منذ أيام، كثر الحديث عن الأمن القضائي، ليس من قبل المواطن أو المتقاضي، وإنما من قبل أبناء الدار، الذين اختار بعضهم مغادرة سفينة القضاء وتقديم الاستقالة، بسبب ما اعتبروه، حسب قولهم، مسا بأمنهم القضائي. إلى حد قريب، لم نكن نسمع بطلبات الاستقالة من سلك القضاء، إلا في حالة معينة، لم تكن تخرج عن أسباب شخصية، أما الآن، وقد باح بعض المغادرين بأن الأمر يتعلق بأمنهم القضائي، فالوضع يحتاج إلى "نقطة والرجوع إلى السطر"، لأجل محاولة فهم الوضع، لأنه، وإن كان المغادرون يعدون على رؤوس الأصابع، كما يقال، في الأوساط المهنية، فهذا لا يعني السكوت إلى حين أن يتطور الأمر، وكما يقال ليس هناك دخان بدون نار. حتى وإن سلمنا بما يقال من أن الإغراءات المادية في مهن أخرى ربما تكون من بين أسباب هذه الاستقالات، فلا يمكن الاستهانة بالأمر، فالقضاء هو الملاذ الوحيد في الإنصاف للجميع، كيفما كانت وضعيتهم الاعتبارية، وهو الساهر على تطبيق القانون في المجتمع، فالانتساب إلى سلك القضاء ليس متاحا للجميع، وحمل رسالة رفع المظالم وتحقيق العدل ليسا بالأمر السهل ولا الهين، ومن البديهي أن المغادرة لن تكون إلا بالمقياس نفسه، خاصة أن أغلب المغادرين هم شباب ويشهد لهم من قبل زملائهم بالجدية في العمل والنزاهة، فكيف لمن توفرت فيه تلك الصفات أن يقرر التخلي عن حلم عمره وربما حلم عائلته؟ استوقفتني كثيرا عبارة كتبها قاض من المغادرين للسفينة، حول أسباب استقالته "إذا أحس القاضي بأن قراره القضائي لا يستقل فيه ضميره، وحسن تطبيق القانون تطبيقا عادلا متزنا موضوعيا ومجردا عن الظروف والمراكز، بل يشترك في ذلك مجال الإدارة القضائية ويكون المسؤول القضائي، إضافة إلى دوره التدبيري دورا تقريريا، في ما يعرض على القضاء من نوازل، حينها ينعدم الإحساس بالاستقرار القضائي، ويخاف معه الميل عن الحق فلا يجد المرء من بد إلا أن يقاوم إن كان قادرا على ذلك، وإلا فمن الكياسة المغادرة". هذه الكلمات تحمل في طياتها الكثير من النقاط التي تتطلب من الدولة، بكل مكوناتها، وفي مقدمتها المجلس الأعلى للسلطة القضائية، الوقوف عندها، وفتح باب الحوار مع القضاة والإصغاء إليهم، ومعرفة الأسباب الحقيقية وراء ما يقال، وعلاج ما يمكن علاجه، لأنه، في الأول والأخير، الأمر يتعلق بالقضاء وبصورته، فهو ملاذ الجميع لتحقيق الأمن الاجتماعي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل الأمر، واعتماد مقولة "كم حاجة قضيناها بتركها". للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma