقلنة التسميد بتخصيص أسمدة لكل بقعة بناء على نتيجة تحليل تربتها، وإدخال تقنية الزراعة الدقيقة باستعمال "الدرون"، إذ قامت بإنجاز حوالي 1000 هكتار بالتركيز على المداواة ونزع الأعشاب الطفيلية. وتوفر زراعة الشمندر مناصب شغل قارة وموسمية وتضمن مداخيل مهمة لحوالي 3000 فلاح، وخصصت الإدارة دعما ماليا قدر في 2700 درهم للهكتار للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار الأسمدة في الأسواق العالمية والرفع من الثمن المرجعي للسكر بـ 80 درهما للطن الواحد. ويتخوف العديد من المنتجين من توقف عملية زراعة الشمندر، سيما في هذه الظروف الصعبة التي تتميز بالإجهاد المائي.